في رأيي أكثر شيء أذى فيلم اشتباك هو كلام صنّاعُه عنه.. في أكتر من موقف، يتم التصريح بأن الفيلم غير معني بالسياسة وأنه فيلم إنساني فقط.. مع الأسف مش هقدر آخد صناع الفيلم على كلامهم لأكتر من سبب.. أولها كل الشخصيات اللي بتنتهي في عربية الترحيلات ما عدا العسكري، ليها موقف سياسي واضح بل إن الطرفين متاخدين من مظاهرات نزلوها طواعية يعني مش قابضين فلوس ولا كانوا معديين بالصدفة، ما عدا الصحفيين اللي برضوا ليهم موقف سياسي. وتاني الأسباب إن الحوار في أول ساعة من الفيلم وفي آخر حوالي ٤٠ دقيقه، فيه قدر لا بأس به من السياسة السطحية أو على الأقل ما بيقولش حاجة غير عن"احنا" و"هما"، أو بيتفرجوا على الأحداث السياسية من الشباك. ثالثا بنعرف بعد حوالي ساعة وربع من الفيلم إن كل اللي جوا دول كانوا في الميدان؛ يعني العنصر اللي بيجمعهم في الحقيقة هو الميدان مش عربية الترحيلات. دي السمة المشتركة اللي أدت إلى أن الناس دي كلها تبقى هنا. ومع ذلك، المشكله مش إن الفيلم سياسي ولا إنساني، المشكلة إن حتى لو نحينا آرائنا وانتماءاتنا السياسية على جنب، فالفيلم طول الوقت بيضرب منطقه السياسي، اللي هوا مختاره بالنار ومن نفسه، والاسوأ إنه بيضرب منطقه السينمائي. أهم من كده، مفيش حاجة اسمها فيلم إنساني وفيلم سياسي، الفيلم فيلم. السؤال هو الفيلم طرح قصته ازاي؟ قصته مش قضيته، تناول القصة من خلال عناصره السينمائية ازاي؟ *** من الناحية الفنية، عندي مشكلة كبيرة مع وجهة نظر الكاميرا، خصوصا أول ساعة من الفيلم. لأنها واخدة موقف المتلصص، حسستني طول الوقت إني بشوف حاجة مش المفروض أشوفها، كأني بقتحم مساحة شخصية لحد. الكاميرا مهياش "ملاحظ أو مشاهد محايط" هي عندها وجهة نظر جبانة في رأيي، خصوصا إن آخر ٣٥ دقيقة منطق الكاميرا بيتغير وحركتها بتكون أكثر ثباتا بدون تغير درامي قوي يبرر هذا التغير. أما عن إحساس الخنقه والحبس اللي كان جزء أساسي من حملة دعاية الفيلم، أنا ما حستوش في الفيلم. عدد الشخصيات "المعتقلين" مكنش كتير، وبالتالي الكاميرا في عربية الترحيلات في الفيلم كان عندها قدر كافي من التحرك بسلاسة داخل العربية، (دا ميقللش من صعوبة التصوير برضه). وثانيا كثرة الشبابيك وباب العربية المفتوح معظم الفيلم أعطاني مساحة نفسية وبصرية، بمعني أصح سابني أتنفس وبالتالي ماحستش بالظروف القاسية اللي بتمر بيها الشخصيات. أول ساعة في الفيلم ولحد وقت الاستراحة، مفيش حاجة بتحصل فعليا غير إن في ناس اتزنقت مع بعض في عربية مقفولة ومش طايقين بعض. مفيش توتر ولا بناء لأي صراع حقيقي ممسوك. فالفيلم مدته حوالي ساعة و٣٥ دقيقة، كان بمثابة وقت ضايع. وممكن نسأل سؤال جاد: ليه مكنش فيلم قصير؟ حتى البناء التصاعدي الداخلي الخاص بكل مشهد على حدة كان في كثير من الأحوال ضعيف. الفيلم بيقتل نفسه في مقتل سياسيا، من البداية واحنا بنشوف عنف من طرف واحد، الطرف اللي بيهتف إسلامية، لا رافع صور مرسي ولا بيهتف ضد العسكر، اللي هو شوية غريب لأن مرتين في الأحداث شخصية بتسأل لو الرئيس راجع! المهم إن في طرف بيولع في عربيات وبيضرب نار، والطرف التاني بيتقتل وبيدافع عن نفسه بميه وغاز. لكن من قلب المظاهرات العنيفة دي ومن الطرف العنيف بيتقبض على ناس بتهتف داخل عربيات الترحيلات القصاص بالرصاص. وبعدين الطرف العنيف بيقولوا احنا سلميين. طيب بمنطق الفيلم، ازاي؟ أنا كمشاهد اتعاطف معاهم ليه؟ خصوصا إنهم كمان طول الوقت بيقولوا "احنا" و"انتم" والشخصية اللي بتنظم المعتقلين داخل العربية بتصرح بشكل واضح إنه لازم احتواء العنف وإلا مش هيكون فيه جماعة إخوان مسلمين. طبعا مش هتعاطف معاهم حتى لو فيهم واحد بيحب التمثيل والغناء، دا ميخليهوش بمنطق الفيلم شخص مسالم. المشكله الأكبر إنه مش مفهوم أصلا هما ليه بيهتفوا القصاص؟ يعني هو إيه اللي حصل؟ فين السياق الدرامي اللي بيشرح الشخصيات دي بتتصرف كدا ليه؟ فين خلفية الحدث؟ عايز تاخد لحظة من الزمن وتبني عليها فيلم، يبقي استخدم الوضع السياسي كسياق زمني فقط هدفه يديك عذر درامي تجمع فيه شخصيات مختلفة عن بعض في مكان واحد، واحكي لنا من خلالهم بقى حدوتة جديدة، تبني من خلالها طبقات درامية لمشاعر وحكايات وصراعات مختلفة، إنما متخليش السياسة تبقى هي الحكبة وانت مش عايز تعمل فيلم عن السياسة فيطلع فيلم عمال يدي لنفسه بالقلم. نيجي للشخصيات اللي للأسف منقسمين مجموعتين واضحين، إسلاميين وناس ضد الإسلامين، كبشتين كدا مش مفهوم أولهم من آخرهم، آه واضح إن فيه فرق طبقي لكن في النهاية مش مفهوم مين الناس دي ولا إيه حكايتها، خصوصا المجموعة اللي ضد الإسلاميين، مهماش حتى عينه عشوائية، لا كلهم غير مسيسين وماشين وراء قلبهم بمعنى إن مفيش حد فيهم بيتكلم سياسة محنكة مثلا، مفيش حد مواقفه مترددة أو ما بين هنا وهناك، كلهم بيتكلموا بنفس الطريقة، ودا بيخليهم كأنهم شخصية واحدة في الحقيقة. مفيش اختلافات حقيقة بينهم و دا إن دل على شيء فهو تبسيط شديد في رسم الشخصيات وفي طرحها وفي قراية الواقع اللي كان موجود، وبيخليني أسأل ليه العدد دا؟ ليه مكنوش أقل أو أكتر؟ حتى لو عايز تقدم شخصيات بتمثل نماذج مختلفة من الشعب، فين اللي تبع أي حراك سياسي؟ فين المأجور؟ فين شباب أبو اسماعيل فين مليون حد وحد؟ حتى السايس اللي بيتقدم في الأول على إنه بلطجي بيطلع بيعمل "شو"، هل دا هروب من إن الفيلم يقدم مثال سيء؟ طب وهل لو كان بلطجي فعلا واتحط في الموقف دا مكنش ساعتها ينفع نتعاطف معاه؟ للأسف ضعف الشخصيات مش بس بسبب سطحية تناولهم لكن الأهم إن مفيش أي تغير جذري بيحصل لأي شخصية لا دراميا ولا كتركيبة. زي ما بدأوا زي ما بينتهوا. طب سؤال تاني، هل المجند كان لازم يبقى مسيحي ودا يظهرلنا بس في آخر الفيلم؟ ليه؟ نفس الشيء فيما يخص الحوار: "إنت ساكن فين؟...في الشارع" كأن في قايمة طلبات الحوار طول الوقت بيلبيها! قولنا عملاء آه قولناها قولنا تعذيب آه قولناه الخ الخ. أما عن مشهد النهاية، مشهد الذروة الدرامية، آسفه لو سؤالي هيبدوا ساخر، بس ليه الفيلم قلب "زومبي"؟ مظاهرة في وسط اللامكان عند الترعه بليل والمتظاهرين فيها مبيقولوش حاجة واضحة وماسكين مليون ليزر بدون ما يكون في عدو قدامهم أصلا مشتبكين معاه سواء عدو مدني أو عدو عسكري؟ مفهوم إنها ذروة الهيستريا. بس النقلة من حالة -نظريا- في منتهي الواقعية لحالة أشبه بالفيديو الجيم فصلتني ماشدتنيش بالرغم من جمال المشهد بصريا اللي الليزر كان بطله. للأسف يا صناع الفيلم، الشعب المصري ماصحيش الصبح فجأة وقرر ياكل بعضه بدون احم ولا دستور كدا، وهل أصلا المشكلة اللي هي "الاشتباك" بين الشعب وبعضه ولا بين شعب وسلطة بالأساس؟ رائع إن المزيكا بتطلع قليل، بس ليه كل ما تطلع تبقى بتقولنا "شفتم.. شفتم عملتوا في بعض إيه؟" وليه اللقطات الرمزية اللي على الساعه المكسورة ولعبة "إكس أوه" أثناء ما الناس بتاكل بعضها وكأنها بتقولنا احنا قررنا نسيب اللي جمعنا، نسيب الحاجات الحلوة اللي كانت في العربية (اللي هي مصر) وناكل في بعض؟ هي إيه الحاجات الحلوة؟ إننا غنينا سوا؟ ومين "احنا"؟ و مين العدو؟ مفيش اشتباك من غير أطراف، عايزين نشوف وجهة نظر الجميع عظيم بس دي مش وجهة نظر حد، دي تمييع باهت ومبتذل وساذج لحقيقة واحدة واضحة: في سلطة بتقتل شعب، وجوا دا في صراعات، تعالوا نشوفها، نشوفها بجد، نبرق لها ونهبدها على الأرض ونجيبها يمين وشمال ونفهم حصل إيه، أو على أقل تقدير نعمل فيلم متسق مع منطقه الدرامي وساعتها أقول سينما حلوة بس سياسيا اختلف معاه.