أهل واشنطن مصرون فى تعليقاتهم وحواراتهم التليفزيونية على وصف ما حدث بأنه «الاحتلال الروسى للقرم» «واشنطن بوست» نشرت مقالاً بقلم خمسة من سفراء أمريكا السابقين لدى أوكرانيا يطالبون فيها بالتعقل وعدم الانجراف نحو مواجهة عسكرية واصلت واشنطن التنديد بما فعلته وارتكبته روسيا فى أوكرانيا من «تدخل عسكرى» و«احتلال روسى» و«انتهاك لسيادة أوكرانية وأراضيها». كما أن واشنطن استمرت فى التلويح بعواقب ما فعله الرئيس بوتين، وأيضًا التهديد باتخاذ خطوات عديدة لعزل روسيا ومعاقبتها. ومساء أول من أمس الأحد تم الإعلان عن قيام جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى بزيارة لكييف لإظهار تضامن واشنطن مع أوكرانيا وتأكيد وقوفها معها فى الأزمة الراهنة. وحرص مسؤولون أمريكيون بالإدارة فى تصريحات صحفية على الحديث عن تشاورات مكثفة أجراها الرئيس أوباما مع نظرائه الأوربيين فى اليومين الأخيرين، وذلك من أجل التوصل إلى سبل احتواء الأزمة قبل استفحالها، ومنع موسكو من نشر قواتها، ومد نفوذها فى أراضٍ أخرى بجانب القرم فى أوكرانيا، وإثناء بوتين عن الاستمرار فى تحركاته العسكرية. إضافة إلى أساليب لعزل روسيا ومعاقبتها اقتصاديًّا وماليًّا. والملف الأخير مطروح بشدة هذه الأيام، ويتردد أنه تم اتخاذ بعض الخطوات بشأنه إلا أن تداعياته ومردوده بشكل عام لن يظهر بسرعة. كما أن لا أحد يستطيع أن يحسم أن بوتين سوف يتأثر بتلك الخطوات، وبالتالى يضطر أن يعيد حساباته أو يتراجع عما فعل. ولم يتردد أهل واشنطن فى تعليقاتهم وحواراتهم التليفزيونية طوال يوم الأحد عن وصف ما حدث بأنه «الاحتلال الروسى للقرم»، و«أن بوتين يرى ما يرى، ويريد ما يريد، لأن لا أحد يريد التصدى له أو الوقوف أمامه»، و«أن روسيا الآن ليست الاتحاد السوفيتى بالأمس»، و«أن أوكرانيا دولة مستقلة، وستبقى مستقلة، ولا تنسى تاريخها، ولا تريد أن تعود من جديد إلى قبضة موسكو»، و«أن موسكو عليها أن تحترم ما تم الاتفاق عليه فى عام 1994 بشأن أوكرانيا والقرم». إلا أن أهل واشنطن أيضًا لم يترددوا فى التساؤل عن رغبة أوباما وقدرته والأهم استعداده للتحدى والوقوف فى وجه بوتين رجل الكرملين. خصوصًا أن المواجهة مع بوتين ليست بالمهمة السهلة، أخذًا فى الاعتبار تاريخه ومنطقه ورغبته فى التحدى وسعيه المستمر إلى «إحياء أمجاد الماضى» (كما يقال). صحيفة «نيويورك تايمز» وهى تتناول تشاورات الإدارة المكثفة من أجل احتواء الموقف نقلت عن مسؤول قوله إن مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل أبلغت أوباما يوم الأحد أنها بعد أن تحدث تليفونيًّا مع بوتين ليست واثقة بأنه على إلمام تام بالواقع، وأن «بوتين فى عالم آخر». الحديث عن بوتين ودوافعه وشخصيته وتاريخه وطموحاته مستمر لدى أهل واشنطن خاصة لبيان الوضع الصعب بتعقيداته. وذلك على أساس أن بوتين فى العادة لا يعرف التراجع ولا يعرف التفاوض، ومن ثم التنازل. ومن هنا تأتى التوقعات