"الكيف وليس الكم"، نظرية اعتمدها كاتب السيناريو الراحل "محمود أبو زيد"، فعلى الرغم من أن عدد مؤلفاته ليس بالضخم؛ فإن كثير منها ترك بصمة واضحة ومؤثرة لدى الجميع، بل وأنها تركت علامات في تاريخ السينما بعد تحويل معظم مؤلفاته إلى أعمال فنية، وكذلك فإن بعض تلك الأعمال أعيد معالجته مرة أخرى في أشكال متعددة، فعمل ابنه أحمد محمود أبو زيد على تحويل فيلمي "الكيف" و"العار" إلى مسلسلين حققا نجاحًا كبيرًا. ويستعرض موقع "التحرير - لايف" مجموعة من أبرز أعمال السيناريست الراحل "محمود أبو زيد".. فيلم "العار" العائلة التي تظهر دائمًا في شكل محترم، على الرغم من أنها مخوخة من الداخل، قصة كثيرًا ما يتم تداولها ومناقشتها عبر السينما والتليفزيون، ولكن الكاتب الراحل محمود أبو زيد، استطاع في فيلمه "العار" الكشف عن الجوانب الخفية في شخصيات تلك العائلة، فرب الأسرة الرجل المتدين المحترم يعمل في الأساس تاجر مخدرات وليس تاجر للأعشاب، ويرث عنه ابنه الكبير تلك المهنة، في حين أن ابنه الآخر طبيب يتحول في النهاية إلى مختل عقليًا بسبب ما مرّ به من أحداث، وكذلك ابنه الثالث رجل القانون يحاول خرقه والقيام بتهريب المخدرات حتى ينتحر في النهاية. فيلم "العار" من إنتاج عام 1982، وقام ببطولته الفنان نور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز، ومن إخراج علي عبد الخالق، وحصد الفيلم عدة جوائز، من بينها جائزة الإخراج في مهرجان "مانيلا" السينمائي الدولي، وحصد كذلك ثلاث جوائز في مهرجان جمعية الفيلم السنوي وهي جائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل إخراج وجائزة أفضل سيناريو، ومن كواليس هذا الفيلم أن الفنان يحيى الفخراني كان مرشحًا للقيام بدور الطبيب، ولكنه رفض، فتم إسناد الدور للفنان الراحل محمود عبد العزيز، وبعد نجاح الفيلم اعترف الفخراني بندمه الشديد على رفض الدور في فيلمًا اعتبر من أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. وحول اتهام البعض فيلم "العار" بأنه يروج لتجارة المخدرات، أوضح أبو زيد في تصريحات سابقة: "في فيلم العار تحدثت عن الحشيش فقط ولم أتعرض إلى البودرة لأنها مخدرات، وأوضحت في النهاية كيف ينال تجار الحشيش جزاءهم، والعبرة دائما بالمعالجة وتفاصيل الأحداث". وعن كواليس الفيلم، قال أبو زيد: "كتبت قصته وأنا طالب في السنة الثانية في المعهد، وعام 1980، فكرت في إنتاجه بمشاركة صديق لي، كان محطة أساسية في حياتي، يومها من كثرة ما أحببت الرواية خشيت إعطاءها لأي منتج، لأنني كنت أريد أن أكون المسيطر على كل عناصر الفيلم، ووفقني الله وحقق الفيلم نجاحاً دفعني إلى إنتاج "الكيف". لكنني فوجئت بعده بأن مصلحة الضرائب تطالبني بمبالغ فلكية لم أكسبها أصلاً ووجدتني سأدخل في متاهات حسابية، فاضطررت إلى التوقف عن الإنتاج، مكتفياً بالكتابة فقط". فيلم "الكيف" فيلمًا آخر