توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    طلبة كلية الشرطة يحيون العلم المصري بحضور الرئيس السيسي    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    الرئيس السيسي يشهد الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من طلبة كلية الشرطة    «ارتفاع كبير ل عز والاستثماري».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    الذهب يواصل تسجيل ارتفاعات جديدة في السوق المحلية اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: العوامل المؤثرة وتفاصيل الأسعار    وزير الإسكان يؤكد مواصلة حملات إزالة مخالفات البناء بالمدن الجديدة    عاجل| تراجع عدد حالات الطلاق في مصر 1.6% خلال 2023    الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه يواصلون أعمالهم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني    رئيس وزراء العراق يؤكد ضرورة تنسيق الجهود العربية والإسلامية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية    روسيا: الدفاعات الجوية تسقط 125 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية    تفاصيل عملية اغتيال حسن نصرالله: تصعيد خطير في الصراع اللبناني الإسرائيلي    شريف عبد الفضيل يكشف أسباب هزيمة الأهلي أمام الزمالك    بيان هام من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الأحد: رياح تضرب 4 مناطق وسقوط أمطار (تفاصيل)    القبض على 12 متهمًا في حملات على مركز مغاغة بالمنيا    كفر الشيخ.. تحرير 12 محضرا تموينيا في الحامول    إصابة 14 شخصا في انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    الفنانة شيرين ضيفة برنامج "واحد من الناس" مع عمرو الليثي.. الإثنين    على هامش معرض كتاب "الصحفيين".. غدًا عرض فيلم "الطير المسافر.. بليغ عاشق النغم"    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    «جهات التحقيق تدخلت».. شوبير يكشف تطورات جديدة بشأن «سحر مؤمن زكريا»    كلاكيت تانى مرة أهلى وزمالك بالسوبر الإفريقى.. قمة السوبر الإفريقى حملت «المتعة والإثارة» فى ثوب مصرى خالص    ملازم تحت الاختبار: التحاق شقيقي الأكبر بأكاديمية الشرطة شجعني لاتخاذ الخطوة    الطماطم ب25 جنيهاً.. أسعار الخضروات في الشرقية اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    "الحوار الوطنى" يستعرض آليات تحويل الدعم العينى لنقدى.. فيديو    رائدة هندسة الفلزات والسبائك ل«روزاليوسف»: د.إيمان صلاح الدين: تحديات كبيرة تواجه مستقبل صناعة الصلب والطاقة المتجددة    ضبط شاب يصور الفتيات داخل حمام كافيه شهير بطنطا    إصابة 14 شخصا في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    وزير الداخلية يوافق على استبعاد صومالي وأوزباكستاني خارج البلاد    تعرف على الحالة المرورية بشوارع القاهرة والجيزة اليوم    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    فاتن حمامة وحليم .. ملوك الرومانسية فى مهرجان الإسكندرية السينمائى    وفاة الحاجة فردوس شقيقة أحمد عمر هاشم.. وتشييع الجنازة ظهر اليوم من الزقازيق    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    مباريات اليوم: «ديربي» ريال مدريد وأتلتيكو.. قمة اليونايتد وتوتنهام.. ظهور جديد لمرموش    استدعاء «التربي» صاحب واقعة العثور على سحر مؤمن زكريا    قرود أفريقية خضراء وخفافيش الفاكهة.. ماذا تعرف عن فيروس ماربورج؟    طبيبة تكشف أفضل الأطعمة للوقاية من الأمراض في الخريف    مسئول أمريكي كبير يرجح قيام إسرائيل بتوغل بري محدود في لبنان    ريهام عبدالغفور تنشر صورة تجمعها بوالدها وتطلب من متابعيها الدعاء له    المندوه: ركلة جزاء الأهلي في السوبر الإفريقي «غير صحيحة»    محمد طارق: السوبر المصري هدف الزمالك المقبل..وشيكابالا الأكثر تتويجا بالألقاب    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي.. أحمد موسى عن مناورات الجيش بالذخيرة الحية: «اللى يفت من حدودنا يموت»    نشوي مصطفي تكشف عن مهنتها قبل دخولها المجال الفني    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    احذر من إرهاق نفسك في الأحداث الاجتماعية.. برج القوس اليوم 28 سبتمبر    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    رؤساء الجامعات يوجهون الطلاب بالمشاركة في الأنشطة لتنمية مهاراتهم    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة المصنع محمود عبد الشكور
نشر في التحرير يوم 04 - 02 - 2014

ينساب فيلم «فتاة المصنع» لمحمد خان عذبًا متدفقا وساحرا كالنيل الذى ترمى فيه بطلته «هيام» وأمها بقايا شعر الفتاة الأسود المقصوص، شاهدا بليغا على قصة حب مجهَضة، رأينا فيها سندريلا شعبية تتقاطع مع سندريلا السينما والحلم سعاد حسنى، الحاضرة فى الفيلم بالغناء وبالإهداء وبالمعنى وبالمغزى، ولكن مشكلة «هيام» أنها لم تجد الفارس الذى يبحث عنه خان فى كل أفلامه.. لم يستدلّ عليه، رجل حاضر بالجسد، وغائب بالروح.