بأن المواجهة سوف تزداد حدة. ما قاله أكثر من قيادى بالكونجرس هو أن ما يحدث يعد «اختبارًا حقيقيًّا لحدود قوة أوباما وقدرته على المواجهة حتى نهاية المطاف». وأن أوباما ينتقد الآن، لأنه ترك الأمور تصل إلى وضعها الحالى، أو أنه بالفعل أوحى بوتين كغيره من حكام آخرين فى سوريا وإيران بأنه كعادته لن يفعل شيئًا، وإن هدد فإنه يتراجع، وإن لوح بعقوبات وخطوات أشد فإنه لا ينفذ ما قاله، أو كما هى عادته فإنه «يعيد حساباته» فى آخر لحظة! ويتكرر الحديث فى المشهد الواشنطنى عن حرب باردة جديدة، وإن كان لا أحد يعرف مداها وعواقبها، وأن بوتين أخطأ فى حساباته وتقديراته. كما يتكرر القول بأن مشكلة بوتين أنه يؤمن بأن اللعبة فى نهاية المطاف فيها غالب ومغلوب (هكذا يقولون)، وأن بوتين لا يعرف أو لا يريد أن يعرف أو يعترف بأن الطرفين يمكن أن يخرجا من اللعبة منتصرين، ولهما الغلبة. ومنطقهم هذا لا يتطابق مع منطق بوتين، لا يعنى أنهم على حق، أو أن بوتين سيدفع ثمن عدم اعترافه أو احترامه منطقهم المعلن! خصوصًا أن الرئيس الروسى موجود على الساحة منذ فترة ليست بقصيرة، وقد أخذ خطوات مشابهة فى السابق، وآخرها فى جورجيا عام 2008. ولم يقف أمامه بحسم أحد، لذلك قرر اتخاذ خطوة مماثلة فى أوكرانيا، وفرض «واقع جديد» رغم أنف المعارضين لأسلوبه وتواجهاته و«منطقه» سواء كانوا من جيران روسيا المقربين أو كانوا من أعداء روسيا أو منافسيها فى الغرب. وفى خطوة مفاجئة، وأيضًا مختلفة عن السائد والمسيطر من «دق لطبول الحرب» نشرت «واشنطن بوست» أمس مقالة بقلم خمسة من سفراء أمريكا السابقين لدى أوكرانيا يطالبون فيها بالتعقل وعدم الانجراف نحو مواجهة عسكرية قد تشتعل فى أى لحظة. وقد طالب السفراء السابقون أوكرانيا وحكامها وأهلها ب«ضبط النفس» وعدم التهور بإطلاق النار أولا»، لأن هذه الخطوة ستكون خطأ تنتظره روسيا لتكمل بقواتها وتفوقها العسكرى ما بدأت منذ أيام. وهى الخطوة الخطأ التى فعلها الجورجيون فى عام 2008. كما طالب السفراء الخمسة أصحاب القرار فى أوكرانيا بإيضاح موقفهم ورفضهم التهديد الموجه إلى الروس فى بلادهم وبيان سياستهم فى عدم التفرقة وعدم الاضطهاد للروس وللغتهم والمعاملة بالمثل لغيرهم من الأقليات. إضافة إلى ضرورة الجلوس مع بوتين، والعمل من أجل إيجاد حل توافقى للملفات القائمة بين البلدين. وأيضًا إمكانية الاستعانة بمراقبين دوليين على الحدود الشرقيةلأوكرانيا. كما يرى السفراء فى مقالهم ورسالتهم الموجهة إلى أوكرانياوواشنطن أن الحرب قد تشتعل فى أى لحظة وشرارة اشتعالها موجودة.. وقال السفراء أيضًا: «إن الأوكرانيين سوف يحاربون».. «إلا أن أوكرانياوروسيا وأوروبا والولايات المتحدة عليهم أن يفعلوا كل ما فى وسعهم لمنع نشوب الحرب». ولا شك أن المواجهة بين واشنطنوموسكو سوف تستمر فى الفترة المقبلة وعلى جبهات عديدة.. والعالم كله يترقب ويتابع لكى يعرف أو يفهم عواقب وتبعات هذه المواجهة بكل أشكالها وجبهاتها.