بدء إجراء المقابلات الشخصية للطلاب الجدد بكلية السياحة والفنادق بالأقصر    وزير الأوقاف يؤكد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم لدى النشء    اليوم العالمي للغات الإشارة: هل تختلف بين البلدان؟    وزير السياحة يجتمع مع إحدى الشركات الكبرى بمجال البواخر السياحية    مدارس وقوافل وتطوير.. كيف دعمت حياة كريمة جهود التنمية في محافظات الجمهورية؟    مصادر بالبترول: سداد 1.2 مليار دولار من مستحقات الشركاء الأجانب    وزير الخارجية يستعرض مع نظيره المولدوفي الموقف المصري من التطورات في غزة    الجيش الإسرائيلي: هناك منازل بالبقاع تحتوي صواريخ ومسيرات وسنهاجمها قبل إطلاقها على إسرائيل    الزمالك يزين ملعب التدريب بلافتات تحفيزية قبل السوبر الأفريقى أمام الأهلى    الجوهري يظهر فى مؤتمر تطوير البراعم والناشئين    ضبط 1500 لتر سولار مدعم خلال حملة رقابية بالبحيرة    رغم تغيبه.. تنازل ضحيتا الفنان عباس أبو الحسن عن الدعوى الجنائية    استعدادات مكثفة للاحتفال بيوم السياحة العالمي في معابد الكرنك    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    أسماء الفائزين بجوائز جامعة المنصورة 2024.. تكريم 54 باحثًا    وزير لبنانى ل"القاهرة الإخبارية": نزوح كبير من الجنوب إثر القصف الإسرائيلى    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    موتمرًا صحفياً لإعلان تفاصيل الدورة ال40 من مهرجان الإسكندرية السينمائي.. الخميس المقبل    تعرف علي محطات حياة عبدون .. أبرز الشخصيات الإعلامية من جيل مذيعات الثمانينيات    جامعة بنها تنظم قوافل علاجية وصحية بقرية الرملة    أمراض الكلى عند الأطفال: الأعراض، الأسباب، وطرق العلاج    هانسي فليك يدعم تير شتيجن بعد الإصابة القوية    وفد استخباري تركي قطري سيزور لبنان غدا سعيا للتوصل إلى حل وتجنب الحرب    رئيس اقتصادية قناة السويس يبحث التعاون في مجال تصنيع الملابس مع شركات تركية    أبو الغيط يلتقي كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة على هامش أعمال الشق الرفيع المستوى للدورة (79) للجمعية العامة للأمم المتحدة    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    رسميًا .. رئيس مجلس الدولة يعتمد الحركة القضائية لمحكمة القضاء الإداري    محافظ المنوفية يتفقد أعمال تطوير كورنيش شبين الكوم.. صور    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    مساعد وزيرة التخطيط: الزراعة أولوية قصوى بجميع خطط الدولة بدءًا من التنمية المستدامة ورؤية 2030    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    السجن 15 عامًا لعاطل قتل أجنبي في الإسكندرية    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب داخل شقة سكنية في الوراق    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    هالاند يفلت من العقوبة بعد قمة أرسنال    محمد صلاح يتواجد في التشكيل المثالي للجولة الخامسة في الدوري الإنجليزي    محافظ الفيوم يلتقي مستثمرا عربيا لاستعراض فرص الاستثمار    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    رحلة منتدى شباب العالم.. من شرم الشيخ إلى منابر الأمم المتحدة|صور    حكومة غزة: جيش الاحتلال ارتكب مجزرتين في مدرستين بمخيمي النصيرات والشاطئ    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    جامعة القاهرة تعلن برنامج ال100 يوم للقوافل التنموية التي تشارك بها في مبادرة «بداية»    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    طلائع كفر الشيخ ضمن معسكر «حياة كريمة» بمركز التعليم المدني في دمياط الجديدة    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    منظمة خريجي الأزهر تناقش مكانة المرأة في الإسلام بورشة عمل للطلاب الوافدين    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    إصابة فى مقتل    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا عزيزى.. كلنا غشاشون! نبيل عمر
نشر في التحرير يوم 25 - 05 - 2013

بعد نزول الرئيس السابق مبارك عن السلطة مكرها سنكتشف أننا تعرضنا لأكبر عملية غش جماعى فى تاريخنا الحديثة
آخر محاولة لكشف الغش قضية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد مرسى تطالب بالكشف عن أسماء مختطفى الجنود فى سيناء
الجريمة أى جريمة هى فعل فى الحاضر تدوم بالضرورة خسائره الجانبية إلى المستقبل، سواء كانت الجريمة سرقة، ابتزازا، اغتصابا، قتلا، قطع طريق، نصبا، خطفا، تزوير انتخابات.. إلخ.
وتتفاوت مدة الخسائر الجانبية ما بين يوم وليلة إلى العمر كله، حسب شدة الجريمة ونوعها وظروف الضحية وإرادتها، فالاغتصاب مثلا يصعب أن تُختزل خسائره الجانبية فى شهور وسنوات، وقد تظل ضحيته تنزف نفسيا ومعنويا طول عمرها، خصوصا فى مجتمع شرقى، مهووس بالجنس والشرف، مع أن الشرف قيمة رفيعة وعظيمة لا يمكن حصارها فى الجسد فقط!
