(1) "تكلم لأراك". هذه الجملة منسوبة لسقراط، وأثبتت مئات السنون و التجارب صحتها في المطلق، لكن في السياسة تتحول الجملة إلى: تكلم لنعرف عقائدك السياسية. وما يسميه علماء السياسة " النسق العقيدي" هي أحكام السياسي الذاتية تجاه الأحداث والمشاكل؛ هي النافذة التي يستقبل عبرها المعلومات و الحقائق ويصنفها، ثم يتخذ عبرها من خلالها قراراته. في مصر انفجرت ثورة يناير لأسباب متنوعة معروفة، من بينها "التوريث" كعامل وقف عقبة في وجه الديموقراطية وتداول السلطة، وانتهاكات لحقوق الإنسان تورطت فيها أجهزة أمنية ولتسهيل التوريث، أو التمديد، أو فرض حزب واحد على الحياة السياسية عبر التزوير إضافة إلى وفشل اقتصادي وتراجع للدور المصري الخارجي. هذه "عقائد" المشاركين في ثورة يناير، ومن ثم فإن ما ينتظرونه ومختزن في عقولهم ، إصلاح للمؤسسات، وإنجاز اقتصادي، وحرية لتداول السلطة، واحترام لحق الإنسان، وإعلام حر، وفصل للسلطات، في عملية إصلاح قد تطول، لكن الصبر على الزمن والإصلاح يلزمه شرطان؛ أن تشاركهم السلطة في الإيمان حتمية الإصلاح" ، وأن تسير فعلا على منهج إصلاحي محدد المدة. "إن مصر ترى أن توفير التعليم الجيد والإسكان الجيد والعلاج الجيد هي ايضا حق من حقوق الإنسان . إن المنطقة التي نعيش فيها ايها الرئيس هولاند منطقة مضطربة جدا والمعايير الاوروبية" لحقوق الانسان لا ينبغي تطبيقها في دول كمصر". هذه بعض إجابات الرئيس المصري أثناء لقائه بالرئيس الفرنسي "أولاند" و إذا وضعتها إلى جانب تصريحات آخري في 8 مايو عام 2014 ستظهر ملامح رؤية وعقائد الرجل تجاه الديموقراطية وتداول السلطة وحقوق الإنسان، قال الرئيس: :" تطبيق النماذج الديمقراطية الغربية على الواقع المصري سيكون من شأنه أن "يظلم المصريين، ولا يساهم في عملية بناء الدولة بشكل حقيقي و المجتمع المصري "مازال أمامه وقت حتى ينعم بالديمقراطية الحقيقة" وأن التجربة الديمقراطية قد تستغرق 20 سنة". نحن إذا أمام رؤية تقول إن مصر لا تصلح للديموقراطية الغربية قبل عشرين سنة، وأن حقوق الإنسان في الغرب لا تصلح للتطبيق في دولة تحارب الإرهاب، وأن الرجل متأثر بتطبيق خاص للديموقراطية تركز على مكتسبات اجتماعية واقتصادية على غرار ما اعتبرته تجربة يوليو " حياة ديموقراطية سليمة" أي أن ديموقراطية وحدها لا تكفي ولابد من (تقييفها) على مقاسنا السليم". ذلك كله يضعنا أمام تساؤلات منها، مثلا ما معايير حقوق الإنسان التي يجب أن ننعم بها في ظل هذه الظروف؟ وما المستوى الديموقراطي الذي سنظل فيه لعشرين سنة حتى تتحقق الديموقراطية الكاملة؟ وما المنهج الذي سيصل بنا للديموقراطية الكاملة الغربية وحقوق الإنسان المثلى، ومن سيطبقه هل هو الرئيس ذاته الذي يحدد الدستور مدة رئاسته بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة أم من؟ لن تجد إجابات.
(2) ما هي الدولة؟ سؤال آخر بات ملحًا رغم سذاجته، وإجابته يعرفها طالب مبتدئ يدرس العلوم السياسية، إقليم وسلطة وشعب، ولم تقم الثورة على مبارك أو الإخوان للاعتراض على الإقليم أو الشعب، أو لتجريد مصر من السلطة، بل لأن السلطة لم تلبي رغبات الشعب وحقوقه، فطالبوا بحكم رشيد، يضمن نصيبهم من الحقوق والعدالة وكعكة الثروة والقدرة على تغيير القائمين على السلطة متى أرادوا. والمطالبة بإصلاح المؤسسات ليس إسقاطا للدولة. بل إن تعزيز وتقوية المؤسسات على منهجها القديم كفيل بتفجير الأوضاع مرة أخرى، وهي أوضاع تنطلق من عقيدة عبر عنها الرجل مرارا تقول بأن "المؤسسات تصلح نفسها" ولا تحتاج للإصلاح من الخارج. وهنا يصبح المهاجمون لأداء المؤسسات متآمرين وعملاء. إذا لتبق المؤسسات كما هي لتصد المؤامرة .
(3) "أنا مسئول الأخلاق" هذه إجابة للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي ضمن حوار مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي كاشفة لنظرة الرجل لمنصبه، تشي بأن الرجل يفهم مهامه كقائد مؤسس لنهضة قادمة، مفوض من الشعب، وهي منزلة أعلى من مجرد رئيس موظف تنتهي فترة رئاسته فيغادر ويتيح الكرسي لغيره. نحن هنا أما رجل يؤمن أنه يحمل رسالة أخلاقية لتعديل سلوك الناس، وهي نظرة أقرب للإمامة في الفكر الإسلامي، هو الذي يدعو الناس له على المنابر، لأن الله منحه الملك. وهي عقيدة تتصادم مع مطلب ثورة يناير الأول، البحث عن رئيس موظف ينهي مهامه السياسية وفق عقد مدته مدتين رئاسيتين على الأكثر".
(4) "يا بخت عبد الناصر بإعلامه" هكذا تمنى الرئيس أن يعود الزمن الستيني، حيث الإعلام الإرشادي الذي هو آلة للتعبئة والحشد، والتمجيد بمحاسن السلطة، وصد المؤامرات وكشف الخونة، وهي نظرة قديمة تمتد جذورها لمفهوم الإعلام النازي، ومن بعده السوفيتي، سقطت بسقوط تجارب الحزب الواحد، ولا نجد لها أصداء إلا في بلدان نسي العالم مناهجها ككوريا الشمالية وكوبا. في زمن السوشيال ميديا و الإعلام البديل لا مجال للصوت الواحد، ومحاولة محاربته بأبواق "موسوية" و"كردوسية" و"بكرية" محاولات عبثية ليست في صالح النظام نفسه.
(5) هذه عقائد سياسية أنتجت مطبات أمام المسار الثوري الذي سبق وانفجر في وجه مبارك ومن بعده مرسي ، برلمانا يقول رئيسه إنه في زمن الحرب لا مجال للفصل بين السلطات، ويبدأ أولى جلساته بالثناء وكيل المديح لرأس التنفيذية التي من المفترض أن يراقبها ويحاسبها. ونشطاء يحملون أحذية على رؤوسهم للتعبير عن الحب والرقص بعلم دولة أخرى. وإعلام يثمن وعيد قتل المعارضين بماء النار، ويدعو لسحل الناس في الشوارع، ودستور يدرك كاتبوه الآن أنه يتعرض للانتهاك يوميا. هذه عقائد لا تنتج إصلاحا بعد مائة سنة وليس عشرين.