انتهت القمة الثلاثية بين روسياوإيرانوأذربيجان في باكو بجملة من التوصيات التي صدرت على شكل بيان ختامي للقاء القمة الذي شارك فيه رؤساء الدول الثلاث. واتفقت روسياوإيرانوأذربيجان على تطوير شامل للتعاون المتكافئ والمتبادل لتعزيز الحوار السياسي على عدة مستويات، وعلى حزمة واسعة من القضايا ذات المصلحة المشتركة، كما ستستمر في تطوير التعاون الثلاثي في مجالات الثقافة والسياحة وأوساط الأعمال، والتعاون في المجال القنصلي والجمركي وتسهيل منح تأشيرات السفر مستقبلا، وتعميق العلاقة بين المحافظات والأقاليم. كما وجهت الدول الثلاث دعوة إلى المجتمع الدولي للانضمام إلى جهودها في محاربة الإرهاب والإتجار بالمخدرات، ضمن دور مركزي تنسيقي للأمم المتحدة وذكر البيان أن الأطراف الثلاثة تعتزم محاربة الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود والإتجار غير القانوني بالأسلحة وتهريب المخدرات والإتجار بالبشر ومحاربة الجرائم في مجال تقنيات الحاسوب. وذهب البيان إلى أن "الأطراف الثلاثة تعترف بأن الصراعات التي لم تحل بعد في المنطقة، هي عقبة رئيسية أمام التعاون الإقليمي. وفي هذا الصدد، تؤكد الدول الثلاث على أهمية اتخاذ قرار مبكر عبر المفاوضات، على أساس مبادئ وقواعد القانون الدولي". كما قررت روسياوإيرانوأذربيجان اتخاذ إجراءات لتطوير البنى التحتية للمواصلات، بما في ذلك تطوير ممر "شمال – جنوب"، حيث تسعى الأطراف الثلاثة لبذل الجهود بهدف دمج إمكانية النقل الإقليمية، الهادفة لإنشاء بنى تحتية، لمواصلات اقتصادية ورابحة وآمنة بيئيا، وتنوي الدول الثلاث اتخاذ خطوات لتطوير البنى التحتية للمواصلات بهدف تحسين الإمكانيات الحالية لنقل المسافرين والبضائع، عبر ممر النقل الدولي "شمال – جنوب". ونوه البيان أيضًا إلى أن موسكو وطهران وباكو، مستمرة معًا في "المساهمة بتنفيذ المشاريع الجديدة، لربط خطوط السكك الحديدية، ضمن خطط تطوير وتحسين كفاءة ممر النقل الدولي "شمال – جنوب". لقاء قمة باكو تطرق إلى جملة من القضايا السياسية والأمنية أيضًا، ولا سيما تبادل وجهات النظر حول سوريا وأفغانستان ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، غير أن صيغة البيان الختامي جاءت في شكل توصيات أكثر منها قرارات، ما دعا المراقبين إلى التقليل من قيمة هذا اللقاء والإعلانات الصادرة عنه. ورأت تقارير أن إيران لا تزال تحاول الاختباء وراء ظهر روسيا بتوسيع نفوذها شرقًا وجنوبًا وشمالًا مستخدمة ظروف العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وتورط الأخيرة في سوريا، هذا في الوقت الذي تسعى فيه روسيا أيضًا لكسر طوق الحصار الغربي باستخدام الورقة الإيرانية من جهة، وممارسة نفوذها في بعض دول آسيا الوسطى وما وراء القوقاز. وعلى الرغم من ذلك تتواصل محاولات كل من روسياوإيران لترسيخ معادلة إقليمية ودولية أقرب إلى أفلام هوليوود منها إلى الواقع السياسي الإقليمي والدولي، هذا على الرغم من التناقضات الصارخة بين موسكو وطهران ورفض روسيا القاطع تكوين أحلاف أو تحالفات عسكرية، إلا أن إيران تسعى بكل الطرق والأساليب لإعلان أي شكل من أشكال التحالف بينها وبين روسيا، وإمكانية دخول أطراف أخرى إليه مثل النظام السوري، أو دول قريبة إلى إيران مثل أذربيجان. وإذا كان العامل السياسي قد توارى في هذه القمة خلف العوامل الاقتصادية، إلا أن القمة، وفق مراقبين، تحمل طابعًا سياسيًا محضًا يهدف إلى بذل شتى الضغوط على أطراف بعينها في الشرق الأوسط، وعلى دول الخليج في ملفات سياسية واقتصادية، وفي مجال الطاقة أيضً، غير أن التناقضات بين موسكو وطهران من جهة، وبين موسكو وباكو من جهة أخرى، وتشتت مصالح روسيا قد تصبح أحد العوائق أمام تنفيذ التوصيات التي وردت في البيان الختامي للقمة الثلاثية. على