قد تكون تلك هى معركته الأخيرة للاحتفاظ بكرسى الحكم الذى وصل إليه بانقلاب عسكرى عام 1989، وفى ظل الثورة العارمة التى تشهدها بلاده ضد نظامه القمعى، نتحدث هنا عن الرئيس السودانى عمر البشير الذى يستخدم الآن أسلوب التبرير فى محاولة فاشلة لإيقاف الجماهير الغاضبة. فبالأمس رفض البشير تحميل الشرطة المسؤولية عن سقوط الضحايا خلال الاحتجاجات الأخيرة التى شهدتها الخرطوم متهمًا من سماهم ب«المتربصين باستقرار السودان»، باستغلال الأحداث لممارسة أعمال القتل والنهب والتخريب، بداعى التظاهر والاحتجاج على قرارات الحكومة، واستخدم البشير لفظ «شهداء» لوصف القتلى فى أول تعليق له على التظاهرات. مستمرًا فى الدفاع عن الكرسى بمبررات واهية لا تنطلى على شعبه، دافع البشير عن قرارته الاقتصادية قائلا «الإجراءات الأخيرة جاءت لتفادى الانهيار المالى بالبلاد بعد زيادة التضخم واختلال سعر الصرف الذى انعكس سلبًا على اقتصاد البلاد»، مضيفًا «لقد عانى السودان كثيرًا بعد انفصال جنوبه عن شماله، مما كلف البلاد مليارات الدولارات جراء انخفاض نسبة تصديرها للنفط». حيل البشير لم تخدع المعارضة وعلى رأسها حسن الترابى، رئيس حزب المؤتمر الشعبى، الذى حذر من نشوب حرب أهلية فى السودان حال تمسك الرئيس السودانى بالسلطة، واستمرت الأزمة، مضيفًا فى لقاء له «نأمل بأن يمضى النظام بسلام من نفسه قبل أن يضطر الناس إلى حمل السلاح وتستعر فى البلاد حربا أهلية»، لافتا بقوله «لا يمكن لهذا النظام أن يبقى بالأطر الاستبدادية التى عليها». الترابى لم يكتف بذلك بل وضع حلًا مسبقًا للمرحلة الانتقالية التى قد تمر بها البلاد بعد إسقاط البشير، داعيًا فى نفس التصريحات أحزاب المعارضة إلى «الاستعداد لفترة انتقالية بعد سقوط النظام، تبدأ بدستور انتقالى يضع أسس ديمقراطية قبل كتابة دستور دائم للبلاد»، مشيرا أيضا إلى أن «هناك توافقًا بين أحزاب المعارضة على ملامح الدستور الانتقالى، متوقعًا أن يتم التوقيع على اتفاق بشأنه قريبا». فى السياق نفسه اعتبر الصادق المهدى، رئيس حزب الأمة المعارض، أن نهاية حكم البشير قد اقتربت، داعيًا فى كلمة ألقاها خلال تأبين قتلى الاحتجاجات الأخيرة فى بلاده، داعيًا الأحزاب السياسية إلى التنسيق فى ما بينها لإيجاد بديل عن الحكومة الحالية. وفى تصريحات لوسائل الإعلام عبر عديد من المواطنين السودانيين عن غضبهم مما يجرى، وقال يوسف محمد (50 عامًا) الذى يعمل أستاذًا إن «شقيقه قتل فى مدينة أم درمان»، مضيفًا «نحن غاضبون بسبب ما حصل للناشطين، فلم يكن بحوزتهم سوى الحجارة وحناجرهم المطالبة بالتغيير، لماذا قتلوا؟»، وبدوره أشار أسامة محمد (47 عامًا) إلى أنه «بعد مقتل كل هذا الشباب، لن نصمت». من جانبها تساءلت سوسن البشير (35 عاما): «لماذا قتلوا إخواننا وأخواتنا؟ بعد ما حصل لم نعد نثق بالحكومة»، مؤكدة أن «الدماء التى سالت ستغذى تظاهرات جديدة بهدف إسقاط النظام»، كما حث تحالف قوى المعارضة، وهو تكتل يضم سبعة عشر حزبًا السودانيين على التظاهر حتى إسقاط النظام.