البارعة كاتبة السيناريو وسام سليمان ترسم شخصياتها بلمسات ساحرة، وتقدم مع خان قصيدة حب لا نظير لها لعالم البنات، للمرأة المصرية حفيدة إيزيس، العاشقة والصابرة، والقوية أيضا، «هيام» (الرائعة ياسمين رئيس) تعمل فى مصنع صغير للملابس الجاهزة، عالمها محدود بالمصنع وبالشارع فى الحى الشعبى وبمنزلها، فى الأماكن الثلاثة تملأ النساء الكادر رغم أنهن مهمشات فى الواقع على كل المستويات، فى المصنع بنات تحلمن بالعريس، «هيام» قَلِقَة لأنها أصبحت فى سن الحادية والعشرين، كل البنات حالمات كما فى أفلام خان، حتى غِيرَتهن طفولية، «هيام» تقع فى غرام المشرف الجديد «صلاح» (هانى عادل)، فى الشارع بنات كثيرات، تجلسن معا على الرصيف فيعاكسهن شباب الحارة، مجرد نظرات مبتورة متبادَلة، وفى البيت قافلة من النساء: عيدة (سلوى خطاب) أمّ هيام، وبسمة أخت هيام غير الشقيقة، وسميرة (سلوى محمد على) خالة هيام المطلَّقة التى أنجبت ابنة واحدة، تزور سميرة أختها وأسرتها، وتمنح هيام تجربة عمل إضافى، خادمة معها فى المنازل «عشان تحوّش قرشين ينفعوها».. فى انتظار الفارس. ولكن الفارس كان وهمًا، مشرف المصنع الذى رعته هيام فى منزله إثر أزمته الصحية، لم ولن يفهم معنى أن هناك فتاة تحب، يعتبر قُبلتها ورطة، وحنانها استغلالا، ونظراتها طمعًا، أمه تتنبه مبكرا فتصر على أن تدفع لهيام أثمان ما تفعله، مبالغ نقدية تافهة، ستلقيها هيام بكبرياء فى البالوعة.
يتسلل بنا الفيلم من بهجة الحب إلى قسوة الواقع. المجتمع الذكورى يتهم هيام بالخطيئة، النساء المغلوب على أمرهن تصبحن جزءا من إدانة هيام بما لم تفعل، جدتها تقصّ شعرها، زوج أمها يحاول قتلها، أمها تلطم وجهها، خالتها تقترح أن تفحصها الداية، أما المشرف فهو يهينها، يتعارك معها أمام «جروبى»، بينما تمر مظاهرة خلفهما تهتف بأن صوت المرأة ليس عورة.
ولكن بطلات خان قويات للغاية من أول الفتاة التى لعبتها نورا فى «ضربة شمس» إلى هيام فى «فتاة المصنع»، المرة الوحيدة التى تنهار فيها هيام عندما تشاهد الرجال وقد أحضروا حبيبها ليتزوجها قسرًا، هى لا تريد زوجا والسلام، تريد رجلا عاشقا، تسقط من بلكونتها، تتحمل إدانة الحمقى بصبر وصمت مَرْيمى (نسبة إلى مريم البتول)، حتى يبرّئها الطبيب، يثبت أن جسدها لم يُنتهك، هذا فقط ما يهم مجتمع الذكور المتغطرس، أما روحها الجريحة المنتهَكة فلا يطببها إلا النيل، تلقى بقايا شعرها فيه، تهتف أمها: «يا نيل يا كبير.. خللى جرحى يطيب»، ولأن فتاة المصنع لم تصرخ أبدا، فقد اختارت أن تكون صرختها رقصة، أوفت بوعدها، رقصت فى فرح حبيبها، قررت أن تبتسم، لا شك عندى أنها لن تتوقف عن محاولة البحث عن فارس.