الجانب الآخر وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني7 أغسطس الحالي إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، على رأس وفد كبير يضم وزراء ومسؤولين، حيث كان في استقباله نظيره الأذربيجاني إلهام علييف. وأكد "روحاني" عشية زيارته إلی باکو علی الأهمیة البالغة للقمة الثلاثیة، معتبرًا أنها في غاية الأهمية نظرًا لتوقيتها في ظل ما يشهده الشرق الأوسط من أزمات وأحداث. ولفت الرئيس الإيراني النظر إلى أهمية القمة، مُذكّرا بما أحرزته إیران وروسیا في السنوات الأخیرة وما أسستا له من علاقات استراتیجیة، تجسدت في الشراكة "الطيبة" بينهما في معالجة القضایا الإقلیمیة والدولیة، وبين القضايا ذات الأهمية المطروحة على جدول قمة الزعماء الثلاثة إلى جانب مکافحة الإرهاب والتعاون الإقلیمی. وأفرد روحاني مشروع "شمال جنوب"، معتبرًا اياه "نعمة عظیمة للبلاد"، مُعيدًا إلى الأذهان أنه سيمتد عبر بلاده من الهند إلى غرب أوروبا. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد أعلن أن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران، يمكن أن يعطي دفعة قوية لتنمية التجارة والاستثمار، وقال: إن "دفعة قوية للتجارة الروسية-الإيرانية والاتصالات في مجال الاستثمار قد تمنح فرصة لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران". وأشار إلى أن موسكو مهتمة بتعزيز الشراكة مع إيران في الشؤون الإقليمية، وأنه يرى في ذلك "عاملًا مهمًا في الحفاظ على الاستقرار والأمن على مساحات شاسعة من أراضي آسيا الوسطى، ومنطقة بحر قزوين، حتى الشرق الأوسط ". وأكد أن روسيا ستواصل دعم رغبة إيران في أن تصبح عضوًا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون. المعروف أن منظمة شنغهاي للتعاون تضم كلا من روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، ومنحت المنظمة صفة مراقب لكل من منغوليا والهندوإيرانوباكستان وأفغانستان، وفي شهر سبتمبر 2014 تقدمت كلا من باكستانوالهند بطلب رسمي للحصول على العضوية الرسمية في منظمة شنغهاي للتعاون. كذلك تطمح إيران أيضًا للحصول على العضوية الكاملة في المنظمة، فيما تقدمت كلا من سريلانكا وأرمينيا بطلب للحصول على صفة عضو مراقب في المنظمة، وبقيت كل من بيلاروسيا وتركيا وسريلانكا تمتلك صفة "الشريك في الحوار" في إطار هذه المنظمة. الرئيس الروسي وصف إيران باعتبارها شريكا منذ فترة طويلة لروسيا، مشيرًا إلى أن تخفيف حدة التوتر في الدول المجاورة لإيران بعد الاتفاق بشأن برنامجها النووي "سيفيد العلاقات الثنائية.، موضحًا أن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين ارتفع خلال خمسة أشهر من العام الجاري بنسبة 70% ليصل إلى 855 مليون دولار. وأكد أن "روسيا تعتزم منح إيران قرضين ائتمانيين حكوميين، بقيمة 2 مليار و200 مليون يورو لتمويل بناء محطة حرارية لتوليد الكهرباء قرب مدينة بندر عباس على الساحل، وتمويل مشروع كهربة السكك الحديدية (جرمسار - اينتشي بورون) شمال شرق البلاد، هذا إضافة إلى التخطيط لإنشاء 8 مفاعلات نووية جديدة في إيران. وأعلن بوتين في هذا الصدد بأن روسيا ستواصل مساعدة الشركاء الإيرانيين في تنفيذ خطة العمل على البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك إعادة تدوير اليورانيوم المخصب والتحول إلى القدرة على إنتاج نظائر مشعة مستقرة. وفي ما يتعلق بالتعاون بين أذربيجانوروسيا، رأى الرئيس الروسي أن نمو صادرات المنتجات الزراعية الأذربيجانية إلى روسيا، وزيادة صادرات الأسمدة والمعدات الزراعية الروسية تلعب دورًا هامًا في زيادة التبادل التجاري، وقال: إن "هناك دورًا هامًا في زيادة حجم التجارة المتبادلة، ويمكن أن يلعب نمو الصادرات من المنتجات الزراعية الأذربيجانية إلى