3 جهات لا تتوقف عن الصراع على المسرح السياسي الإسرائيلي، الحكومة والبرلمان والقضاء، تبدأ القصة دائمًا بطرح وزير ما لمشروع جديد وعرضه على نواب الكنيست لمناقشته وإقراره، قد يرفض البرلمان أو يوافق، لكن طرفًا ثالثًا ممثلًا في المحكمة العليا تقف دائمًا بالمرصاد لأي مقترح أو مشروع، لينتهي الأمر في النهاية إلى ضرب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأي حكم قضائي عرض الحائط وتنفيذ ما تريده. البؤر الاستيطانية الأمثلة كثيرة لكن آخرها كان تأجيل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تأجيل التصويت على قانون "شرعنة المستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية"، الذي كان من المقرر التصويت عليه في الكنيست، مساء أمس الاثنين بالقراءتين الثانية والثالثة، إلى اليوم الثلاثاء. ويأتي التأجيل بعد إعلان أفيحاي مندلبليت - المستشار القضائي للحكومة- عزمه عدم الدفاع عن القانون أمام المحكمة العليا في حال تمت المصادقة عليه، وقال: إنه "من المحتمل أن يؤدي سن القانون إلى تقديم شكوى في المحكمة الجنائية الدولية، ويهدف القانون إلى شرعنة سلب الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وإقامة بؤر استيطانية عليها كما يتيح إمكانية تحويلها لمستوطنات في وقت لاحق". ولا تعتبر التخوفات الحكومية الإسرائيلية من المحكمة العليا -أعلى هيئة قضائية في تل أبيب- وليدة اليوم فعلى مدار سنوات وسنوات كان لهذه الهيئة القضائية قرارات ضد مشاريع وزراء تل أبيب. إخلاء مستوطنة عمونا وفي ديسمبر الماضي رفضت المحكمة العليا طلب الحكومة الإسرائيلية إرجاء إخلاء مستوطنة "عمونا"، وسط الضفة الغربية، وقالت منظمة "يش دين" الحقوقية: إن "المحكمة العليا قبلت اعتراضنا على إرجاء إخلاء عمونا، وقررت أن الإخلاء يجب أن يتم في 25 ديسمبر المقبل". وأمهلت "العليا" حكومة بنيامين نتنياهو في ديسمبر 2014 لمدة عامين؛ لإخلاء المستوطنة، كونها "أقيمت على أراض فلسطينية خاصة"، وطلبت الحكومة في المقابل من المحكمة إرجاء الإخلاء حتى ال8 من فبراير المقبل على أقصى تقدير"، وحذر القضاة "أنه التأجيل الأخير والنهائي حتى وإن لم يتم التوصل إلى أي حل بديل للمستوطنين"، مشيرين إلى أن الحكومة تعهدت بعدم تقديم أي طلب تأجيل في المستقبل. وتقع مستوطنة عمونا التي يقيم فيها ما بين 200 و300 مستوطن يهودي، شمال شرق رام الله، وهي مستوطنة غير قانونية ليس فقط بموجب القانون الدولي، بل أيضًا وفق القانون الإسرائيلي ذاته. وتعتبر المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في إسرائيل, وتضم عددًا محدودًا من القضاة، وتبت في أي التماسات مقدمة من أي شخص وأحيانا من قبل جمعيات متخصصة أو سلطة رسمية ضد أخرى، وتلزم قرارات "العليا" جميع المحاكم الأدنى منها درجة وسلطات الحكم الأخرى في الدولة، كما تتضمن صلاحيتها حماية حقوق الإنسان والمواطن وحقوق المجموعة، بما في ذلك الحقوق غير الراسخة في القانون، وإلزام السلطات بالعمل بما يتماشى معها. مخطط الغاز الطبيعي وفي مارس 2016 وجهت نفس الهيئة القضائية صفعة لنتنياهو بإلغاء مقترحه الخاص بتصدير الغاز الإسرائيلي للخارج، وقررت المحكمة العليا إلغاء المخطط باعتباره "غير ديمقراطي". وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية وقتها: إن "المخطط الذى أعدته حكومة نتنياهو، كان سينظم الأرباح التي ستحصل عليها تل أبيب مقابل الأرباح التي ستحصل عليها الشركات الخاصة من ضخ الغاز"، مضيفة أن المخطط فشل في تجاوز الهيئة العليا للقضاء الإسرائيلى، بعدما احتج القضاة على بند أدخلته الحكومة يضمن مصالح الشريك الأجنبي على حساب الإجراء الديمقراطي". حنين زعبي ومصادرة الأراضي وفي فبراير 2015 ألغت "العليا" قرار لجنة الانتخابات الإسرائيلية