"إذا رأيت الانتهازيون يقفزون من السفينة .. فكر مرتين" هذا ما قاله لي صديقي السياسي المُخضرم، أثناء حديثنا عن أزمة الجزيرتين المصريتين "تيران" و "صنافير"، وجاء قوله تعليقاً على اندهاشي من تصريحات عتاولة التطبيل السيساوي، الذين لم يجرؤوا من قبل على مراجعة الرئيس في ما يفعل أو يقول، ولو أنه أخبرهم أن الشمس تأتي من المغرب، لسارعوا لإثبات قوله بما يُعجز زغلول النجار نفسه! ولكنهم قرروا بشجاعة ليست من شيمهم، ان يعارضوه في رأيه الخاص بسعودية الجزيرتين، بل ويجاهروا باختلافهم معه، رافعين شعار "يا روحي ما بعدك روح"، وأستطيع أن أجزم أن موقفهم الذي قد يعرضهم للبطش، أو للحرمان من المزايا التي يتمتع بها المُدلسون على أفضل تقدير، ليس مدفوعاً بوطنية لا سمح الله، فمثل هؤلاء تأتي مصالحهم الشخصية قبل مصلحة الوطن، كما أن معاييرهم الوطنية لا تقاس بالوفاء لأشياء كالأرض، والعرض، والدم، والحرية، بكل تأكيد، ولكنهم يراهنون على الحصان الرابح.. وقد فطنوا بفطرتهم الانتهازية طوال الأعوام الثلاثة الماضية، أن السيسي (هو اللي هايقش)، وقد كان .. ولكن الفطرة ذاتها أوحت إليهم اليوم بالقفز من السفينة التي بدأت المياه تندفع من ثقوب خشبها المتين، لأنهم أدركوا الحقيقة التي لن تدركها الجماهير إلا متأخراً، وهي أن شعبية السيسي قبل بيع "تيران وصنافير" ليست كشعبية السيسي بعد بيع "تيران وصنافير"! هذا الكلام ليس تكهناً مني بما سوف يكون، ولكنها مجرد قراءة للأحداث .. راقب معي ردود أفعال السيساوية المعتدلين الذين لا ينتمون إلى أي كيان سياسي باستثناء حزب الكنبة، وليست لديهم أي نشاطات سياسية حقيقية باستثناء بوست فيسبوكي كل حين ومين، يلعنون به ثورة يناير، ويأملون في الاستقرار الذي انتخبوا من أجله السيسي .. هؤلاء الذين يظنون أن كل ما ينادي به نشطاء يناير، هو رجس من عمل الشيطان عليهم أن يجتنبوه، لم يترددوا في الانضمام لمعسكرهم، للدفاع عن الجزيرتين بحماس وطني لم نعهده منهم .. يقرأون بلهفة أي خبر يؤكد مصرية الجزيرتين، وينشرون على صفحاتهم بكثافة الوثائق، والخرائط، والأغاني الوطنية! ربما لم يوافق بعضهم قلبه في لوم السيسي بشكل مباشر، ولكن البعض الآخر تحرر من قيد حبه للجنرال إلى الحد الذي دفعه لإرفاق منشوراته بهاشتاج #عواد_باع_أرضه ! هؤلاء الذين أفاقوا من ثباتهم العميق مؤخراً وأخيراً، يمثلون هذا النوع العجيب من المواطنين، الذين يعتبرون الحرية مَفسدة، والديمقراطية رفاهية، والفساد واقع، والقمع ضرورة، ويناير مؤامرة، والسجن للنشطاء! ولكن إيمانهم بالأرض باق على فطرته السليمة، لم يتبدل .. الأرض عرض .. كله إلا الأرض! ذلك لأنك إذا دخلت بيوت المحروسة جميعها، من أقصى رفح إلى جنوبأسوان، لن تجد بيتا واحداً، يخلو من صورة معلقة بفخر على الحائط لشهيد، قاتل فقُتل من أجل هذه الأرض. ولا أبالغ إن قلت أن فلسفة الوطنية المصرية، قد تختلف على الولاء لانتماءات مثل القومية العربية، أو الحضارة الإسلامية، ولكنها لا تختلف أبداً على الولاء لأرض الوطن، والولاء هنا يعني الموت، ثم الموت فداء شبر واحد من ترابه الذي روته دماء الأجداد منذ عهد تحتمس الثالث، وحتى اليوم الذي سأل فيه الراقصون على "تسلم الأيادي"، الرمل إللي في سينا: انت مروي بدم مين؟ دم حنا ولا مينا .. ولا دم المسلمين .. ؟! إلى آخر الأغنية التي غنيت معها فرحاً بالجيش المصري، يوم حرر بلادي من الاحتلال الإخواني الذي أراد أن يبيع أرضها لقطر .. ولم أكن أعلم .. ولم نكن نعلم .. وليتنا لم نعلم، أنها سوف تباع للسعودية في جلسة شاي، ويدافع عن بيعها أصحاب أجسام "التيران" وعقول "الصنافير"!