بدأت أمس (الخميس) قمة العشرين فى مدينة سانت بطرسبورج الروسية وسط احتقان دولى وإقليمى بسبب الملف السورى المعقَّد الذى بدأ يدفع بسحابات دولية كئيبة على العالم كله. وعلى الرغم من عدمِ إدراجِ ملف سوريا رسميا على جدولِ أعمال قمة العشرين، فإن كل الشواهدِ تشير إلى أنه سيكون محل نقاش حاد فى اللقاءات الثنائية والقاعات المغلقة، فى ظل حضور جميع الأطراف، بمن فيهم صقورُ الولاياتالمتحدة وأوروبا وحلفاؤهم الإقليميون، أو دعاةُ الحل السياسى واحترامِ القانون الدولى. وسيجرى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لقاءاتٍ مع قادة العشرين بصرفِ النظر عن الموقف من سوريا. ولكن التركيزَ سيكون على الحلفاء، لا لأنهم حلفاءُ فحسب، بل أيضا من أجل حلحلِة الأوضاع الإقليمية والدولية المتردية، بينما الرئيسُ الأمريكى باراك أوباما سيكتفى بالمشاركةِ فى أعمال القمة بعد أن ألغى قمتَه فى موسكو مع الرئيس بوتين على خلفية ما وصفته واشنطن بتداعيات قضية موظف وكالة الاستخبارات الأمريكية اللاجئ فى موسكو إدوارد سنودن. قمة العشرين فى روسيا تطرح تساؤلات تكاد تكون عبثية على وقع التصريحات النارية من جانب الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، والردود الساخنة لروسيا التى تحاول أن تبقى دبلوماسية حتى النهاية الأليمة. لقد أعلن الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فى آخر تصريحاته يوم 4 سبتمبر فى استوكهولم وقبل قمة العشرين بساعات قليلة، أنه فى حال عدم الرد على استخدام السلاح الكيميائى فى سوريا، الذى تثق الولاياتالمتحدة بأن السلطات السورية مسؤولة عنه، فإنه سيزداد خطر استخدام هذا السلاح من جديد. وأن المجتمع الدولى بجب أن لا يبقى متفرجا على استخدام السلاح الكيميائى فى سوريا. وأعرب أوباما عن ثقته بأن الكونجرس سيوافق على قراره بالتدخل العسكرى فى سوريا، مشيرا مع ذلك إلى أنه يحق له التحرك للدفاع عن مصالح الأمن القومى الأمريكى حتى دون موافقة المشرعين. وأكد أن العملية ستكون محدودة من حيث الزمن والنطاق. أما رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فقد أكد ثقته بأن الحكومة السورية ستستخدم السلاح الكيميائى ضد شعبها مجددا، فى حال تراجعت الولاياتالمتحدة عن خططها إجراء عملية عسكرية فى سوريا. فى حين قال رئيس الوزراء الفرنسى جان مارك إيرولت فى جلسة أمام البرلمان يوم الأربعاء 4 سبتمبر أيضا، إن لدى باريس أدلة من عينات عن استخدام الأسد للكيميائى، مشيرا إلى ضرورة وقف التحركات العسكرية للنظام السورى وإجباره على التفاوض. هنا يأتى الرد الروسى على الصقور الغربيين الذين يسعون لتكرار تجربة العراق التى نفوا هم أنفسهم أسبابها فى ما بعد. إذ أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن العملية ضد سوريا دون تفويض من مجلس الأمن الدولى ستكون عدوانا. وقال إن «كونجرس أى بلد لا يمكن أن يفوَّض بمثل هذه الأمور، ذلك يعنى الموافقة على العدوان، لأن كل ما يجرى خارج إطار مجلس الأمن الدولى عدوان باستثناء الدفاع عن النفس». وأشار إلى أن سوريا لا تهاجم الولاياتالمتحدة لذلك لا يمكن الحديث عن الدفاع عن النفس، مشددا على أن الكونجرس الأمريكى الآن يعمل على إضفاء الشرعية على العدوان وإنه يجب الآن تأكيد أن ذلك هراء. وأكد الرئيس الروسى أنه من غير المعقول الاعتقاد أن الأسد استخدم السلاح الكيميائى عندما تتقدم قواته، مشيرا إلى أن السلطات الأمريكية تكذب خلال المناقشات فى الكونجرس الأمريكى وإنها تعلم جيدا أنها تكذب بشأن احتمال تعزيز تنظيم «القاعدة» أو حتى حول وجود التنظيم. وأكد أن «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هى قوة قتالية أساسية فى سوريا. وأكد أن وضع إدارة أوباما صعب لأن هناك منظمات فى الولاياتالمتحدة تؤكد أن الأدلة التى قدمتها الإدارة غير مقنعة. إذن السيناريو «الأمريكى- البريطانى- الفرنسى» يتحرك على عدة محاور أساسية على رأسها، إقناع الرأى العام الداخلى فى دولهم بتلك الضربة مع توريط مجالس النواب والبرلمانات لإضفاء شرعية محلية، وتوريط الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية كما حدث فى كل من العراق وليبيا لإضفاء شرعية إقليمية ودولية. وإضعاف القوات العسكرية النظامية فى سوريا بضربات متلاحقة مع تعزيز وتقوية المعارضة، مما سيسفر حتمًا عن تقسيم سوريا إلى دولة رسمية يسيطر عليها نظام الأسد، ودولة ثانية يسيطر عليها المسلحون والتنظيمات الإرهابية. إن الرئيس أوباما يكذب كما يتنفس! فهو يقول: «علينا أن نحمى أمننا القومى»! إذن كيف يمكن ذلك وسوريا هى أصلا الدولة التى لا تهاجم الولاياتالمتحدة؟! فى حال موافقة الكونجرس الأمريكى على غزو سوريا وتوجيه ضربات عسكرية إلى دولة مستقلة ذات سيادة لم تقم بأى عدوان على أراضى بلاده، فإن الكونجرس بذلك، وكمؤسسة تشريعية، يقنن العدوان السافر ويشرعنه فى آن واحد. وبالتالى، يقوِّض الأساس الذى قام عليه كمؤسسة تمثل مواطنى الدولة وليس النظام الحاكم وطموحاته وخدماته لشركات السلاح ورؤوس الأموال والشركات المتعدية القومية. فى كل الأحوال، لن تتراجع لا واشنطن ولا لندن ولا باريس عن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، لأن التراجع يعنى هزيمة سياسية ساحقة، وإفشال لواحد من أكبر المشاريع الاستعمارية منذ انتهاء الاستعمار القديم فى أواسط القرن العشرين! وفى حال التراجع (وهذا أمر مشكوك فيه)، ستقوم القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، التى توجد عناصرها حاليا على الأراضى السورية إلى جانب المنظمات الإرهابية، بعمليات نوعية ضد المؤسسات والنظام والمدنيين. وهذا هو السيناريو الذى تم تنفيذه جزئيا فى ليبيا، حيث كانت القوات الخاصة الفرنسية تقوم بعمليات تخريبية فى غرب العاصمة طرابلس إضافة إلى مساعدة المسلحين والتنظيمات الإرهابية، بينما كانت القوات الخاصة البريطانية تقوم بعمليات مشابهة فى بنغازى وبعض المدن التى تقع غربها. هكذا تبدو قمة العشرين فى مدينة سانت بطرسبورج الروسية التى قد تتحول إلى ساحة صراع واستعراض عضلات ينتهى بهدم سوريا بعد أن تم هدم العراق وليبيا بنفس الحجج والأكاذيب!