(1) في خضم رئاسته الخفية لتنظيم الإخوان، في عامي ثورة يناير وحكم الجماعة لعب خيرت الشاطر أدوارا عديدة، ساهم بعضها في هدم صرح الإخوان سريعا، الذي بدا أنه لن يهدم في زمن التمكين. تقدم الشاطر بأوراقه للترشح للرئاسة، مع وجود بديل اسمه مرسي ثم دشن ما يسمى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح من قيادات سلفية وإخوانية، وأجرى مفاوضات سرية مع الخليج أبدى خلالها استعداد الجماعة لاستقبال مساعدات مالية مقابل الإفراج عن مبارك. الأدوار الثلاثة السابقة عكست ثلاثة معاول؛ أولا السعي للسلطة كهدف و"تمكين طالما انتظرته الجماعة" بلا استعداد للعودة، التكالب على صنع مؤسسات بديلة خاضعة للجماعة. والاستعداد لبيع أهداف ما خرج الناس من أجله في يناير، كتعقب الفاسدين وإرجاع حقوق الناس. دلالات الأدوار عكست أيضا تفسيرات متنوعة؛ شيوعي قديم حاول من قبل أن يقيم "كميونة" الإسكندرية مغرم بالسرية يمارس هوايته في صنع الكيانات الموازية، فهيئة الإصلاح كانت كيانا هدفه ضرب الأزهر أحد أدوات النظم المصرية المتعاقبة في الحكم. هو أيضا صاحب عقلية (بازار)، صعدت بأموال معارض السلع المعمرة إلى قمرة القيادة بذهب المعز وشراء الولاءات، أزاحت شريحة عريضة وجيل كامل كان يستعد لاستلام مقاليد حكم الجماعة عبر جمال حشمت وأبو الفتوح، قدم نفسه كوجه مخيف غامض لرئاسة مصر حتى إذا تمت إزاحته ارتضى الخصوم المجروحين من يناير بوجه مرسي الساذج، الذي سيفضي في النهاية إلى وجهه الشرس. ومع استواء تفاحة الحكم، استمر المنهج مع رجال أعمال وسياسيين وصحفيين، حتى كان السقوط. هذه تركيبة نفسية صبغت الجماعة وأسقطتها، وتبحث كتلتها الآن عن تأسيس ثالث. أسسها البنا في العشرينات وشهدت أوج ازدهارها بداية الخمسينات بالتزامن مع بدايات دولة يوليو، ثم انقلب الازدهار جحيما وشتاتا، أعاد ري براعمه في السبعينات شباب عائد من الجماعة الإسلامية في الجامعات، كان نجمهم عبد المنعم أبو الفتوح. (2) "توحدوا من أجل مصر" هذه جملة فارقة وجهها أبو الفتوح لجماعة الإخوان، في حواره مع هافنجتون بوست (بطبعتها العربية ذات الصبغة الإخوانية)، قالها في وقت تشهد فيه الجماعة انشقاقا معلنا بين جبهتين، وهو الحوار الذي دعا فيه أيضا كتلة الجماعة السائلة إلى الرجوع للعمل الدعوي غير السياسي، مؤكدا أن البنا أسس الجماعة لتتخذ منحى دعويا غير سياسي، وقال فيه أيضا إنه مستعد للوساطة بين الجماعة والنظام المصري. نحن هنا إذا أمام رجل يسعى إلى إبقاء كتلة الجماعة بهياكلها بهيراركيتها ومرشدها، بممتلكاتها، على أن تستحوذ على ما يسميه جانبا دعويا وتربويا، صابغا على الجماعة "وطنتيها"، وخلوها من العنف. يستند أبو الفتوح إلى استنتاجات مضللة برأيي، فإبقاء تنظيم سري غامض التمويل على حاله أمر يتناقض مع تنافس سياسي شرعي، حتى لو اكتفى بالضغط السري دون النزول المباشر للساحة، وتراث 80 عاما من الانخراط في السياسة، وآراء البنا عن الحزبية والتحزب في رسائله المنشورة سيجعل من كلام أبو الفتوح حول الابتعاد عن السياسة مجرد هراء. وبالمثل أدبيات الجماعة التي تنظر لوطن الإسلام الممتد "من غانا إلى فرغانة" سيجعل من حديثه عن المصرية والوطنية هراء مماثل. خلطة المؤسس الثاني تأتي بعد التأكد من فشل خلطة الشيوعي التائب، فتعيد الجماعة لمساحة فترة مبارك الأولى، حيث تترك النقابات والمساجد والبرلمان المستشفيات ومراكز الشباب، ولا يلعب أعضاؤها في الخطوط السياسية الأولى كالمجالس المحلية والبرلمان. تبقى كتلة ضاغطة خلف حزب يترأسه هو. خلطة تقترب من خلطة الغنوشي المعلنة هذا العام، وتتأخر خطوة عن خلطة أردوغان المتمردة على تنظيم جولن. خلطة تبحث عن تأسيس ثالث يغطي أحجار البناء الخشنة ببعض الحرير.