ناشد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، "عقلاء العالم وحكماءه وأحراره" بالعمل على حل مشكلات اضطهاد غير المسلمين للمسلمين في الشرق وفي الغرب أيضًا، حتى يتحقق الأمن ويَعُمَّ السلام، وتَنعمَ الإنسانيةُ شرقًا وغربًا. جاء ذلك في كلمته، اليوم الثلاثاء، إلى العالم الإسلامي التي ألقاها من جامعة شريف هدايت الإسلامية الحكومية الإندونيسية بجاكرتا، في إطار زيارته الحالية لإندونيسيا، مع وفد مجلس حكماء المسلمين، حيث دعا علماء الأُمَّة إلى بذل المستطاع من الطاقة والقوة والجهد، والتناصح من أجل الحفاظ على وحدة الأمة وصيانة عقائدها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وشدَّد الطيب على ضرورة العمل على ترسيخ فقه التيسير ومقاومة فقه الغلو والتشدد والتطرف، مع مقاومة ثقافة التحلل والتغريب وتدمير هوية المسلمين وثوابتهم وتراثهم العريق جنبًا إلى جنب، مؤكِّدًا أهمية التعليم في ترسيخ فقه التيسير وثقافة التعايش، وتجديد المناهج انطلاقًا من القرآن والسُّنَّة الصحيحة وما أجمع عليه المسلمون، والبعد كل البعد عن وضع الخلافيات في الفروع موضع القواطع والثوابت، ووجوب طلب الفتوى من أهل العِلم الذين يلتزمون بمذاهب أهل السُّنَّة أصولاً وفروعًا مِمَّن لهم خبرة وبصر بمستجدات الواقع ونوازله، ويدركون خطر الآراء الخارجة عما أجمعت عليه الأمة، أو وقع عليه اختيار الجمهور من العُلَمَاء والفُقَهاء على مدَى أكثر من 14 قرنًا من الزَّمان، باعتبار ذلك واجبًا. وحذَّر من أنَّ التعصب للخلافيات والفتاوى الغريبة قد أسهم كثيرًا فيما وصلت إليه الأُمَّة الآن من انقسام وتنازع وفشل، وفتح الباب على مِصرعيه للتدخلات الخارجية بمخطَّطاتها الماكرة لتعبث ما شاء لها العبث بأمور المسلمين. وقال الطيب: "ليس أمامنا مَرَّة أُخرى إلَّا الاعتصام بحبل الله، والتمسُّك بما أمر به في قوله تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ.. عالَمنا المُعاصِر الذي نعيش فيه الآن تستبد به أزمات عديدة خانقة، سياسيَّةٌ واقتصاديَّةٌ وبيئيَّة، ولعل أسوأها وأقساها على دول العالَم الثالث وشعوبه أزمة الأمن على النفس والعرض والمال، والأرض والوطن، وافتقادُ السَّلام وشيوعُ الفوضى والاضطراب، وسيطرةُ القوَّة، واستِباحةُ حُرمات المُستضعفين". وأضاف: "الأقسى من كل ذلك هو ارتكاب الجرائم الوحشيَّةُ من قتل وإراقة للدماء باسم الدين، وتحديدًا دين الإسلام وحده من بين سائر الأديان، حتَّى أصبح الإرهاب علمًا على هذا الدِّين ووصفًا قاصِرًا عليه لا يُوصف به دين آخر من الأديان السماوية الثلاثة، وهذا ظلم في الحُكم، وتدليس يزدري العقول والأفهام ويستخف بالواقع والتاريخ". واستشهد الدكتور الطيب بأنَّ بعض أتباع الديانات الأخرى مارسوا باسم أديانهم، وتحت لافتاتها، وبإقرار من خواصهم وعوامهم، أساليب من العنف والوحشية تقشعر منها الأبدان، وتشيب لها الولدان، ومنها الحروب الصليبيَّة في الشرق الإسلامي، والحروب الدينية في أوروبا، ومحاكم التفتيش ضد اليهود والمسلمين. وتساءل: "ألم تكن هذه الحروب إرهابًا ووحشيَّة، ووصمة عار في جبين الإنسانية على مر التاريخ"، منتقدًا حرب الغرب على الإسلام والتي وصفها أحد الكتاب الغربين بالحرب الصليبية الثانية، مؤكِّدًا أنَّ النظر في تاريخ "الإرهاب المقارن" إن صحَّت هذه التسمية، يثبت أنَّ المسلمين كانوا في قمة الإنصاف والموضوعية، وهم يفرقون بين الأديان ومبادئها ورموزها، وبين انحرافات المنتسبين لها، لافتًا إلى أنَّه لا يمكن الصمت عما يحدث الآن للمستضعفين من المسلمين اليوم من قتل وإبادة جماعية وتهجير قسري في ميانمار، وسط صمت مخجل من المؤسسات الدولية المعنية، التي أناطت بها مواثيقها وقوانينها أمر الحفاظ على أمن الإنسان وحقه في الحياة، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم. وأكَّد أنَّه لا يمكن الصمت عما يعانيه المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسري رسول الله صلى الله عليه وسلم، من احتلال وتهويد وتغيير لمعالمه الإسلامية.