منذ أيام، وبمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، قرر السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، تكريم "السفاح السوداني" عمر البشير بمنحه “وسام نجمة الشرف” وهو أعلى وسام مصري يمنح لغير المصريين، تقديرًا لمشاركته ضمن الوحدات العسكرية السودانية التي خدمت على جبهة القتال في حرب الاستنزاف وأكتوبر. وكأن مشاركته تلك تجب ما قبلها، وتغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! وهو الآثم الذي لن ٌيغفر له ذنب أو تقبل له توبة .. وهل يستتاب هتلر؟ علمًا بأن “بشير الشؤم” فاق هتلر إجرامًا، بل فاق في ذلك إبليس نفسه! حيث جمع منفردًا بين ثالوث الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما لم يجمع بينه أعتى السفاحين في تاريخ البشرية. وهذا ليس رأيي الشخصي، أو رأي معارضيه -وهم كثر- علمًا بأن مؤيديه من بني جلدته يؤيدونه اتقاء شر أو طمعًا في عز، ولكنه رأي المجتمع الدولي، الذي يعتبره مجرم حرب بشهادة المحكمة الجنائية الدولية، التي استوثقت من الأدلة التي تبرهن على تورطه في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في دارفور، وتحديدًا ضد مجموعات "الفور والساليت والزغاوة"، بدعوى مكافحة التمرد، حيث تعرضت هذه الجماعات لهجمات مليشيا "الجنجويد" بأمر البشير، وقتل رجالهم واغتصبت نساءهم واحتلت أراضيهم وطورد كل من فر إلى الصحراء، حتى من لاذ منهم بمخيمات اللاجئين لم ينجو من الموت بعدما قام البشير بعرقلة وصول المعونات الدولية إلى المخيمات. كما أكد البرلمان الأوروبي أن استخدام البشير الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في دارفور وفي منطقة جبل مرة يعد جريمة حرب. ويقول “لويس مورينو” المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في شهادته ضد البشير، إن هذا السفاح لم يكن في حاجة إلى الرصاص لقتل القلة الناجية من بطشه، فقد قتلهم عن طريق الاغتصاب والتجويع والخوف وهي وسائل لها نفس الفعالية إلا أنها اسلحة صامتة. ولكن سخطي الآن ليس مبعثه تكريم السفاح فقط، وإنما تكريمه من الدولة المصرية وبأرفع الأوسمة المصرية وفي ذكرى نصر أكتوبر المصري والأنكى من ذلك، تجاهل بطل حقيقي من الجنوب، كان أحق بالتكريم والاحتفاء، هو ابن النوبة عمنا “أحمد إدريس” مبتكر شفرة حرب أكتوبر التي حيرت الجيش الإسرائيلي وعوقت التقاطه أي اشارة من إشارات قادة الجيش المصري. حيث كان عمنا “أحمد إدريس” أحد المجندين بقوات حرس الحدود المنتدبين مع رئيس الأركان عام ١٩٧١ وسمع حوارا له مع أحد القادة يشكو فيه من قلق الرئيس السادات بشأن مشكلات فك الشفرات، فاقترح عليه استخدام اللغة النوبية (المصرية) للشفرات، لأنها اللغة الوحيدة التي تنطق ولا تكتب، فليس لها حروف أبجدية، وليست موجودة بأي من قواميس العالم، ولاقى اقتراحه استحسان رؤسائه، ورُفع الاقتراح إلى الرئيس السادات الذي طلب مقابلة أحمد إدريس فورًا وطالبه بإيجاد سبيل لتنفيذ فكرته فاقترح عليه إدريس أن يستعين بالمجندين بحرس الحدود من أهل النوبة لعلمهم بلغتهم، وانتهى اللقاء بثناء السادات على الفكرة ومكافأة اإدريس ب ١٠٠ جنيه، وبالفعل تمت الاستعانة ب٧٠ مجندًا نوبيًا لاستقبال وإرسال الشفرات من العام ١٩٧١ وحتى عام النصر ١٩٧٣. ٧٠ جنديًا مصريًا نوبيًا تناقلوا شفرة البداية “أوشريا” التي تعني بالنوبية “اضرب” .. ٧٠ جنديًا مصريًا على رأسهم عمنا “أحمد إدريس”، يباهي بهم أهل النوبة الزمن، باعتبارهم الجزء الحسي المشارك بنصر أكتوبر من بلاد القوس .. ٧٠ جنديًا مصريًا ومئات الآلاف من النوبيين يتم تجاهلهم كل عام في احتفالات النصر .. هذا العام أضافت الدولة (التاتش بتاعها)، فلم تكتفِ بتجاهلهم وإنما بصقت على وجوههم بتكريمها البشير "السفاح". غالبًا، يعتبر النظام الحالي أن ال١٠٠ جنيه التي كوفىء بها “عم إدريس” كافية، ونحمد الله أنهم لم يطمعوا في استردادها، باعتبارها أصبحت بفعل الأيام السوداء .. “فكة”.