أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أنه سيترك منصبه بحلول أكتوبرالمقبل، وذلك بعدما صوت أغلب الناخبين البريطانيين لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وقال كاميرون في بيان تلاه أمام مقر الحكومة في لندن، بعد ظهور النتائج النهائية للاستفتاء الذي أجري الخميس، إنه قد اتخذ القرار. وأوضح كاميرون، أنه سيقود دفة الأمور بشكل مؤقت خلال الأشهر المقبلة لكن هناك حاجة الآن لقيادة جديدة للبلاد. ولكن لنرجع خطوات قليلة إلى الخلف، بالتحديد منذ قرابة العام، أثناء حملة الانتخابات البرلمانية البريطانية، التي وعد فيها رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، المواطنين بإجراء استفتاء على بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، وبعدما حصل حزب المحافظين على أغلبية مريحة في مجلس العموم، قام برلمان المملكة المتحدة بتمرير قانون استفتاء الاتحاد الأوروبي في العام 2015. ليكون بذلك ثالث استفتاء شعبي يتم في المملكة المتحدة وللمرة الثانية يتم سؤال البريطانيين عن رأيهم بقضية تتعلق بالاتحاد الأوروبي. حيث تم إقامة الاستفتاء الأول في العام 1975 وتمت الموافقة على العضوية بموافقة 67% ممن شاركوا بالاستفتاء. ولكن لماذا طرح كاميرون فكرة الاستفتاء من الأساس؟ طرح الفكرة أتى للحصول على الأصوات الانتخابية للمواطنيين الذين يرون أن بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد يكبد الاقتصاد البريطاني الخسائر، ويضغط على فرص العمل داخل الممكلة، كما أن الاتحاد يفرض على بريطانيا قوانين قد لا تتوافق معها في قضايا الحدود والدعم المالي لدول الاتحاد والهجرة واللاجئين. كما أن الخروج من الاتحاد الأوروبي ورقة كان يدرك رئيس الوزراء البريطاني، مدى تأثيرها على دول الاتحاد، التي سرعان ما تستجيب لهذا التهديد وتغرق بريطانيا بالعديد من التنازلات والإصلاحات لإغرائها بالبقاء داخل الكيان. فكلما أرادت لندن إعادة التفاوض حول تعديل شروط عضويتها لتمرير مصلحة معينة، اتجهت إلى ابتزاز الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بالرحيل من الكيان الموحد، وهو ما حدث، وخلال عملية التفاوض التي سبقت الاستفتاء حصلت بريطانيا، على تنازل من الاتحاد في قضايا إشكالية مثل إعفاء بريطانيا من المبادئ التأسيسية لاتحاد أكثر ترابطًا، إضافة إلى البيان الصريح بأن "اليورو" ليس العملة الرسمية للاتحاد الأوروبي، وتوضيح أن أوروبا اتحاد متعدد العملات، بجانب نظام "البطاقة الحمراء" لاستعادة القوة من بروكسل إلى بريطانيا، ومنح البرلمانات الوطنية القوة لوقف التوجيهات غير المرغوبة، وإلغاء القوانين غير المرغوبة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، تأسيس الهيكل الجديد للاتحاد الأوروبي نفسه، لمنع الدول التسع الواقعة خارج منطقة اليورو من أن تهيمن عليها الدول ال19 الأخرى الواقعة ضمن تلك المنطقة، مع حماية خاصة لمدينة لندن. اسكتلندا على طريق الاستقلال وعقب إعلان نتيجة الاستفتاء، أعلنت رئيسة الوزراء الإسكتلندية نيكولا ستورجن، أن إسكتلندا "ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي" بعد تصويت البريطانيين المؤيد للخروج من الاتحاد. وصرحت ستورجن زعيمة الحزب القومي الإسكتلندي "بانتظار النتيجة النهائية، يدل التصويت هنا (في إسكتلندا) على أن الإسكتلنديين يرون مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي". كما لم تستبعد رئيسة الوزراء الأسكتلندية، نيكولا ستورجن، إجراء استفتاء جديد على الاستقلال عن بريطانيا، قائلة