حذَّرت لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة من مخاطر التقارير الإعلامية المشبوهة، ورأت اللجنة أن هناك وكالات ومكاتب صحف أجنبية دأبت على بث أكاذيب ومغالطات عن مصر، تتسبب فى تشويه صورة الدولة المصرية فى الخارج. بيان لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة رأى أيضا أن الكثير من الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية المعتمدة فى مصر، ومن خلال مكاتبها ومراسليها بالقاهرة، تعتمد على تصدير معلومات صحفية خاطئة عن الأوضاع فى البلاد، سواء المتعلق منها بالنواحى السياسية أو الاقتصادية، دون تحرى الدقة أو الالتزام بالمعايير المهنية الصحفية. ويواصل البيان تقديم كل المسوغات والأسباب التى تدعم دعوته، حيث أكد أن «كثيرًا من المراسلين الذين يعملون لصالح جهات صحفية وإعلامية خارجية يستقون معلوماتهم من منظمات المجتمع المدنى، التى يحوم حول أغلبها شبهاتُ التمويل الأجنبى لأغراض سياسية. وهو ما ظهر واضحا فى تقارير المنظمات الدولية التى تدّعى الدفاع عن حقوق الإنسان، أو حتى حرية الرأى والتعبير، كما ظهر فى تقارير صحف ووكالات أنباء أجنبية». وبالتالى دعت اللجنة إلى «تقنين عمل المراسلين الأجانب فى مصر، وذلك بتحويل جهة اختصاص منحهم التصاريح إلى نقابة الصحفيين. وذلك من خلال انضمامهم إلى جدول المنتسبين طوال مدة عملهم بالقاهرة، وإنهاء اختصاص الهيئة العامة للاستعلامات فى هذا الشأن بعد أن ثبت فشلها فى التعامل مع المراسلين الأجانب وتقنين أوضاعهم وعملهم، الأمر الذى يضر بالأوضاع الداخلية للدولة». تلك الدعوة الخطيرة والمثيرة للتساؤلات تنطلق من أن المركز الصحفى التابع لهيئة الاستعلامات قد فشل فشلا ذريعا فى عمله مع الصحفيين والمراسلين الأجانب أو العاملين فى وسائل الإعلام الأجنبية. والمعروف أن المركز الصحفى التابع لهيئة الاستعلامات هو الجهة الوحيدة التى تمنح الاعتمادات وتعمل مع ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية فى مصر. أصحاب هذه الدعوة يرون أن ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية يبثون تقارير غير موضوعية، ويستقون معلوماتهم من جهات غير رسمية فى الدولة المصرية. وبالتالى، يشوهون «صورة مصر» بالأكاذيب والادعاءات والمعلومات غير الدقيقة. وعندما يتم إسناد اعتماد ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية إلى نقابة الصحفيين، فسوف تراقبهم النقابة وتحاسبهم على تقاريرهم المهنية! هذه الدعوة فى غاية الخطورة، لأنها تحوِّل نقابة الصحفيين إلى جهة رقابة على الصحفيين والمراسلين الأجانب والعاملين فى وسائل الإعلام الأجنبية الذين لا يخضعون أصلا إلى ميثاق نقابة الصحفيين المصريين. كما تحوِّل النقابة إلى جهة محاسبة أيضا. وهو ما لا يتفق مع مواثيق العمل الإعلامى وحرية النشر والرأى. وبدلا من تقوية وتعزيز وسائل الإعلام المصرية، وتطويرها مهنيا، وتدريب كوادرها وفق مناهج وبرامج حديثة من أجل القيام بعملهم المهنى كما ينبغى، واحتلال مساحات واسعة من الساحات والفضاءات الإعلامية فى الداخل والخارج بشكل مهنى وحِرَفى، تجرى الدعوة إلى الرقابة والمحاسبة لوسائل الإعلام الأجنبية ومراسليها فى مصر عبر نقابة الصحفيين المصريين. هناك دول تسمح للمراسلين والصحفيين الأجانب بالعمل بدون أى اعتمادات أو رقابة. أما الدول التى تشترط الحصول على اعتماد رسمى، ففيها مراكز صحفية تابعة إما لوزارة الخارجية، أو لهيئات شبيهة بهيئة الاستعلامات المصرية. ولا توجد أى دول تسند اعتماد المراسلين والصحفيين