تعد الأفلام التسجيلية أحد أهم روافد الحركة الفنية في مصر،لكونها تعتمد على عرض الحقائق العلمية تاريخية كانت أم سياسية ،بصورة حيادية ودون إبداء رأي فيها،ورغم أهميتها الفنية والثقافية،غير أنها لاتزال تفتقد للشهرة والإنتشار مثل نظيرتها من الأفلام السينمائية. ويرى المخرج طارق الميرغني مدير إدارة الفيلم التجريبي والتسجيلي بالمركز القومي للسينما أن الأنظمة السياسية منذ ثورة 23 يوليو 1952 وحتى اليوم هي التي تسببت في انهيار منظومة الفيلم التسجيلي،لكونها كانت تستخدم هذه الأفلام للتعبير عن نفسها،فجردتها من معناها ومفهومها الفني كوسيط لعرض الحقائق السياسية بصورة حيادية. وأضاف أن الدعاية للنظام السياسي الحاكم،أصبحت القاسم المشترك للأفلام التسجيلية منذ 1952،فأصبح النظام هو من يحدد هوية تلك الأفلام،ومنها على سبيل المثال أفلام المخرج الراحل صلاح التهامي ثاني رواد الفيلم التسجيلي في مصر،ومنها"مذكرات مهنس ، أربعة أيام مجيدة ، كهرباء السد العالي»، «رجال فى الصحراء» ، «على أرض الصعيد» ، مصر العمل وغيرها،حيث قدم للسينما التسجيلية ما يقرب من مائة فيلم. وتابع أن الكارثة الآخرى التي عصفت بالفيلم التسجيلي هى أن القائمين على إنتاج الأفلام التسجيلية عقب ثورة 1952 كانوا من الموظفين وليسوا من المبدعين،فلم يعد البحث عن قيمة الفيلم هدفهم الأساسي،بل بات البحث عن المسمى الثورة للفيلم هو الهدف الأسمى ويرى محمد كمال رئيس قسم الأفلام التسجيلية بقناة النيل للأخبار،أن إهتمام وسائل الإعلام المرئية بجلب الإعلانات، يعد من أهم أسباب غياب الأفلام التسجيلية، لكونهالا تدر أي عائد مادي كما هو الحال مع برامج «التوك شو» ، ولذلك بات الإنتاج التسجيلي يتذيل إهتمامات المنتجين. وقال إن القائمين على إدارات الأفلام التسجيلية بالمحطات الفضائية حاليا،أصبحوا يمثلون بطالة مقنعة،فمعظم هذه الإدارات مجمدة وغير مدرجة ضمن الميزانيات المالية، ولذلك تسلل اليأس والإحباط إلى نفوس هؤلاء المبدعين . وشدد على ضرورة الإيمان بقيمة الأفلام التسجيلية ووجود رؤية لدى المسئولين عن المنظومة الإعلامية للنهوض بالانتاج التسجيلي وترشيخ هذا المعنى لدى جموع الإعلاميين،خاصة أن الانتاج التسجيلي يحتاج إلى امكانيات مادية كبيرة،ولذلك تبتعد معظم القنوات عن هذا المجال،مالم يكن هناك إيمان حقيقي بأهمية وقيمة هذه الأعمال. وأضاف أن ثقافة المصريين تفتقد إلى حد كبير لمفهوم الفيلم التسجيلي،فلم نعرف سوى الفيلم الروائي الذي يقدم الكوميديا أو الأكشن أو التسلية والترفيه،رغم وجود زخم كبير في عروض الأفلام التسجيلية حاليا ، لم تكن متوافرة في السابق، بفضل النشاط الكبير للمراكز الثقافية الأجنبية سينمائيا ، التى دفعت المؤسسات المصرية الرسمية وغير الرسمية إلى تدشين مهرجانات وعروض للأفلام القصيرة والتسجيلية كمهرجان الأسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة،والمهرجان القومي للسينما الذي صار يعطي أهمية لها،أو على هامش مهرجان الإسكندرية أو القاهرة السينمائي . أما الناقد الفني طارق مرتضى،عزا عدم الإهتمام بالإنتاج التسجيلي إلى غياب القاعدة الجماهيرية والشعبية للفيلم التسجيلي،الناتجة بشكل رئيسي من إحجام شركات التوزيع عن كسر نمط المشاهدة،واستسهال العروض الطويلة النمطية ذات الجماهيرية القائمة على نجوم الشباك جالبي ملايين الجنيهات،مما جعل السينما التسجيلية والقصيرة تعاني حصارا تاريخيا،وتدور في دائرة المشاهدة الضيقة من جمهور خاص،غالبا من المهتمين بالسينما،أو الذي علي إتصال مباشر بها كصناعها أو بعض النقاد والصحفيين. وقال إن الفيلم التسجيلي بات يفتقر إلى عناصر الجودة الإخراجية والفنية نظرا لضعف المخصصات المالية لمثل هذه الأفلام،بخلاف ما يحدث في السينما الأمريكية والأوروبية التي تهتم كثيرا بالانتاج التسجيلي لكونه يرصد تاريخ ورموز هذه الدول. وأشار إلى أن الفيلم التسجيلي،لا يزال يعاني من مشكلة صعوبة التمويل،الذي إن لم يتوافر من وزارة الثقافة،أو من جهة تمويل أجنبية لعدد محدود من المخرجين،يجد المرء نفسه في مأزق،إما أن يمول من ماله الخاص فيلما لن يعود عليه بربح يغطي على الأقل تكلفة إنتاجه،أو ينتظر لسنوات بلا عمل. يذكر أن أول فيلم تسجيلي في تاريخ السينما المصرية أنتج عام 1924 ليواكب افتتاح مقبرة «توت عنخ أمون» وقد أخرجه محمد بيومي رائد السينما المصرية، وكانت مدته ثماني دقائق،ثم تلاه فيلم «حديقة الحيوان» من إخراج محمد كريم عام 1927،ثم أخرج نيازي مصطفي عددا من الأفلام الدعائية لشركات بنك مصرعام 1936، كذلك أخرج المصور السينمائي مصطفي حسن فيلم الحج الى مكة عام 1938،كما أخرج صلاح أبو سيف فيلما عن وسائل النقل في مدنية الإسكندرية عام 1940،إلا أن كل هؤلاء تحولوا بعد ذلك إلي إخراج الأفلام الروائية وأصبحوا أعمدة السينما المصرية.