بمنع البرلمانية الفلسطينية بالكنيست حنين زعبي من خوض الانتخابات. وكانت اللجنة الانتخابية المعروفة بتطرفها وعنصريتها قد منعت "زعبي" المشهورة بانتقادتها اللاذعة للحكومة الإسرائيلية من خوض السجال، معتبرة إياها "معادية للدولة اليهودية"، لكن قرار المحكمة سمح لحنين بالمشاركة في السباق الانتخابي الذي أجرى في مارس 2015 . وفي أبريل 2015، طلبت المحكمة العليا من حكومة نتنياهو عدم مصادرة أراضى الفلسطينيين، وذكرت المحكمة المؤلفة من 7 قضاة أيضًا أنه لا يتعين على الوزراء أن يضربوا عرض الحائط تمامًا بهذا القرار، لافتة إلى أنه في الحالات النادرة التى تُطبق فيها الحكومة هذا القانون، يجب أن يتم تطبيقه فقط بعد الحصول على موافقة من النائب العام ذاته أو وزراء كبار". اللاجئين الأفارقة وفي سبتمبر 2014 كانت ضربة قاصمة قد وجهتها "العليا" لرئيس وزراء تل أبيب؛ حينما رفضت سياسات نتنياهو الخاصة باللاجئين الأفارقة، وأسقطت المحكمة ما يسمى ب"قانون المتسللين" الذي سعى من خلاله نتنياهو إلى تقنين إحتجاز اللاجئين الأفريقيين في منشآت بالجنوب لمدة تصل إلى عام كامل، معتبرة هذا الأمر "غير قانوني". وأشعل رفض المحكمة وقتها غضب وزراء نتنياهو؛ وقال أبرزهم جدعون ساعر - وزير الداخلية وقتها: إنه "لا يستطيع تقبل قرار المحكمة العليا الذي بحال تطبيقه سيعني أنه لن تكون لنا دولة يهودية ديمقراطية لأنه سيتم اجتياح حدودنا من قبل المتسللين"، متهمًا الهيئة القضائية بأنها "اقترفت خطأ"، وأن "الكنيست سيضطر الآن أن يسن قوانين لمنع المحكمة العليا من التدخل بهذا الشأن". برلمانيون يهاجمون المحكمة شن عدد من البرلمانيين المتطرفين بالكنيست هجومًا على "العليا"، لافتين إلى أن قانون المتسللين كان شديد الأهمية؛ وذلك لمنع دخول إسرائيل من قبل أعداد هائلة إضافية من اللاجئين من دول مثل إثيوبيا، أريتريا والسودان"، متهمين المحكمة بأنها تحاول تقييد يد الكنيست. ووصل الأمر بأيليلت شاكيد -عضوة حزب البيت اليهودي المتشدد- إلى القول حينئذ أن "هذا يوم أسود لسيادة القانون في إسرائيل"، مضيفة في تصريحات للإذاعة العبرية" اليوم تم تدمير حياة مئات آلاف الإسرائيليين"، لافتة إلى أن "المحكمة العليا دعت كل سكان أفريقيا للمجئ إلى تل أبيب، وألحقت الأذى لأمان إسرائيل، وداست على السلطة التشريعية”. تل أبيب تتجاوز أحكام القضاء وعلى الرغم من قرارات القضاء الإسرائيلي الكثيرة الرافضة لمشاريع الحكومة والكنيست - إلا أن السنوات الماضية أثبتت أن الكلمة الأخيرة تبقى دائمًا لنتنياهو ووزرائه؛ ومن بين أحكام المحكمة العليا التي لم تنفذ كان إلغاء تقسيم المناطق وفقًا لاعتبارات قومية وتفكيك أجزاء من جدار الفصل العنصري وهدم مباني استيطانية بدون ترخيص، ووضع قيود على تنفيذ العمليات العسكرية الاستباقية وغيرها الكثير. كما تخطت قوات الاحتلال قرارات العليا بمباشرتها هدم المنازل الفلسطينية، وكان أبرز الوقائع من هذا النوع في مايو 2002، حينما أقدمت تل أبيب على هدم 3 منازل سكنية في منطقة المغراقة بغزة، دون إخطار أصحابها ودون إمهالهم الوقت الكافي لتقديم اعتراضاتهم بشأن هدم منازلهم، خلافاً لأمر سابق، صادر عن المحكمة. قاضية: حكومة نتنياهو مستبدة ضرب حكومة نتنياهو والكنيست بقرار "العليا" عرض الحائط، دفع أصوات قضائية إسرائيل إلى وصف النظام في الأخيرة بالاستبدادي، ومؤخرًا انتقدت القاضية مريم ناؤور -رئيسة المحكمة- سلوك حكومة نتنياهو واصفة إياها بالمستبدة . وقالت ناؤور في تصريحات سابقة: إنه 'ليس أي قرار تتخذه الأغلبية هو قرار ديمقراطي بالضرورة؛ فحكم الأغلبية قد يتحول إلى حكم استبدادي"، مضيفة أنه "على المحكمة العليا أن تحمي حقوق الإنسان للأقلية"، ملمحة إلى موقفها من مشروع قانون شرعنة الاستيطان في حال وصل إلى المحكمة العليا.