تعاون فيه الكاتب محمود أبو زيد مع المخرج علي عبد الخالق عام 1985، وهو واحدًا من أقوى الأفلام التي ناقشت قضية المخدرات، وقام ببطولته الفنان يحيى الفخراني والراحل محمود عبد العزيز، ويحكي الفيلم قصة شقيقان، أحدهما كيميائي يعيش حياة هادئة مع زوجته وابنه، والآخر مدمن للحشيش ويغني في الأفراح ويعيش بين المدمنين وتجار المخدرات، فيجر أخيه إلى هذا الطريق سعيًا وراء المال. قال أبو زيد عن هذا الفيلم: "أنا شخصيا لم أعرف البودرة وكيف يتعاطونها إلا عن طريق السينما، وفي فيلمي (الكيف) تعمدت ألا تظهر الشيشة والنرجيلة طوال الفيلم، إلى جانب أن المدمنين كانوا يتعاطون حِنّاء وليس مخدرات حقيقية، وكنت أدلل بالمخدر المغشوش على أنه وهم أكثر منه مخدرات". وأضاف أبو زيد في تصريحات أخرى: "كنت أعلم وأنا أكتب الكيف أن هناك الأسوأ الذي لم نصل إليه، ولكنه تحقق فيما نشاهده من انهيار الأغنية التي يطلقون عليها شعبية، وهي للأسف الشديد بعيدة كل البعد عن التراث الشعبي الحقيقي لأنها فن هابط، لذلك جميع الأغاني التي قدمها النجم محمود عبد العزيز في فيلم الكيف وكانت من تأليفي كتبت عليها كلمات الأغاني من تخريف محمود أبو زيد". يعد "الكيف" واحدًا من أقوى الأفلام المصرية في فترة الثمانينيات، ومصنف ضمن أهم الأفلام المصرية لبراعة كاتبه ومخرجه وأبطاله، ومن غرائب الفيلم أن الفنان الراحل محمود عبد العزيز قال في تصريحات سابقة إنه تقاضى عن هذا الفيلم 6 آلاف جنيه فقط. فيلم "جري الوحوش" "الصراع بين العلم والدين وضرورة تقبل الإنسان لقدره وعلامات السعادة الثلاث، المال والبنون والصحة"، هكذا شرح الراحل أبو زيد فكرة فيلمه الجريء "جري الوحوش"، والذي يعتبر من أفضل 50 فيلم في تاريخ السينما، وهو من إنتاج عام 1987، وقام ببطولته الفنان الراحل محمود عبد العزيز ونور الشريف وحسين فهمي. ويحكي الفيلم قصة الدكتور "نبيل" وصديقه "سعيد"، الذي يعاني من عدم القدرة على الإنجاب، في حين يعمل الطبيب على أبحاث جديدة تمكنه من علاج ذلك عن طريق زرع جزء من مخ رجل آخر، هو "عبد القوي"، الرجل الفقير الذي جسد دوره الفنان محمود عبد العزيز، والذي يتنازل عن هذا الجزء للرجل الغني "سعيد" مقابل مبلغ مادي، ولكنه يصاب بحالة إعياء شديدة نتجت عن تلك العملية ويصاب بالجنون، في حين لم يستطع "سعيد" هو الآخر الإنجاب ويصاب بالشلل، ويهدف الفيلم في النهاية إلى ضرورة تقبل الإنسان لنفسه وعدم النظر إلى ما لا يملك، ويناقش كذلك قضية "الإتجار بالأعضاء"، ولكن بنظرة فلسفية دينية. فيلم "البيضة والحجر" عملًا آخر جمع بين الكاتب الراحل أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق، عام 1990، ويحكي الفيلم قصة مدرس فلسفة، هو الفنان الراحل أحمد ذكي، تدفعه الظروف الصعبة للعيش في حي شعبي، ويستغل ذكاؤه وعلمه وجهل المجتمع في النصب باسم الدجل والشعوذة، حتى يتحول إلى رجل