الرئيس السيسي يمنح أنواط الطبقة الثانية لأوائل الخريجين الوافدين بكلية الدراسات العليا    تحت شعار بداية جديدة.. جامعة المنيا تستقبل العام الدراسي الجديد 2024-2025    خريجو الشرطة يؤدون اليمين خلف كبير معلمي الكلية    جامعة القاهرة تعلن خطة الفعاليات الثقافية والرياضية والفنية خلال الأسبوع الأول من بداية الدراسة    وزارة التعليم: الموافقة على الاستعانة بعدد 50 ألف معلم من غير المعينين لمرحلة التعليم الأساسي بقيمة 50 جنيها للحصة الواحدة    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024 في الصاغة    أماكن شوادر لحوم حياة كريمة في الشرقية والأسعار    وزير الإسكان: تكثيف أعمال التطوير ورفع الكفاءة في المدن الجديدة    سلامة الغذاء: تسجيل 785 منشأة محال عامة ومعاينة 536 واستيفاء 405 في أسبوع    الإحصاء: 3.4% زيادة في معدل الزواج وتراجع 1.6% في الطلاق    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل التعاملات    محافظ القليوبية: إنهاء الموافقات لبدء مشروعات الصرف ضمن «حياة كريمة 2»    عاجل.. الجيش اللبناني يحذر من مخطط تخريبي إسرائيلي يستهدف اشعال اشتباكات داخلية بين اللبنانيين    نواب: مصر الداعم الأساسي لدول المنطقة وقت الأزمات والصراعات    ب 80 طناً من القنابل.. كيف تم اغتيال حسن نصر الله في الطابق ال14 تحت الأرض؟    قوات الاحتلال تعتقل 5 فلسطينيين بينهم سيدة شرق قلقيلية    إسرائيل تؤكد مقتل نائب رئيس المجلس المركزي لحزب الله نبيل قاووق في غارة على الضاحية الجنوبية أمس    موعد مباراة ديربي مدريد بين الريال و أتلتيكو في الدوري الإسباني    فيفا يزيح الستار عن ملاعب بطولة كأس العالم للأندية 2025    إحالة إمام عاشور للتحقيق بسبب ما فعله في مباراة السوبر    قائد الأهلي السابق: الفريق يحتاج لمدير كرة قوي بسبب تصرفات اللاعبين    محمد صلاح ينضم لقائمة تاريخية في الدوري الإنجليزي ويعادل رقم أجويرو    نشاط للرياح ورفع الرايات الصفراء على شواطئ الإسكندرية    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    حملات أمنية لضبط حائزي ومتجري المواد المخدرة والأسلحة النارية    ضبط 30123 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق بالفيوم    شيرين تعتذر لشقيقها: "بعتك بأرخص تمن"    كسوف الشمس وبرج الميزان.. أحداث وتطورات في شهر أكتوبر 2024 (الوقوع في الحب)    اليوم.. ندوة لمناقشة "ديوان خيالي" للشاعر الكبير جمال بخيت بنقابة الصحفيين    الأول من أكتوبر.. عرض حصري لمسلسل أزمة منتصف العمر على mbc مصر    عرض الفيلم السورى "يومين" فى افتتاح مهرجان الإسكندرية    طلاب أكاديمية الشرطة يقدمون عروض الخيالة وحركات الجمباز أمام الرئيس السيسي    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    مدرسة الأقباط الثانوية بطنطا تحتفل بالمولد النبوي.. صور    «الصحة» تكشف الاستعدادات النهائية لانطلاق المؤتمر العالمي للسكان    التأمين الصحي ببني سويف: إعادة تشغيل الصيدلية التجارية لتسهيل صرف الأدوية للمرضى    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    "الجارديان" تسلط الضوء على تحذير لافروف للغرب ألا يتورطوا في حرب مع "قوة نووية"    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    وزير الداخلية يوافق على استبعاد صومالي وأوزباكستاني خارج البلاد    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    ملازم تحت الاختبار: التحاق شقيقي الأكبر بأكاديمية الشرطة شجعني لاتخاذ الخطوة    ضبط شاب يصور الفتيات داخل حمام كافيه شهير بطنطا    إصابة 14 شخصا في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    استدعاء «التربي» صاحب واقعة العثور على سحر مؤمن زكريا    قرود أفريقية خضراء وخفافيش الفاكهة.. ماذا تعرف عن فيروس ماربورج؟    المندوه: ركلة جزاء الأهلي في السوبر الإفريقي «غير صحيحة»    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي.. أحمد موسى عن مناورات الجيش بالذخيرة الحية: «اللى يفت من حدودنا يموت»    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جحيم على باب الجنة نانسى حبيب
نشر في التحرير يوم 25 - 02 - 2014

لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر باروخ جولدشتاين فى فجر يوم 25 فبراير عام 1994، فى هذا اليوم استيقظ ذلك الطبيب اليهودى المقيم فى إحدى المستوطنات وتوجه إلى مدينة الخليل، وهناك اقترب من الحرم الإبراهيمى، حيث كان المسلمون يؤدون الصلاة فجر يوم جمعة فى منتصف شهر رمضان. ولم يستوعب أحد منهم شيئا إلا وهم يجدون جولدشتاين يمسك رشاشا يطلق به النار على المصلين، ليقتل 29 ويجرح 150 آخرين، قبل أن تنفد ذخيرته ويلتف حوله المصلون ليضربوه حتى قتلوه.
لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر جولدشتاين وهو يضع قدميه داخل الحرم الإبراهيمى، لكننى أعرف. إننى كنت أشعر برهبة ورجفة وعدة مشاعر أخرى متداخلة لم أشعر بها من قبل.
يومها كنت فى زيارة إلى فلسطين بدعوة من بلدية رام الله للمشاركة فى مخيم دولى تطوعى للشباب قبل ستة أشهر. وفى ذلك اليوم قرر منظمو المخيم أن يعرفونا على أماكن مختلفة فى فلسطين، وكانت المحطة الأولى فى بيت لحم، حيث قمنا بزيارة كنيسة المهد، وهى زيارة يكفى أن تقوم بها لتشعر بأن زلزالا اجتاح كيانك، وبأن ما كنت تسمعه عن وجود «عبق تاريخى» هو شىء حقيقى، وليس مصطلحا أسطوريا كما كنت أعتقد، والحديث عن زيارة بيت لحم يطول ويطول، لكن هذا ليس مجاله، ففى المحطة الثانية قصتنا حيث بلدة الخليل القديمة.
فى الطريق إلى الخليل ستجد عدة لافتات مكتوب عليها «الخليل»، وتحتها كلمة «حبرون» باللغتين العربية والعبرية، وهو ما يفسره دليلنا فى الرحلة بأن لكل مدينة فلسطينية اسمين أحدهما عربى والآخر عبرى، قبل أن يقول لنا إن الخليل تقع فى الضفة الغربية جنوب القدس بنحو 35 كم، وهى تعتبر ثانى أكبر المدن الفلسطينية بعد مدينة غزة من حيث عدد السكان والمساحة. والمدينة مقسمة إلى البلدة القديمة والحديثة. الأولى هى وجهتنا، حيث تقع بمحاذاة المسجد الإبراهيمى، ورغم أنها بعد اتفاق الخليل الذى تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997 صارت مقسمة إلى قسمين: الأول يخضع للسلطة الفلسطينية، والثانى يخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلى، فإنك ستجد الإسرائيليين فى كل مكان حتى تلك المناطق التى يفترض أنها خاضعة للسلطة.