السوق الروسية دورًا إضافيًا، وكذلك زيادة صادرات روسيا إلى أذربيجان من الأسمدة والمعدات الزراعية اللازمة لزيادة المساحات المزروعة". كما رأي الرئيس الروسي أن العلاقات بين البلدين تحمل طبيعة الشراكة الاستراتيجية، وأن تطوير الاتصالات الوثيقة بين رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات في البلدين، تعمل على تعميق التعاون وتبادل المنفعة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، في مجال الطاقة والبنية التحتية والنقل، وصناعة السيارات والرعاية الصحية. وعلى الرغم من ظروف السوق غير المواتية والصعبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، إلا أن أذربيجان تحتل المركز الخامس في التجارة الخارجية لروسيا مع بلدان رابطة الدول المستقلة بعد بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا وأوزبكستان، أما روسيا فتحتل المركز الأول في استيراد السلع الأذربيجانية، يحث بلغ حجم التبادل التجاري بين روسياوأذربيجان خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي نحو 568 مليون دولار أي أقل بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، ولكن البلدين قادران على إعادة التجارة بينهما إلى مسار النمو المستدام. ووفقًا لبيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، ففي عام 2015 انخفض حجم التبادل التجاري بين روسياوأذربيجان بنسبة 30% إلى 2 مليار و800 مليون دولار مقارنة مع عام 2014، حيث كان يبلغ 4 مليارات دولار، ولم تتمكن الدولتان إلى هذا الحين من التغلب على هذا الوضع، وبنتيجة الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بلغ حجم التبادل التجاري 568 مليون دولار أي منخفضًا بنسبة 53% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2015. فيما أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن بلاده تعتزم الإسهام في تمويل مشروع "شمال جنوب" للنقل بين الهندوإيران ودول الخليج عبر أذربيجانوروسيا، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها، وقال: إنه "يتم اتخاذ خطوات ذات أهمية على مسار تنفيذ مشروع شمال جنوب، حيث من المُزمع أن تنتهي بلادنا وحتى نهاية العام الجاري من مد سكتها الحديدية في إطار هذا المشروع حتى حدودنا مع إيران، وقد وقعَّنا على مذكرة تفاهم لتعجيل إنجاز المشروع ككل". وأكد الرئيس الأذربيجاني أن أهمية "شمال جنوب" لا تنحسر في نطاق مصالح الدول التي سيمر عبر أراضيها فحسب، بل يمثل أهمية قاريّة"، مشيرًا إلى أن لقاء بوتين وروحاني معه في باكو سيشهد تبني خطوات تاريخية في إطار تنفيذ هذا المشروع. يُذكر أن خط "شمال جنوب" سيمتد على مسافة 7200 كلم ليربط دول شمال أوروبا وجنوب شرق آسيا عبر السكك الحديدية الأذربيجانيةوالإيرانية والروسية، ومن المقرر أن يمر عبر هذا الممر ما لا يقل عن 5 ملايين طن من البضائع سنويًا، على أن تزداد قدرته التمريرية في مرحلة لاحقة إلى 10 ملايين طن في السنة. أما العلاقة بين إيرانوأذربيجان فهي تتنامى بشكل سريع، إذ أعلن وزير الاقتصاد الأذربيجاني شاهين مصطفاييف أن الاستثمارات الإيرانية في أذربيجان تجاوزت قيمتها مليار ونصف المليار دولار، بما في ذلك نحو 94 مليون دولار في القطاع غير النفطي، وتعمل في البلاد 450 شركة بمشاركة الرأسمال الإيراني، هذا إضافة إلى تشييد مصنعًا لصناعة السيارات في أذربيجان، والذي من المقرر بناؤه ضمن مشروع مشترك مع إيران، حيث تبلغ قيمة المشروع نحو15 مليون دولار، يساهم الجانب الإيراني ب 25% منها. ومن المخطط أن تتم صناعة 10 آلاف سيارة سنويًا في هذا المصنع، وتصدير نحو 20% منها. هذا وقامت شركتا "أذ يورو كار" الأذربيجانية، و"إيران خودرو" الإيرانية بتوقيع 6 وثائق تخص مختلف الأمور المتعلقة بصناعة السيارات.