حينما دق جرس هاتفه في تمام الساعة الثامنة إلا عشرين دقيقة مساء الإثنين الرابع عشر من مارس، لم يتفاجأ الرئيس السوري بشار الأسد بفلاديمير بوتين وهو يخبره قراره «سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية المتواجدة في روسيا»، حيث كان من السهل على القادة العسكريين السوريين، في صباح ذلك اليوم، ملاحظة تحركات تُنبأ بالرحيل من قبل القوات الروسية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، وفي صباح الثلاثاء 15 مارس أكد بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية «طبقًا للأوامر الصادرة يبدأ الأفراد في تجهيز الطائرات وشحن المعدات استعدادًا للرحيل». وكما فاجأ فلاديمير بوتين العالم بتدخل بلاده عسكريًا في المسرح السوري يوم الثالثين من سبتمبر 2015، كان قراره بالانسحاب أيضًا مفاجئًا، في وقت تُستأنف فيه المفاوضات بين النظام والمعارضة في مدينة جنيف السويسرية، وفي ظل اتفاق هش بين الجانبين لوقف الأعمال العدائية برعاية أمريكية روسية مشتركة. بنبرة احتفالية قال بوتين لوزيريه سيرجي شويجو وزير الدفاع، وسيرجي لافروف وزير الخارجية: «القوات العسكرية الروسية غيرت المعطيات في الحرب ضد الإرهاب الدولي وأخذت زمام المبادرة»، وأضاف أيضًا في لقائه بالرجلين: «ولكن بكل تأكيد ستبقى قواتنا البحرية في طرطوس والجوية في حميميم تعمل بكامل طاقتها، فهذا الجزء من قواتنا حضوره تقليدي هناك ولكن سيكون له عمل خام جدًا الفترة المقبلة من حيث إحكام السيطرة على عملية وقف إطلاق النار وخلق مناخ مناسب لعملية سلام». موسكو لم تعلن عن عدد قواتها المنسحبة من سوريا، كما أنها لم تكن أعلنت منذ البداية عن تعداد قواتها حينما نشرتها منذ 6 أشهر، ولا يوجد شيئ في بيان وزارة الدفاع الروسية يشير إلى توقف الغارات الجوية الروسية أو سحب منظومة الصواريخ الدفاعية المضادة للطائرات S400، ما يعني أن الطيران في الأجواء الروسية سيظل بأوامر روسية. وبحسب ما أعلنه شويجو فإنه وبعد «9000 غارة جوية، تم تدمير الطرق التي كان يستخدمها الإرهابيون في نقل السلاح والبترول، كما تم طردهم من مدينة اللاذقية، ودُمرت الشبكات التي كانوا يستخدمونها في حلب وكذلك في تدمر التي يستمر القتال من أجل تخليصها من أيديهم»، وفي نفس البيان فإن «المهمة قد أُنجزت»، والغارات الجوية أدت إلى «مقتل 2000 مجرم قدموا من روسيا للقتال في صفوف الإرهابيين ومن بين هؤلاء 17 من الرؤوس المدبرة. باختصار لقد قطعنا شوطًا كبيرًا في الحرب على الإرهاب». أما الرئيس بوتين فيرى أن الوقت قد حان لتؤدي الدبلوماسية دورها، وهي المهمة التي عهد بها إلى سيرجي لافروف حيث طالبه ب«تكثيف مشاركة روسيا في محادثات السلام» بهدف التوصل لتسوية سياسية في سوريا، وبحسب ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكريملين، فإن «الرئيس الروسي لم يتطرق لمصير بشار الأسد في مكالمته الهاتفية» مع هذا الأخير. بسمة قودماني المحسوبة على المعارضة السورية، والمتحدث الرسمي باسم اللجنة العليا لشئون التفاوض HCN، قالت لصحيفة لوموند الفرنسية في يجنيف «إنها مفاجئة للجميع. لو رحل الروس حقًا فهذا أمر جيد لأنهم جائوا كقوة غازية محتلة. هل هذا انسحاب فعلًا للقوات للروسية أم مجرد تخفيض للعدد؟ فلنتتظر لنرى هل سيقرنون قولهم بأفعال أم لا». ومن الحدود التركية السورية يجيب العقيد أحمد حمادة قائد الفيلق الشمالي في الجيش السوري الحر، على سؤال قودماني قائلًا: «بالطبع لا يُعد هذا انسحابًا، بما أن القوات الأساسية الروسية جوًا وبحرًا ما زالت متواجدة بحميميم وطرطوس. ما زال بإمكانهم إرسال القاذفات بعيدة المدى وأي شيئ يريدونه في أي وقت. إنه مجرد تعديل في الاستراتيجية»، وبسؤاله عن توقيت إعلان سحب القوات الروسية أجاب العقيد حمادة: «تدخل بوتين العسكري جدد عقد إيجار بشار الأسد في دمشق، وفي ظل الهدنة الحالية لا يجد الروس حاجة للاحتفاظ بكامل قواتهم في سوريا فالحرب مكلفة جدًا، والقرار الذي اتخذه بوتين لا يوجد به أي نوع من الضغط على الأسد». المعارضة السورية تعيش الآن على أمل أن يشكل القرار الروسي ضغطًا على بشار الأسد الذي يظل «خط أحمر» على حد وصف وزيرالخارجية وليد المعلم وبشار الجعفري مندوب سوريا في الأممالمتحدة ورئيس الوفد السوري المفاوض في جنيف، وتقول بسمة القودماني «لو تحقق انسحاب القوام الرئيسي للقوات الروسية من سوريا سيغير المعلم من نبرته». ويبقى السؤال الأخير: هل كان قرار بوتين بالتنسيق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية أم لا؟ دبلوماسي فرنسي أجاب لوكالة الصحافة الفرنسية دون الإفصاح عن اسمه قائلًا: «لا. لم يكن ذلك نتاج مقابلة سيرجي لافروف بجون كيري مساء الأحد في باريس. ففي تلك الليلة تحديدًا كان كيري مستاءً جدًا من الروس».