والاغتصاب والقتل والخطف والتعذيب جرائم مادية ثقيلة جدا، يمكن فهم امتداد تأثيرها على ضحاياها، وأحيانا على مرتكبيها لفترات طويلة، وإن اقتصرت غالبا هذه التأثيرات «شخصية»، أى تمس بالدرجة الأولى الإنسان الذى شاء حظه التعس أن يسقط ضحية لهذا النوع من الجرائم، وبالطبع معه عائلته إلى حد كبير.
لكن ثمة جرائم تبدو خفيفة ماديا، وتأثيراتها تدوم طويلا، ويعانى المجتمع كله خسائرها الجانبية، مثل جريمة الغش بكل أنواعه، وبالأخص الغش السياسى والغش التعليمى وهى جرائم شديدة الخطورة كالسرطانات والفيروسات الفتاكة، تهدد حياة المجتمع بالمصادرة، أو تضع نوعا من الدوائر الحمراء على مستقبله وتقطع السبل إليه.
وإذا دققنا جيدا فى المشهد السياسى حولنا، ولو أمعنا الفكر فى ما حدث لنا بعد 11 فبراير عام 2011، أى بعد نزول الرئيس السابق حسنى مبارك عن السلطة مكرها بقوة إرادة شعبية هائلة، سنكتشف أننا تعرضنا لأكبر عملية غش جماعى فى تاريخنا الحديث، غش فى خريطة الطريق من الدستور أولا إلى الانتخابات أولا، غش فى الدعايات الانتخابية وشعاراتها، غش فى لجنة الدستور، غش فى الوعود الانتخابية الرئاسية، غش فى الإعلانات الدستورية، غش فى جوانب العملية السياسية، فانقلبت ثورة المصريين من تغيير نظام معطوب وفاسد إلى نقل امتيازات وإحلال جماعة حاكمة جديدة محل جماعة قديمة، بتفاصيل تليق بعملية التسليم والتسلم!
وهذا غش سندفع ثمنه زمنا طويلا..
لكن البعض منا يحاول دفع هذا الغش عنا مهما كانت المشقة التى يتحملها..
وآخر محاولة وليست الأخيرة كان قبل أيام، على هيئة قضية أمام محكمة القضاء الإدارى ضد الرئيس محمد مرسى ورئيس مجلس الوزراء هشام قنديل، ووزيرى الدفاع والداخلية ورئيس جهاز المخابرات بصفتهم، وتطالب بالكشف عن أسماء وهوية مختطفى «جنود سيناء» والقبض عليهم ومحاكمتهم.
وقد لا يعتد بهذه القضية ولا تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام فى قاعات المحاكم برفض نظرها، لكنها فى كل الأحوال بمنزلة صرخة بأعلى صوت قانونى ممكن: لا ضد التدليس، ويتصور أصحابها وهما محاميان وشخصية عامة معروفة هو «النائب البرلمانى السابق حمدى الفخرانى» أنهم يعرون عملية غش تعرض لها المصريون جهارا نهارا فى مسألة الإفراج المفاجئ الغامض عن الجنود المصريين السبعة، وكانت جماعة جهادية قد أعلنت خطفهم واشترطت إطلاق سراحهم مقابل الإفراج عن 19 جهاديا من جماعتهم على رأسهم القيادى المدعو «أبو شيتة»، كلهم مسجونون فى قضايا جنائية!
لكن الجماعة الجهادية فاجأت الجميع بإطلاق سراح الجنود دون إبداء أسباب، فى الوقت الذى كانت فيه القوات المسلحة بمعاونة قوات الشرطة تستعد لعملية عسكرية موسعة لتحرير هؤلاء الجنود، وكان رئيس الجمهورية قد طلب من القوات الحفاظ على أرواح المخطوفين وأيضا الخاطفين على حد سواء.
وأصحاب الدعوى يتصورون أن الإفراج عن الجنود جاء ضمن صفقة أفرجت فيها السلطات المصرية عن 18 إرهابيا محكوم على بعضهم بالإعدام، دون الإفراج عن أبو شيتة، لرفض القوات المسلحة رفضا قاطعا.
وقالت صحيفة الدعوى إن ما حدث ينال من هيبة الدولة وسيادتها على أرضها، ويجعلها خاضعة لابتزاز الجماعات الإرهابية، خصوصًا مع إعلان وزير الداخلية عن معرفته بأسماء الخاطفين وأماكنهم مع معلومات إعلامية لم تنفها رئاسة الجمهورية، بأن الُمختطِفين كانوا موجودين فى غزة مع أفراد الشرطة المُختطَفين من قبل.
مسألة مثيرة حقا، تشى -لو هى صحيحة- بأننا تعرضنا لعملية غش جهنمية، وأتصور أن عدم الشفافية هو سبب هذا الخلط..
لكن المهم أن أصحاب الغش السياسى يدافعون عنه بكل الطرق والسبل، من أول الكلام الناعم إلى العنف الفتاك..