ثري معروف لدى مشاهير المجتمع. وقال أبو زيد عن هذا الفيلم وتفضيله النوع الاجتماعي: "أنا أحب كتابة الأشياء القريبة من المجتمع ولم أحب الكتابة في السياسة لأنها متغيرة، فالأفلام الاجتماعية تعكس المشاكل والظواهر التي تطرأ على المجتمع وأحاول أن أقول من خلالها الكلمة الصحيحة". فيلم "الأجندة الحمراء" أول فيلم مصري يناقش الأمراض المنقولة جنسيًا (الزهري)، حيث يحكي الفيلم قصة طبيب أمراض جلدية وتناسلية يحاول مساعدة صديق له مصاب بمرض الزهري السريع الانتشار نتيجة علاقاته المشبوهة، فيبدأ رحلة البحث عن سيدات اختلط بهن صديقه لإنقاذ المصابات بالمرض منهن، والفيلم من إنتاج عام 2000، وقام ببطولته الفنان طارق علام، وعزت أبو عوف، وغادة عبد الرازق، ومن إخراج علي رجب. ونسب أبو زيد فشل الفيلم لمخرجه، وصرّح عام 2001: "ضمنته موضوعاً ذا قيمة عالية وغالية جداً، حاولت من خلاله تحذير الشباب من تفشي العلاقات الجنسية غير المشروعة، مع بروز العولمة والبعد من الدين، باسم المدنية والتحديث، وأوضحت أن الحداثة لا تكون في تبديل القيم التي تعبر عن الحق -وهو أمر ثابت لا يتغير- ولكن، ويا للأسف، أُسيء اختيار المخرج الذي كان أقل بكثير من مستوى الفكرة، فلم يستطع التعبير عنها، إذ أراد التسطيح والتتفيه في موضوع لا يحتملهما، فكانت النتيجة الفشل". وأضاف: "تابعت الإخراج يومين، فأدركت فيهما أن الشريط سيفشل، وقررت رفع اسمي عن الفيلم، لكن هذا كان سيسبب مشكلة لطارق علام والشركة المنتجة، وأنا اعترف بالخطأ، أخطأت في اختيار مخرج الفيلم وكل الكاست وهذا جزائي، كنت أتصور أنني بالنص وحده يمكنني أن أنجح، ولكن ثبت أن هناك عناصر أخرى لابد من أن يُعمل لها ألف حساب، من مثل الممثلين والمخرج". وتابع: لو أخرج هذا الشريط علي عبد الخالق لكانت المسألة اختلفت 180 درجة، كنت ستشاهد فيلماً مثل "العار" و"الكيف" و"جري الوحوش"، لأن السينما عمل جماعي ولا يكفي نص جيد مع مخرج ضعيف، أو ممثل ليس لديه خبرة. فيلم "بون سواريه" كان الفيلم الأخير للكاتب الراحل محمود أبو زيد، وهو من إنتاج عام 2010، وقام ببطولته الفنانة غادة عبد الرازق ومي كساب ونهلة زكي، ومن إخراج أحمد عواض، وتدور أحداث الفيلم حول قضية ميراث لثلاث فتيات تضطر اثنتان منهما العمل ب"كباريه" هو كل ما تركه والدهن من ثروة، وسط اعتراض من الأخت الثالثة المتدينة، وتتعرضن لمشكلات كثيرة بسبب هذا الكباريه حتى تبتعدن عنه وتبحثن عن عمل شريف. تعرض هذا الفيلم لموجة لاذعة من الانتقادات بسبب بعض الألفاظ الخادشة للحياء، حيث قررت هيئة الرقابة على المصنفات حذف 4 جمل من السيناريو الأصلي للفيلم، بالإضافة لحذف أغنية من الفلكلور الشعبي بعنوان "ياسي أحمد أفندي"، وكذلك حذف 16 لفظًا من الفيلم، وتنصل الكاتب الراحل أبو زيد من هذا العمل، موضحًا أن منتجه تدخل فيه وأفسده، وقال إن "حسابات السوق شوّهت الفيلم".