انتفاضة الاغتيالات و«30 يونيو» فى مصر وضعتا حدًّا لمراوغات «النهضة».. والدستور الجديد «ليبرالى» نجاح تونس فى إقرار دستور توافقى يوم (الأحد) الماضى بعد عامين من الأزمات السياسية، قوبل بترحيب غربى كبير، ومن الولاياتالمتحدة خصوصا. وقد دفع هذا راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة (إخوان تونس) إلى التصريح بأن المصادقة على دستور ديمقراطى توافقى، ستؤثّر فى باقى دول الربيع العربى الأخرى، مشيرا إلى أن بعض الدول تريد أن تنقل لنا «نموذج الثورة المضادة»، إلاّ أننا «سنؤثر» بنموذج التجربة الديمقراطية التونسية، فى باقى التجارب الأخرى و«لن نتدخل فى شؤون الدول الأخرى». وبكلامه عن «الثورة المضادة» كان الغنوشى يشير بوضوح إلى مصر التى كثيرا ما هاجم ثورتها فى 30 يونيو ضد جماعته الأم «الإخوان» وإطاحتها بالمعزول محمد مرسى، وهو كثيرا ما وصف عزل مرسى ب«الانقلاب على الشرعية»، لكن الحقيقة التى يعرفها التونسيون أن هذا الدستور مكتوب بدماء مناضلين من أمثال شكرى بلعيد ومحمد البراهمى اللذين قتلا غدرا فى عهد حكومة النهضة. وقد شهدت تونس أزمة سياسية خانقة إثر اغتيال الزعيم المعارض شكرى بلعيد فى فبراير من العام الماضى، وهى أول عملية اغتيال سياسى فى تاريخ تونس الحديث، وهى العملية التى هزت وجدان التونسيين الذين خرجوا بالآلاف إلى الشوارع للمطالبة برحيل حكومة النهضة. وبعدها دخلت تونس فى أزمة أخرى فى أعقاب اغتيال النائب المعارض، محمد البراهمى، فى 25 يوليو الماضى، الأمر الذى أجبر العديد من الهيئات والمنظمات فى البلاد على الدخول فى حوار وطنى. وقد جاءت الإطاحة بالإخوان فى مصر، لتبعث بإنذار قوى إلى حكومة النهضة فى تونس، التى كانت قبلها قد أدمنت المناورات السياسية وكثيرا ما حنثت بوعودها للمعارضة وللشعب. كما دخلت كبرى المنظمات، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسى للشغل على الخط، وتقدمت بمبادرة لانتشال البلاد من أزمتها، التى فاقمها المعارك التى يخوضها الجيش فى جبل الشعانبى، ومقتل العشرات من رجال الأمن والجيش. وصادق نواب المجلس التأسيسى التونسى، فى وقت متأخر مساء الأحد، على الدستور الجديد، الذى يحتوى على 149 مادة، بنسبة فاقت أغلبية الثلثين المطلوبة لإقراره. كما صادق أول من أمس الإثنين رئيس الجمهورية التونسى، المنصف المرزوقى، ورئيس الحكومة المستقيلة، على لعريض، ورئيس المجلس التأسيسى مصطفى بن جعفر، على الدستور الجديد للبلاد، فى مقر المجلس التأسيسى بحضور سفراء الدول الأجنبية، وممثلين عن الهيئات الدولية والأممية، فضلا عن عدد من رؤساء برلمانات ومجالس الشيوخ من دول عربية وأجنبية مختلفة. ويرى المراقبون أن تونس بالمصادقة على مشروع الدستور، قد حققت خطوة مهمّة فى مسار إنجاح ثورتها، التى أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن على، حيث يعد مشروع الدستور التونسى الجديد، الدستور التوافقى الأول من بين دساتير دول الربيع العربى الست، ومن المنتظر أن يرسى أوّل ديمقراطية تشاركية فعلية فى المنطقة العربية. لكنه أوضح أن كلّ المشاركين فى مؤتمر «دافوس» العالمى مؤخرّا يشيدون بالتجربة التونسية واعتبروها «نموذجا للديمقراطية» فى المنطقة العربية.