ولهذا لم أستغرب ما صنعه مدير مجمع مدارس إعدادى فى قليوب، فالناس على دين ملوكهم كما يقولون، والرجل لم يخرج عن بيئة سائدة فى المجتمع، فالغش على أشده. فكيف يُمنع عن مدارسه ويُحرم منه تلاميذه؟!
وكان عدد من مراقبى الامتحانات بالمجمع، لم يقبلوا بالحال المائل ونظموا حالة «تمرد» على الغش، ولم يتركوا للتلاميذ أى مساحة يمارسون فيها أساليب الغش المعتادة، فغضب التلاميذ الغشاشون، ولم يقدروا على كتم غيظهم، فحدثت بعض مناوشات لم تنته إلى تخفيف حصار الغش، وشعر مدير المجمع بما يدبره المدرسون المراقبون من وسائل وأساليب لمكافحة الغش، وقد تؤثر على نتيجة المجمع وتروح سمعته فى ستين داهية، فهرع متنمرا إلى اثنين من المدرسين هما اللذان يقودان عملية ضبط الغش، واشتبك معهما وطلب منهما إغضاء البصر والسمع قليلا، فرفضا، فما كان من المدير أن اشتط عليهما وسبهما أمام التلاميذ، وبعد نهاية اللجنة حث تلاميذه على قذفهما بالحجارة ومطاردتهما بالألفاظ القبيحة فى الشارع.. وطبعا ما صدق التلاميذ.. فنحن فى زمن فوضى وانحطاط. وأسوأ ما فينا فاض على سطح حياتنا..
وفر المدرسان من التلاميذ إلى مركز قليوب وقدما بلاغا ضد المدير يتهمانه بإهانتهما وتهديدهما بالضرب والقتل إذا لم يسمحا بالغش!
بالطبع حكاية تعبيرية مفزعة عن أحوالنا، فرب البيت هو الذى يضرب بالدف ونازل رقصا خليعا، ويسب ويشتم ويهدد من يحاول إنقاذ التعليم من فساده..
وحتى لا نكون متجنين نعترف أن الغش فى الامتحانات وباء قديم، منتشر من أيام الدكتور أحمد فتحى سرور حين كان وزيرا للتعليم، وفترة وزاراته هى التى عرفت ظاهرة غير مسبوقة فى مجتمع من مجتمعات الدنيا، وهى الغش الجماعى.
ولم تتحرك الوزارة ولا الدولة لمكافحة هذا الوباء، من باب رشوة أولياء الأمور، ولتذهب مصر إلى الجحيم.
وقد لا تعرف البشرية مجتمعا يحبذ فيه عدد كبير من أولياء الأمور -خصوصا فى الأحياء والتجمعات العشوائية وهى بالآلاف- أن يجتاز أبناؤهم الامتحانات بالغش، ولا يهمهم أن يتخرجوا من التعليم أنصاف متعلمين وأنصاف خريجين. المهم أن يكون معهم شهادات رسمية بأنهم «مؤهلات»، وطبعا يمكن أن «يحطوا» هذا الشهادات الشرعية فى عين أجعص معارض أو مناوئ لهم..
أليست حياتنا السياسية شبيهة بذلك؟!
وطبعا نعترف أنه إرث قديم، لكننا لم نقترب منه بأى إصلاح أو تعديل، وأعاد حكامنا الجدد ريما لعاداتها القديمة.
وبما أن الغش سياسيا أو تعليما عادة قديمة، فمن المؤكد أن اكتسب قوة الأمر الواقع، مثله مثل الباعة الجائلين فى أجمل شوارع وميادين القاهرة، وفوضى سائقى التوك توك فى كل محافظات مصر دون تراخيص من أى نوع، وعشوائيات الميكروباص فى تعطيل الطرق وسب الرافضين لهم.. وأى تغيير فى ما هو «مفروض» بالأمر الواقع، يرد عليه المتضررون بالعنف فورا.. كما حدث فى سوهاج فى واقعتين عجيبتين، الأولى فى معهد أزهرى، من تلميذ يدرس علوم الدين الإسلامى، والنبى الكريم يُحرم علينا الغش تحريما تاما، «من غشنا فليس منا»، وهذا التلميذ الذى لا يتعدى عمره أربعة عشر عاما.. طعن مدرسه المراقب بمطواة قرن غزال، لأنه منعه من حبوب الغش التى يدمنها!
لم تكن الإصابة ثقيلة، مثلما أصيب الأستاذ محمد شعبان من المدرسة الثانوية الصناعية، والأستاذ محمد يرقد الآن فى مستشفى جرجا العام، عقابا على جرأته فى منع طالب ثانوى صنايع الغش، وبجواره الطالب الغشاش نفسه، لأن المدرس دافع عن نفسه وأصابه بكدمات وسحجات فى وجهه! (فالبلد بلا شرطة وبلا قانون)!
باختصار اكتسب الغش قدرا هائلا من العنف فى مواجهة القانون واللوائح وأى محاولات لضبط وربط الامتحانات أو الانتخابات!
يا عزيزى.. كلنا غشاشون.. حتى لو بالسكوت على الغش!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.