القتل والسرقة وحتى التظاهر، جرائم مرئية وملموسة، لكن توجد جرائم أخرى مذكورة في نصوص القانون، لكن لا دلالة حقيقية على ماهيتها، ومنها تهمة تكدير الأمن والسلم العام، مما دفع «التحرير» للتساؤل متى تعتبر الكتابة والرأي أداة لتكدير الأمن والسلم العام؟، وهل لابد أن تترتب على الكلمات أفعال مادية يستدل منها على ذلك التكدير؟، وإن لم يكن فكيف تحكم النيابة قبضة الاتهام في ذلك الشأن وبم تستدل عليها؟. بالرجوع إلى نص القانون نجد المادتين 102 عقوبات، و102 مكرر تنظم جرائم النشر التي تتضمن تهمة تكدير الأمن والسلم العام، وبالرجوع إلى الأحكام الأولى في محكمة النقض بالمادتين، نجد الأمر مجحف بحرية الرأى والتعبير، ومجحف حتى بالحق الطبيعي في النقد والتعليق، حتى وإن كان جانبًا من ذلك النقض لا يعد إلا مجرد مجاملة. نص المادة 102 عقوبات و102 مكرر تنص المادة 102 عقوبات على: "يعاقب كل من جهر بالصياح أو الغناء لإثارة الفتن، بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 200 جنيه". وتنص المادة (102) مكرر والواردة بالباب الثاني من الكتاب الثاني لقانون العقوبات على: "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 50 جنيهًا ولاتجاوز 200 جنيه كل من أذاع عمدًا أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضر بالمصلحة العامة وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تتجاوز 500 جنيه إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب". ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئًا مما نص عليه في الفقرة المذكورة إذا كانت معدة للتوزيع أو لإطلاع الغير عليها وكل من حاز أو أحرز أي وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذُكِر". جريمة العيب وعن توضيح مقصد المادتين نجد حكم النقض في الطعن رقم 774 لسنة 17 قضائية الصادر بتاريخ الجلسة 12مايو 1947، يقول: "إذا كانت العبارات المسندة إلى المتهم هي قوله: "نريد حكومة تقول إنها أتت بأمر الشعب لا بأمر الملك، نريد ملكًا يعتز بالشعب والشعب يعتز به، وما هذا الملك إلا الفاروق لو بعدت عنه بعض بطانته واستخلصت المحكمة توافر القصد الجنائي لدى المتهم في جريمة العيب التي تتكون من هذه العبارات من جهره بها مع علمه حتمًا بمعناها لأنها من إنشائه فذلك منها سائغ". وورد في الطعن رقم 1890 لسنة 20 قضائية بتاريخ جلسة 26 مارس 1951، إن جريمة العيب في الذات الملكية تتحقق بكل قول أو فعل أو كتابة أو رسم أو غيره من طرق التمثيل يكون فيه مساس تصريحًا أو تلميحًا من قريب أو من بعيد، مباشر أو غير مباشر، بتلك الذات المصونة التي هي بحكم كونها رمز الوطن المقدس محوطة بسياج من المشاعر يتأدى بكل ما يحس أن فيه مساسًا بها ولو لم يبلغ مبلغ ما يعد بالنسبة لسائر الناس قذفًا أو سبًا أو إهانة، واعتبر الحكم أن القصد الجنائى في إثبات ارتكاب هذه الجريمة يتحقق بمجرد الجهر بالألفاظ المكونة للعيب مع إدراك معناها. «القضاء المصري متمرس» المستشار عبد الرحمن بهلول، رئيس محكمة استئناف طنطا، عضو مجلس القضاء الأعلى، وصف جريمة "تكدير السلم العام" بالمطاطة، لكنه أيد وجودها في القانون بسبب ظروف البلد الحالية التى تحتم وجودها. وأوضح بهلول أنه لا مقدمات ونتيجة حتمية بتلك الجريمة، لكن النيابة أو المحكمة تستدل عليها بالشواهد والقرائن التي تؤيدها أم تنفيها، من خلال الواقعة وآثارها. وطالب بالثقة فى القضاء، وقال: "القضاء المصرى متمرس، ولا يحكم بالإدانة إلا إذا كان ضميره مطمئن لما انتهى إليه، ولا يكتب حكمًا إلا بتوضيح أسبابه.