إنه "مرجح للغاية" بعد تصويت بريطانيا لترك الاتحاد الأوروبي. وذكرت ستورجن، أن تشريعا جديدا سيجري إعداده لتصويت جديد محتمل، بعدما خسر الاستقلال قبل عامين في الاستفتاء الأول. وأضافت أنها سوف تفعل كل ما هو ممكن للحفاظ على أسكتلندا داخل الاتحاد الأوروبي، موضحة أن الأمر يعني حاجة إلى استفتاء آخر. وأشارت إلى أن قرار بريطانيا ترك الاتحاد الأوروبي يشكل تغييرا جوهريا كبيرا في علاقات أسكتلندا، ويمكن أن يبرر إجراء تصويت آخر، وفق ما نقلت "أسوشيتد برس". ومن هنا فقد يؤدي تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوربي إلى تفكك المملكة المتحدة نفسها، عبر طرح الاسكتلنديون، فكرة إجراء استفتاء جديد للانفصال عن المملكة المتحدة، خاصة بعد الاستفتاء الذي أجري في سبتمبر 2014، وجاءت النتيجة بالبقاء ضمن المملكة بنسبة تصويت بلغت 55% للبقاء مقابل 45% للخروج، وهو الأمر الذي أجبر أليكس سالموند، الوزير الأول في اسكتلندا السابق على الاستقالة بعد دعمه خطة الاستقلال عن المملكة. ولكن الأمر مختلف هذه المرة، ففي اسكتلندا، طرح لاستفتاء للانفصال عن المملكة المتحدة، يرى أغلب المراقبون أن القرار سيكون لصالح الانفصال، خاصة أن الحزب القومي القومي الاسكتلندي قد اكتسح الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وفاز بأغلبية المقاعد لاسكتلندا في في مجلس النواب البريطاني. دعوات لوحدة إيرلندا ولم يقف الأمر عند فكرة استقلال اسكتلندا، بل دعا حزب الشين فين، الذي يعتبر بمثابة الواجهة السياسية للجيش الجمهوري الإيرلندي، إلى استفتاء حول إيرلندا موحدة. وجاءت هذه الدعوة كرد فعل بعد تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي. وأكد الحزب الجمهوري أن الاستفتاء حول الاتحاد الأوروبي "له عواقب هائلة على طبيعة الدولة البريطانية"، بينما صوتت إسكتلندا وإيرلندا الشمالية على بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد، فيما صوت انجلترا وويلز للخروج. وقد رفضت رئيسة وزراء أيرلندا الشمالية، أرلين فوستر، دعوة من نائبها القومي لإجراء استفتاء على الوحدة الأيرلندية ووصفتها بأنها دعوة "انتهازية". وكان نائب رئيسة الوزراء مارتن مكجينيس، قد قال في وقت سابق اليوم، إن الحكومة البريطانية عليها "التزام ديمقراطي" بالدعوة للتصويت بشأن خروج أيرلندا الشمالية من المملكة المتحدة بعد أن أيد البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتابع: "الحكومة البريطانية ليس لديها الآن أي تفويض ديمقراطي بتمثيل وجهات نظر الشمال في أي مفاوضات مستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن هناك التزامًا ديمقراطيًا بإجراء استفتاء حدودي". من جانبها، قالت زعيمة الحزب الوحدوي الديمقراطي المؤيد للمملكة المتحدة فوستر، لراديو أولستر: "من المستحيل حتى لو أجرينا استفتاء حدوديًا أن تكون النتيجة لصالح أيرلندا موحدة". وصوت البريطانيون مع الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 51.9 بالمئة، وبلغت نسبة المشاركة 72.2 بالمئة. ويبقى القول إن رغبة كاميرون في زيادة الامتيازات التي تحصل عليها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر التهديد بالخروج من الاتحاد، قد أتت بنتائج عكسية، وكان كاميرون مثل الدابة التي قتلت صاحبها، فرغبته في زيادة الامتيازات قد يتسبب في تدمير المملكة المتحدة نفسها، عبر ارتفاع النزعات الانفصالية في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية، كما إن الأمر قد ينفتح الباب واسعا لانهيار الاتحاد الأوروبي بأكلمه