الأجانب إلى نقابات الصحفيين أو إلى بيوت الصحفيين أو أى هيئات مهنية تعنى بتنظيم العمل الصحفى والإعلامى فى داخل الدولة نفسها. إن هذه الدعوة مجرد شكل من أشكال إلقاء مسؤوليات والتزامات إضافية على نقابة الصحفيين التى يتعارض ميثاقها مع المنع والتحريم المهنيين، وينطلق من المهنية فى العمل الصحفى والإعلامى. إن هيئة الاستعلامات ومركزها الصحفى، أو أى قسم فى وزارة الخارجية يمكنه القيام بذلك، كما فى العديد من الدول. وبالفعل فهذه المسؤولية لا تزال مسندة إلى هيئة الاستعلامات. وإذا كانت الدعوة المذكورة تستند إلى فشل الهيئة، فهذا لا يعنى الإثقال على نقابة الصحفيين وحَرْفها عن دورها المهنى والاجتماعى فى الداخل المصرى، وتحويلها إلى جهة محاسبة، بل الأفضل هو تطوير هيئة الاستعلامات ودعم المركز الصحفى بكوادر مدربة ونشيطة وقادرة على العمل والمتابعة وإدارة العلاقات مع الصحفيين والمراسلين الأجانب. الأهم هنا أن هيئة الاستعلامات أو وزارة الخارجية، أو كلتيهما، قادرة على توفير المعلومات والأخبار الرسمية الموثوقة، وترشيح الضيوف والمسؤولين، وعقد اجتماعات وندوات تجمع الصحفيين الأجانب بالمسؤولين المصريين، ومد ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية فى مصر بالتصريحات الرسمية والمعلومات الدقيقة، وإقامة وتنظيم المؤتمرات الصحفية الدورية، وغير الدورية، مع ممثلى وزارة الخارجية والوزارات الأخرى. كما أن الهيئة ووزارة الخارجية قادرتان أيضا على عقد لقاءات نصف سرية، كما هو موجود فى العديد من دول العالم المتحضرة، بين ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية والمسؤولين المصريين. ولكن كل ذلك ليس من اختصاص نقابة الصحفيين التى لديها ميثاق خاص بها، وبرامج متعلقة بميثاقها بشأن تنظيم العمل المهنى، وبعيدة تماما عن المنع والرقابة والمحاسبة عموما إلا بما يتوافق مع بنود ميثاقها على أعضائها من الصحفيين المصريين. وهى أيضا بعيدة تماما عن مراقبة ومنح ومنع ومحاسبة ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية، الذين يجب أن يعملوا وفق لوائح وضوابط تنظمها قوانين دولية خاصة بعمل المراسلين والصحفيين الأجانب فى هذه الدولة أو تلك. من الطبيعى أن تكون هناك قنوات معلومات وأخبار عديدة ومتناقضة، ومغرضة، ودقيقة، وغير دقيقة، وجيدة وغير جيدة، ورسمية وغير رسمية. هذا الأمر طبيعى فى عصر تعدد وسائل الإعلام، وتنوع المصادر واختلافها، وفى ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت تنافس كل أنواع وسائل الإعلام لقدرتها الجبارة على العمل ميدانيا وعلى الأرض، مهما كانت معلوماتها وأخبارها منقوصة أو مغرضة أو متحاملة. ولكن من الواضح أن الدعوات مرتبطة بشكل عدوانى ومتحامل بعمل منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية وجمعيات حقوق الإنسان وكل أشكال المجتمع المدنى الأخرى، وأن ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية فى مصر يستقون معلوماتهم من هذه الأشكال والهيئات. وهنا تكمن خطورة الدعوة. ولكن بدلا من خلط الأوراق والتخبط والمنع والمنح والرقابة والمحاسبة، والإثقال على جهات ليس لها علاقة بتلك الأمور، يجب الانتباه إلى دور المركز الصحفى وهيئة الاستعلامات، أو استحداث قسم فى وزارة الخارجية للعمل مع ممثلى وسائل الإعلام الأجنبية، والتركيز على التدريب المهنى والمتابعة الدقيقة والذكية والمهنية، وعدم التعامل بعدوانية مع رؤى الآخرين، أو إطلاق الاتهامات، والاهتمام بالكوادر وتطوير هيئة الاستعلامات ومركزها الصحفى.