بعيداً عن المجالين اللذين اعتدت أن أكتب فيهما مقالاتي.. السياسة التي لم تعد أخبارها تسر، والفن التشكيلي الذي مازال حديثه شديد الثِقل على قلب القارئ غير المعني به، قررت أن أبدأ في كتابة سلسلة جديدة من المقالات، عن حب العمر الذي لم –ولن- تبدله ظروف.. الحب الذي مازال قادر، رغم كل همومنا الحياتية وخيباتنا الوطنية، أن يمنحنا لحظات صافية من السعادة والانتصار، الحب الذي مازال قادر أن يحمس أرواحنا المُنهكة من الجري ورا لقمة العيش، لتنطلق حناجرنا بالهتاف، وأعيننا بدموع الفرح مرة، ودموع الحزن عشرات المرات.. ولكن لا يهم.. فهذا الحب ليست غايته الانتصار، وإنما الشغف، والحماس، والمتعة المتفردة التي تجعلك تقفز من مكانك أمام شاشة التلفاز وأنت تصرخ.. جوووووووووون.. سواء كان جون فعلاً أو أوفسايد.. هذه اللحظة تحديداً هي أمتع لحظات التشجيع.. تشجيع كرة القدم بشكل عام، وتشجيع فريق الزمالك بشكل خاص؛ لأن جمهوره فطن بفطرته لما ذُكر في السطور السابقة، واختصره في جملة عبقرية رغم بساطتها: "الزمالك مش نادي بنشجعه عشان (بيكسب) .. الزمالك نادي بنشجعه عشان (يكسب)" وبين (بيكسب) و(يكسب) يكمن المعنى الحقيقي للتشجيع، المعنى الذي لا يدركه إلا المشجعين العتاولة.. التقال.. الذين اختاروا بكامل إرادتهم أن يكونوا خارج القطيع الأحمر، ويشجعوا اللعبة الحلوة، بعيداً عن حسابات المكسب والخسارة. ولكن هذه الكلمات ليست اعترافاً ضمنياً مني بالأكذوبة التي روج لها الأهلاوية جيلاً من بعد جيل، على مدار أعوام طويلة، والتي تقول أن فريق النادي الأهلي لطالما كان الفريق المتوَّج على عرش البطولات المحلية، وإنه هزم فريق نادي الزمالك بانتصار تاريخي عرف بماتش ال 6 - صفر! والحقيقة أن الفريق السباق لإلحاق الهزيمة الكاسحة، المُخجلة بالآخر، كان الفريق الأبيض، ولكن قبل أن أقص عليكم هذه القصة، لابد أن يعرف من لم يعرف بعد، أن ماتش ال 6- صفر (اللي فقلونا بيه) ليس سوى بطولة وهمية، فقد لُعب هذا الماتش عام 2002، وهو العام الذي لم يحصل خلاله النادي الأهلي على أي بطولة محلية. حينها فاز النادي الإسماعيلي ببطولة الدوري العام، وفاز نادي الزمالك ببطولة كأس مصر، كما فاز أيضاً ببطولة كأس السوبر! أما عن الانتصارات الكاسحة فعلاً.. فخُد عندك يوم 2 يناير عام 1942 في بطولة دوري القاهرة، فاز الزمالك على الأهلي 6 - صفر، وسجل الأهداف "عبد الرحمن فوزي" (هدفين)، و"عبد الكريم صقر" (هدفين)، و "عمر شندي" (هدف)، و "محمد حسن حلمي زامورا" (هدف). ويوم 2 يونيه عام 1944 في بطولة نهائي كأس مصر فاز الزمالك على الأهلي 6 - صفر برضو، وسجل الأهداف "محمود حافظ زقلط" (3 أهداف)، و "السحيمي" (هدفين)، و "عبد الكريم صقر" (هدف). وعلى ذكر الانتصارات الكاسحة، أود أن أذكركم أن فريق النادي الأهلي لم يحقق أي انتصار على فريق نادي الزمالك لمدة 10 سنوات و 11 شهر بالتمام والكمال! عشر سنوات طوال عراض يا أهلاوية لم تنتصروا خلالهم على الزمالك مرة واحدة.. آه وربنا.. عادة ما يدافع الأهلاوية عن موقفهم في هذه الهزيمة الطويلة، والخيبة الثقيلة، والوكسة المُخجلة، بأكذوبة أخرى، وهي أن الدوري توقف في هذه الفترة بسبب النكسة، ولكن الحقيقة أن المدة المحسوبة بدأت أول مباراتها في 20 أبريل 1962 أي قبل النكسة بخمسة أعوام، واستُكملت في 29 مارس 1973 قبل حرب أكتوبر (يا كذابين)! هذه نبذة بسيطة عن حقائق طُمست عمداً من كتاب تاريخ كرة القدم المصرية، أحاول في هذا المقال، ومقالات أخرى قادمة، أن أمحو من على صفحاته (البيضاء) الشخبطة (الحمراء)، ليعرف جمهور كرة القدم المصرية، تاريخ واحد من أعرق وأهم الأندية المصرية والأفريقية .. القلعة البيضاء .. مدرسة الفن والهندسة .. الملكي .. الزمالك .. بحبك يا أبيض