جميعُنا يعرف الرمز الشعبي الشهير الخاصّ بمنع الحسَد، وهو صورة الكفّ مبسوطة الأصابع التي تُرسَم على حوائط المحلات أو المنازل الجديدة في الريف، أو تُصَمَّم على بعض الحُلِي كالقلائد بغرض منع الحسَد عمَّن يلبسها. ولكن كيف ولماذا اختار الناس هذا الرمز؟! لقد كان في ما مضى بعد دخول الإسلام مصر تُرسَم هذه الكفّ ويُكتَب في راحتها البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم يُكتَب على كل إصبع من أصابعها آية من آيات سورة "الفلَق" الخمس، وهي السورة التي يُستعان بها على الحسَد... ومع الوقت سادت الأمِّية بين الناس خصوصًا بعد الفتح العثماني ونشر اللغة التركية بين الناس، فنسِيَ الناس الكلمات، وبقيَت في ذاكرتهم وأمام أعيُنهم الكفّ...! ونحن مثلًا نسمع الناس تصف شخصًا ما بأنه "بَهْلُول" حين يقصدون الإشارة إلى أنه "عبيط" أو "معتوه" أو "مجذوب"... ولكن حين نبحث عن معنى كلمة "بهلول" في المعجم نجد أنها تعني "السيد الجامع لصفات الخير المرح الضحّاك"! فما العلاقة بين بهلولنا وبهلول المعجم؟! لقد مر الإنسان المصري بفترات عجيبة في حياته، منها فترات أصبح فيها السادة العظام والتجار الأغنياء مقصدًا لكل سارق ونهّاب، وكان الملوك إذا خشوا على سطوتهم من نفوذ التاجر نهبوا ماله وخيره وتركوه يتسول في الشوارع، وإذا سرقه لصّ بات موضع سخرية من الجميع... وقد كثر هذا في فترة حكم المماليك والعثمانيين، حتى إن من كان "بهلولًا" كان يتوقع أن يحدث له هذا بين يوم وآخر، فصار البهاليل مضارب الأمثال، ومَن كان يؤخَذ عنه فكرة أنه "عبيط" قابل لأن يُسرَق أو يُنهَب ماله أو يُقَلَّم نفوذه، كان يوصف بأنه من هؤلاء البهاليل... ومع فوات الوقت والزمن نُسِي المعنى الأصلي لكلمة "بهلول"، وبقي استخدامها المجازي. وأيضًا حين نقول لشخص إن شخصًا ما "بيخيّل" عليه، فما المقصود هنا بالتخييل؟ هل يُقصَد بها إثارة الخيالات مثلًا؟ هذا وارد، ولكن إذا تأمّلنا في تاريخنا وتراثنا فسوف نجد تفسيرًا أقوى... لقد كان في مصر فنّ انتشر واستمرّ زمنًا طويلًا، وأظنُّه انقرض الآن، وهو فنّ "خيال الظلّ"، وكان هذا الفنّ يعتمد على تشغيل مصدر ضوء ليمرّ على دمية تشير إلى شخصية ما، ليرى الناس انعكاس هذه الدمية على الحائط وهي تتحرك مع الأداء الصوتي لمحرِّك الدُّمية، فيُجرَى بذلك عرض مسرحي. وقد استُخدم هذا الفنّ كثيرًا في السخرية ممّن من يكرهه الناس من الحكّام، فكانوا إذا كرهوا حاكمًا قالوا لصاحب "خيال الظل": "خيِّل عليه". وما زال هذا التعبير يجري على ألسنتنا دون أن ندرك ما وراءه من تاريخ وحكايات ونوادر...