إن قرار واشنطن بتسليح المتمردين السنة في سوريا أغرق أمريكا في الصراع الطائفي الكبير بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط الإسلامي، وهو صراع تتضائل الآن إلى جانبه الثورات العربية التي أطاحت بالديكتاتوريات في أنحاء المنطقة..يقول الكاتب البريطاني المخضرم روبرت فيسك، في مقاله بصحيفة الإندنبندنت البريطانية، لافتا إلى أنه للمرة الأولى جميع "أصدقاء" أمريكا في المنطقة من السنة وجميع أعدائها من الشيعة. وفي خرق لجميع قواعد عدم الاشتباك التي وضعها الرئيس أوباما، فإن الولاياتالمتحدة متدخلة الآن إلى جانب الجماعات المسلحة التي تضم معظم الحركات الإسلامية السنية المتطرفة في الشرق الأوسط. وتابع أن الإندبندنت علمت الأحد بأن قرارا عسكريا قد تم اتخاذه في إيران، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، بإرسال أول جزء من 4000 من جنود الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا لدعم قوات الرئيس بشار الأسد ضد التمرد السني في غالبيته وهو صراع أدى لمقتل نحو 100 ألف شخص في أكثر من عامين. وإيران الآن – بحسب فيسك – ملتزمة بالكامل بالحفاظ على نظام الأسد، وفق مصادر قال إنها موالية لإيران ولها علاقة قوية بأمن الجمهورية الإسلامية لدرجة اقتراحها فتح جبهة سورية جديدة في مرتفعات الجولان ضد إسرائيل. وقال فيسك إنه في السنوات القادمة، سوف يتسائل المؤرخون كيف لأمريكا – بعد هزيمتها في العراق وانسحابها المذل من أفغانستان المقرر في 2014 – أن تضع نفسها بتهور إلى جانب أحد أطراف صراع إسلامي عملاق يعود إلى وفاة النبي محمد في القرن السابع. وقال إن تحالف أمريكا يضم الآن دول الخليج الغنية والدول السنية الممتدة بين مصر والمغرب وكذلك تركيا والمملكة الأردنية الهشة التي صنعتها بريطانيا. ويعتقد أن نحو 3 آلاف "مستشارين"عسكريين أمريكيين متواجدون الآن في الأردن وإنشاء منطقة حظر طيران في مواجهة بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات التي تملكها سوريا سوف يحول الأزمة إلى حرب ساخنة، وكذلك الحال بالنسبة إلى أصدقاء أمريكا. وتابع أن أعداء أمريكا يشملون حزبب الله اللبناني والنظام الشيعي العلومي في دمشق وبالطبع إيران والعراق وهي الدولة التي حررتها أمريكا من حكم صدام حسين، على أمل أن تكون قوة موازنة لإيران، وقعت عكس كل التوقعات تحت تأثير طهران بشكل كبير. والعراقيون الشيعة وكذلك أعضاء حزب الله قاتلوا إلى جانب الأسد في سوريا. الذريعة التي استخدمتها واشنطن في مغامرتها الجديدة في الشرق الأوسط، هي أنها لا بد أن تسلح أعداء الأسد لأنه استخدم الغازات السامة ضدهم، هي ذريعة لا تقنع أحدا في الشرق الأوسط. والدليل النهائي على استخدام أي من الأطراف لهذه الغازات مازال غامضا غموض زعم جورج بوش الابن بأن صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل. وقال فيسك إن السبب الحقيقي لأن أمريكا ألقت بقوتها العسكرية وراء متمردي سوريا هو أن هؤلاء المتمردون يخسرون الآن الحرب ضد الأسد. وانتصار النظام هذا الشهر في القصير وإن كان دفع ثمنه من أرواح قوات حزب الله وقوات الحكومة، فإنه وضع الثورة السورية في حالة من الاضطراب، وهو يهدد بإضعاف وإذلال المطالب الأمريكية والأوروبية للأسد بالرحيل. وسخر فيسك من الولاياتالمتحدة بقوله إن المستبدون العرب يفترض أن تتم الإطاحة بهم – ما لم يكونوا أصدقاء من الملوك أو الأمراء من الخليج. ومع هذا فإن روسيا استخدمت حق النقض الفيتو ثلاث مرة ضد قرار مجلس الأمن للسماح للغرب بالتدخل مباشرة في الحرب الأهلية في سوريا. كما سخر من قدرة الولاياتالمتحدة على تقديم مساعدات إلى قوى معتدلة في سوريا فقط، لافتا إلى أن هناك حالة من عدم الثقة في الشرق الأوسط إزاء تصور الولاياتالمتحدة أنها يمكن أن توزع السلاح الذي سيضم صواريخ مضادة للطائرات إلى القوى العلمانية فقط الممثلة بما يسمى الجيش الحر. وقال إن جبهة النصرة الموالية للقاعدة وهي الأقوى في سوريا هي المسيطرة على الميدان في أوساط المعارضة، وتم تحميلها مسؤولية الفظاعات التي ارتكبت ومنها إعدام سجناء الحرب من قوات الحكومة وكذلك إعدام طفل في ال 14 من العمر بتهمة الكفر. وهؤلاء سيحصلون الآن على السلاح الأمريكي الجديد من زملائهم في الجيش الحر بدون أدنى صعوبة. وحذر فيسك من أنه من الآن فصاعدا، كل تفجير انتحاري في دمشق وكل جريمة حرب يرتكبها المتمردون سوف ينظر إليها في المنطقة على أنها مسؤولية أمريكا. ونفس الوهابيين السنة الذين قتلوا آلالاف الأمريكيين في 11 سبتمبر سيصبحون الآن حلفاء أوباما بالوكالة!