وصلنا أخيرا إلى البلدة القديمة، وهناك تشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر، شوارع قديمة عبارة عن أزقة كأنها خرجت للتو من روايات نجيب محفوظ، وبيوت صغيرة ودكاكين قديمة معظمها مغلق، لكنها تذكرك بزنقة الستات فى الإسكندرية، نفس السلع المنخفضة السعر ونفس التجار الطيبين وحتى نفس الستات اللاتى يفاصلن عند الشراء. إلا أننا لاحظنا وجود سور كبير فوق رؤوسنا بامتداد الطريق، وهو ما قام بتفسيره مرشدنا الفلسطينى قائلا إن إسرائيل قامت باحتلال محافظة الخليل بما فيها المدينة بعد حرب 1967، وقامت بمصادرة جزء كبير من المدينة لإسكان المستوطنين الأجانب فيها، خصوصا فى البلدة القديمة. ومنذ ذلك الوقت بدأ المستوطنون فى الاستيطان بمحيط المدينة، ثم فى داخلها، حيث أقاموا عدة مستوطنات إحداها قرب المسجد الإبراهيمى. وبدأ عدد كبير من السكان الفلسطينيين فى النزوح من المدينة، خصوصا فى ظل مضايقات المستوطنين، وبعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية آلاف المحلات، وهو الأمر الذى استمر حتى يومنا هذا. ثم أشار إلى السور فوق رؤوسنا، موضحا أن السكان الفلسطينيين قاموا ببنائه لمنع القاذورات التى كان يلقيها عليهم المستوطنون الإسرائيليون الذين يسكنون فوقهم.
ومررنا بعدها من نقطة تفتيش إسرائيلية لنصل أخيرا إلى المسجد الإبراهيمى. منذ اللحظة الأولى التى تخطو فيها قدمك داخل المسجد ستشعر برهبة، كأنك انتقلت إلى قطعة من الجنة، تتلفت حولك لتجد المصلين فى كل جانب، وإلى جوارهم قطعة من التاريخ، هنا قبر سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهنا قبر رفقة زوجة إسحق عليه السلام، وإلى جواره بخطوات قبر إسحق نفسه، ثم قبر يعقوب ومنبر صلاح الدين، ثم ستجد ركنا يقبع فيه قبر إبراهيم عليه السلام.
تقترب من القبر لتلمسه وأنت تشعر أنك فى عالم آخر، قبل أن يخرجنا منه دليلنا الفلسطينى لينقلنا إلى عالم مغاير، مشيرا إلى كاميرات منتشرة على بعض الأركان ليوضح لنا أن هذه الكاميرات تخص القوات الإسرائيلية، وهو ما أصابنا بالذهول. كاميرات مراقبة للقوات الإسرائيلية داخل المسجد الإبراهيمى! ليفسر لنا دليلنا بأن هذا سببه باروخ جولدشتاين.
منذ عشرين عاما بالضبط، وفى منتصف شهر رمضان كان المصلون فى المسجد، وكان صوت المؤذن ينادى بأذان الفجر، بينما يمر مصلون جدد من الحواجز أمام الجنود الإسرائيليين، وبينما كان الإمام يُكبّر والمصلون يسجدون لله من خلفه دوّى صوت الطلقات، وامتلأ المكان برائحة البارود، وسالت الدماء فى المسجد المقدس، وتساقط المئات بين جرحى وقتلى، قبل أن تنفد ذخيرة باروخ ويلقى مصرعه على أيدى المصلين المصابين بالغضب والذهول.
ومنذ تلك الحادثة وضعت القوات الإسرائيلية كاميرات داخل المسجد، لتعرف ما يحدث بالداخل، ليكمل دليلنا الفلسطينى بأنه لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر جولدشتاين، هل كان يملؤه الحقد، أم أنه فقد عقله ومشاعره إلى الحد الذى جعله يطلق النار على مصلين عزل؟ لكننا كنا نعرف أن قصة دليلنا التى انتهت معها زيارتنا للمسجد الإبراهيمى نقلتنا إلى أبواب الجحيم التى فتحها جولدشتاين، بينما كنا منذ لحظة مضت فى زيارة قطعة من الجنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.