الغموض يحيط بمحاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا ضد أردوغان وحكومته، بعد أن تبين أن الانقلابيين كانوا يقفون وحدهم، لم يؤيدهم أى من أحزاب المعارضة، لا الكردية ولا اليسارية، ولا الصحافة ولا التليفزيون، كما لم يظهر لهم سند من أى قوة جماهيرية فى الشارع، بل على العكس كانت الصورة الواضحة تعبيراً عن رفض شعبى قوى. والأهم أن قيادات الجيش أدانتهم من أول لحظة وشجبت خروجهم على الشرعية! كما أن المحاولة اتسمت بسذاجة فاضحة، حيث أعلن الانقلابيون بيانهم الأول دون أن يلقوا القبض على أى من رموز الحكم، الذين ظلوا مطلقى السراح يصدرون البيانات ويوجهون النداءات للداخل والخارج. ومن المؤكد أنه كان لهذا دور كبير فى دفع الجماهير للخروج للشارع احتجاجاً على الانقلاب، مما كان له أثر حاسم فى كشف افتقاد الانقلاب لتأييد الجماهير. وأما علامة السذاجة الكبرى فكانت فى عدم التنسيق مع أى من أحزاب أو قوى المعارضة، ويبدو أن السذاجة وصلت إلى حد توهم أن التأييد سيأتى تلقائياً! فما هى دوافع هؤلاء؟ وما هى أهدافهم؟ وما هى القاعدة التى كانوا يحسبون أنها قوتهم الجماهيرية والسياسية؟ وهل كان هناك من دفعهم ثم فرّ واختفى عندما تكشف الفشل المفجع؟ قيل كلام، لم تثبت صحته حتى الآن، ينسب للانقلابيين الانتماء لاتجاهات إسلامية متطرفة، وانهم يأخذون على أردوغان وجماعته التهاون فى قضايا الشريعة الإسلامية! ويُقدّم بعض القائلين الدليل على صحة كلامهم بأن قيادة الجيش العلمانية أدانتهم فوراً، بما يُرجِّح أنهم يعرفونهم ويعرفون توجهاتهم الفكرية، مما دعا القيادة إلى إعلان تنصلها منهم! المعلومات لا تزال شحيحة حتى الآن، ولكن الحقيقة التى يبدو أنه لا خلاف عليها هى أن الشعب التركى هو بطل إفشال الانقلاب. والحقيقة الثانية هى أن المعارضة أثبتت تمسكها بالدستور وبالإجراءات المتبعة فى تداول السلطة، وكان هذا الموقف حاسماً فى عزل الانقلابيين وتقوية الموقف الشعبى الذى تطور إلى حد الاشتباك الفعلى مع الانقلابيين وإلقاء القبض على بعضهم. وأما أردوغان، فمن المؤكد أنه سيعود أقوى مما كان، أولاً لأن هذا الفشل سوف يقوِّى مركزه بعد أن كانت الهواجس قد تلبسته عن انقلاب عسكرى قادم، وكان يعلنها فى خطاباته. بل ومن المرجح أن يوئد فشل الانقلاب فكرة الانقلاب داخل صفوف الجيش، على الأقل لسنوات قادمة. وثانيا، بعد أن وحَّدت مقاومة الانقلاب من جبهته، وجذبت المعارضة لبلورة موقف رافض لتدخل الجيش فى الحياة السياسية، وهو ما كان يحلم به أردوغان وكان يراه بعيداً، فإذا بفشل الانقلاب يُقرِّب البعيد. وقد خطت قيادة الجيش خطوة لم تكن متوقعة عندما اقترحوا أن يقوموا هم، بدلاً من الشرطة، بتصفية الجيوب الأخيرة للانقلابيين، حتى لا تنشأ ثأرات بين الجيش والشرطة فى حالة وقوع قتلى فى صفوف أفراد الجيش المتورطين مع الانقلابيين لمجرد امتثالهم لأوامر قيادتهم. ولكن الشكوك تحوم حول أن يغير أردوغان من عناده، بل المرجح أن يزداد عناداً مع الدفعة القوية التى فاز بها فى الموقف العام، شعبياً وسياسياً، ضد الانقلاب، وقد يعتبر المقاومة المبدئية للانقلاب تأييداً له شخصياً، مما يزيد من عناده. وقد ينسى، أو يتناسى، الخلافات الكبيرة مع المعارضة إلى حد وقوع أسوأ شجارات فى تاريخ البرلمان بين رجاله وبين بعض النواب المعارضين إلى حد التراشق بزجاجات المياه، والقفز فوق الطاولات لضرب بعض النواب المعارضين، فى مايو الماضى! وقد يتغافل عن معارضة الصحفيين للاعتداءات التى يقترفها ضدهم، بعد أن صار صدره وصدر حكومته يضيق من حرية الصحافة وحرية التعبير ومن نشر الأخبار التى تفضح الجوانب التى لا يحب أن يعلنها..إلخ إلخ وأما ما ينبغى رصده فى هذه المناسبة، فهو تسابق جماعة الإخوان فى مصر إلى الربط بين الرفض العام فى تركيا لمحاولة الانقلاب الأخيرة، وبين ما تعرضوا هم له فى مصر بعد أن استجار الشعب المصرى بقواته المسلحة للإطاحة بحكمهم. وذلك لانعدام وجه المقارنة! ذلك لأن ممثل الإخوان فى القصر الرئاسى الدكتور محمد مرسى اقترف ما من شأنه عزله ومحاكمته عندما اعتدى على الدستور فى 21 نوفمبر بعد 4 أشهر فقط من بدء ولايته، وأن الإخوان لم يكتفوا بالدفاع عن ممثلهم، وإنما مارسوا العنف ضد المعارضين إلى حد القتل، وإلى حد الهجوم بالمولوتوف على الأحزاب، وإلى حد محاصرة أكبر محكمة فى مصر، وساعدهم على ذلك النائب العام الملاكى الذى عينوه فى عملية العدوان على الدستور وعلى السلطة القضائية لكى يُجمِّد الدعاوى المرفوعة ضدهم، وفى نفس الوقت يُنكِّل بخصومهم! المفارقة التى تحتاج إلى دراسة تفصيلية، هى أن مقارنة التجربتين المصرية والتركية، واضعين فى الاعتبار الموقف الشعبى الواضح فى البلدين إضافة إلى وقائع العدوان على الدستور والقانون، تضع الإخوان فى وضع أقرب إلى الانقلابيين الأتراك الفاشلين، وليس فى مكان حزب العدالة والتنمية، كما تضع مرسى وقياداته الإخوانية مكان قادة الانقلاب الفاشل وليس فى مكان أردوغان وحزبه!!