العلاقة موصولة بالطبع بين ما يجرى فى رفح والعريش من ناحية، وبين ما يجرى فى «رابعة» و«النهضة» من ناحية أخرى. تحالف الإرهاب هنا وهناك، وخيانة الوطن هى العنوان الذى يجمع بين القتلة والمتاجرين بالدين فى ساحتى القتال ما بين قلب سيناء وقلب القاهرة!! ومع ذلك يبقى ما يحدث فى «رابعة» و«النهضة» مجرد لعب عيال بالنسبة إلى ما يجرى فى سيناء، ويعرف قادة «الإخوان» أن فض الاعتصام التليفزيونى لن يستغرق ساعات، وأن حرصنا على دماء المصريين جميعًا لن يمنع حقيقة أن ما كان قبل 30 يونيو لن يعود، وأن مَن ارتكب جريمة لن يفر من العقاب. أما المعركة الحقيقية فهى فى سيناء، والخطر الحقيقى هناك، وخيانة «الإخوان» تتجلّى على أرض سيناء بأكثر مما تتأكد فى اعتصاماتهم التليفزيونية. هم كانوا وراء تحويل سيناء إلى ساحة للإرهاب فى عهد رئيسهم المشلوح، وهم كانوا وراء تأمين وصول أحدث الأسلحة إلى هناك، وهم كانوا -وما زالوا- يتصوّرون أن الإرهابيين فى سيناء هم أحد أوراقهم فى الصراع، وهم وحلفاؤهم فى الداخل والخارج يحاولون تحويل الأنظار عن الخطر الحقيقى واستنزاف الجهد الوطنى فى مواجهة تحركاتهم البائسة واليائسة لتعطيل الحياة فى أنحاء الوطن. فى كل الضغوط الخارجية التى تتم ممارستها على مصر تفاجئك حقيقتان: الأولى هى هذا «الاستموات» من جانب أمريكا وأوروبا والأذناب الصغيرة فى المنطقة للحفاظ على جماعة «الإخوان» وقياداتها. ويبلغ الأمر حد الوقاحة حين يتم التدخل علنًا فى الشؤون الداخلية لمصر، وحين يُطلب منا الإفراج عن متهمين يجرى التحقيق معهم بتهم تصل إلى الخيانة!! أما الحقيقة الثانية، فهى هذا التجاهل المتعمد من جانب أمريكا وأوروبا بالذات لما يجرى فى سيناء، وهى القوى التى تصدّع رؤوس العالم صباح مساء بالحديث عن ضرورة الحرب على الإرهاب!! كأنهم لا يرون شيئًا من هذه الحرب المشتعلة فى سيناء، بل وكأنهم غير راضين عما يقوم به جيش مصر من جهد لاستئصال الإرهاب، واستعادة سيناء مرة أخرى إلى أحضان الوطن!! فى زيارته الأخيرة التعيسة، حين فوجئ السناتور «ماكين» بسؤال عن الموضوع، سارع بالتهرب، قائلًا إنه لم يأتِ لبحث الموقف فى سيناء!! ويمنعنا الأدب من التعليق المناسب، ولكنه لا يمنعنا من كشف حقيقة أن إعلان مصر الحرب على الإرهاب الذى تقوده جماعة «الإخوان» قد قلب المخططات الأمريكية والأوروبية، وأن ما يجرى فى سيناء ليس بعيدًا عن سقوط مرسى، وأن الاستماتة الأوروبية والأمريكية فى الدفاع عن الإخوان، والسكوت المريب على ما يحدث فى سيناء.. هما وجهان لمؤامرة واحدة على أمن مصر واستقلالها!! جزء من التآمر كان مرتبطًا بتصوّر أمريكى أوروبى، أن وقوع مصر فى قبضة الإخوان وتحويل سيناء إلى ساحة للإرهاب، سوف يبعد خطر الإرهاب عن «الغرب الصليبى» كما تدعوه «القاعدة» وأخواتها. وأن هذه الجماعة ستحفظ الجميل لمن أوصلوها إلى الحكم فى مصر وفى غيرها من ناحية، وستنشغل -من ناحية أخرى- بتثبيت حكمها وتحصينه من العلمانيين والديمقراطيين وكل أبناء مصر من خارج هذه الجماعات!! وجزء آخر من التآمر كان مرتبطًا بالمخططات الجديدة للمنطقة، وبدور أساسى ل«الإخوان» فى تصفية القضية الفلسطينية على حساب توسّع غزة فى سيناء، ثم إشعال المنطقة بحروب الشيعة مع السنة. وإذا كان الحديث فى أمريكا يدور عن الأموال التى أنفقها أوباما لدعم الإخوان وحلفائهم، فإن ما خفى كان أعظم!! وإذا كان ابن خيرت الشاطر يهدّد بكشف أسرار يقول إنها كافية لإسقاط أوباما، فلا ينبغى أن يؤخذ هذا الكلام على مأخذ الجد، ولكن المؤكد أن الاتفاقات موجودة، وأنها سبب الصدمة التى أصابت أمريكا وأوروبا لسقوط الإخوان، وسبب الاستماتة فى الدفاع عنهم حتى لا ينكشف المستور!! وتبقى ملاحظة.. حين يقول الفريق السيسى فى حواره مع صحيفة «واشنطن بوست»، إن شعب مصر لن ينسى أبدًا الطريقة التى تعامل بها أوباما مع إرادة الشعب فى 30 يونيو، فهو لا يقول ذلك من فراغ!! وحين تبدأ مصر الحرب الشاملة لاستئصال الإرهاب فهى تعرف «كما تعرف أمريكا جيدًا» أن الخطر موصول بين العريش ورفح من ناحية، وبين «رابعة» و«النهضة» من ناحية أخرى. تعرف أمريكا الآن أن المؤامرة فشلت، وأن القصة انتهت. هل تبحث عن بداية جديدة أم تكرار أخطاء دفعت -قبل ذلك- ثمنها فادحًا؟!