رجال الفيلم لا يفهمون المرأة أصلا، يعاشرونها ويتزوجون وينجبون منها، ومع ذلك لا يفقهون معنى أنها مخلوق يحب ويشعر. صاحب السنترال الذى تعمل به «سميرة» يتحرش بجسدها، زوج «عيدة» يلومها لأنها خرجت إلى الشارع حافية القدمين رغم أنها ما خرجت إلا لكى تدافع عنه، أما النساء فى الفيلم، وفى كل أفلام خان، فهن مخلوقات حساسة للغاية، احتضان سميرة لهيام وبسمة وهن نائمات يستدعى نفس التكوين بين هند وكاميليا وأحلام الصغيرة. تتعامل البنات مع المهندس فى رحلة عين السخنة كحبيب وكطفل يستأهل أن يأكل من طعامهن. أسماء الشخصيات مبهجة رغم واقعها المرير المهزوم (عيدة وهيام وسميرة وبسمة وحسنية ونصر) حتى الجدة الشرسة تصعَب عليك عندما تذكِّرها «عيدة» بالموت، ماذا تتنظرون من امرأة وحيدة؟، نسمع فتاة فى السنترال تنتظر حبيبا هجرها وسافر. استحضار سعاد حسنى وأغانيها لم يكن فقط تحية لممثلة يحبها خان مثلما نحبها، سعاد وأدوارها تنويعة لا نهائية على نماذج محمد خان النسائية، سعاد تنوب عن هيام فى التعبير عن عالمها الداخلى، وهيام هى نفسها السفيرة عزيزة التى منحت قلبها وشفتيها لمن أحبت، عندما تقترب شفتا هيام من المهندس، يقطع خان إلى قُبلة سعاد وشكرى سرحان، حبيب السفيرة عزيزة ظل أيضا مترددا، أما حبيب هيام فقد خذلها، زوزو هى أيضا هيام ولكن بعد أن هزمت واقعها، ووجدت فارسها، وهزمت الفارق الطبقى، وهجرت مهنتها القديمة.
عين محمد خان تحوِّل العادى إلى استثنائى، الكاميرا دومًا تطل على بطلاته من زاوية مرتفعة، تتأملهن كالملاك الحارس، يتسع الكادر فى مشاهد البهجة بين البنات داخل المصنع، ثم يضيق للغاية على هيام عندما يخذلها حبيبها، يرسم الضوء لمحات من الشقاء على وجوه الأمهات، لا توجد لقطة مجانية، مروحة السقف وإبرة الخياطة والموبايل والملابس الداخلية والفساتين وحبال الغسيل لها أدوار فى التكوين والمعنى مثل كل الممثلين، ياسمين رئيس تقول بعينيها وبتعبيرات وجهها ما تعجز عنه الكلمات، الحدوتة نفسها كان يمكن أن تصنع ميلودراما رديئة، ولكن حساسية وسام وخان انتقلت بها إلى مستوى التحفة السينمائية.
تقول عيدة عن سبب كثرة البنات فى الحارة، إن هناك رجلا نوبيا كان يكره النساء، فظهرت له جنيّة أوقعته فى حبها، وتخلت عنه، وجعلت كل خلفته من البنات، وتقول عيدة إن خلفة البنات رزق، وتقول عيدة إن نساء الحارة تقلّبن الأمثال، «مش الفرح هوّه اللى بيجيب الزغاريد، الزغاريد هيّه اللى بتجيب الفرح»، قبل نهاية الفيلم تولد طفلة، أنثى جديدة تصرخ بالنيابة عن كل نساء الفيلم، تحمل معها صبر مريم، ووفاء إيزيس، وقوة خديجة، ودلال زوزو، وأحلام هند وكاميليا، وجرأة بنات وسط البلد، وحنان أم موسى، وجمال أفروديت، وتطلب من النيل أن ينصفها ويطبب جروحها.
«فتاة المصنع» يقول بأبلغ العبارات والصور: يا من لا تفقهون، الحياة امرأة، والمرأة ثورة، قلب كبير باتساع الكون، أمّنا التى نسيناها، حائكة الثوب، وصانعة الخبز، وباب الجنة، وقبل كل ذلك: صانعة البهجة والنُّصرة والعيد والحُسن والحب والجمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.