اقرأ ما شئت من كلمات، فعندما كتبت كلمات غيرك، كتمت أنت كلماتك.. ولن تجد حولك سوى صمت يتبعه صمت، وتعلو على الجميع ضجة الضجر. لن تجد كلمات كثيرة تصف ما يحدث لك، حولك، معك، بك، سوى غضب، ولعنات تستنزلها، فتتوقف ولا تبارح مكانها. تبتئس، ويبدأ ظلام كل الثقوب السوداء يستوطن داخلك. عندما يستوطن الخوف قلوب أعدائك، المفترض أنهم المنتصرون الآن، فلديهم الرئاسة، وداخلية تسبّح بحمدهم اعتقالات وسحلا فى الشوارع وتعذيبا واغتصابا، وقضاء يرتعش أمامهم. يتحول الخوف إلى تعصب وعمى تام، نرى أشده فى صعيد مصر الذى شهد أقسى عنف للجماعات الإسلامية فى تاريخ مصر الحديث. «تم التعدى على محامين حقوقيين، ذهبوا للدفاع عن أحد المحبوسين فى واحدة من القضايا العبثية المدعاة ازدراء أديان فى أسيوط، تم ضرب المحامين، لأن خانة الدين فى بطاقتهم مكتوب فيها مسلم، وهم يدافعون عن شخص قبطى». رفعت أعلام القاعدة السوداء. رفعت صور للمفتون الأكبر فى التاريخ الحديث أسامة بن لادن. ترددت هتافات غاضبة من شباب ارتضى خوفه وارتمى فى ظلام أكبر، ترددت هتافات الموت، ترددت هتافات تقول شرع الله -الذى يفصلونه على مقاس أمراضهم- وامتدت أياد لا تستحى أن تعتدى على بشر أضعف منهم، مختلفين عنهم فى الرأى، غرباء عن مدينتهم، ضاربين إياهم ومجردين إياهم من ملابسهم. (حسب التقارير الحقوقية، تضاعفت قضايا الازدراء وإهانة من يسمى رئيس جمهورية خلال عام واحد فقط من حكم الإخوان، لم يخلَ سبيل أى منهم، حكم على جميعهم بمدد تتراوح بين ثلاث سنوات، وست). عندما لا يستطيع إنسان ما أن يواجه خوفه، وجبنه، وقهره المستمر منذ لحظة الولادة، فإنه ينقلب إلى شخص عنيف، يرفض أن يفهم، يرفض أن يسامح، يرفض أن يرى، وتكون كل تصرفاته، مجرد دفاع عن وهم ظن أنه منقذه، وجاعله أقوى. وعندما يتسيد ذلك الجبن على بشر، لن تجد إلا سادية تعلو، وقبحا يشتد، وموتا يوزع بالمجان على نواصى الطرقات. إن نظرنا إلى عالم الحيوان، سنجد أن أكثر الحيوانات عنفا، هى أكثرهم ضعفا، فالكلب الصغير فى الحجم، هو أعنف وأكثر قسوة وشراسة من أصحاب الحجم الأكبر. وإن خرج استثناء من هذه القاعدة، ورأينا حيوانا ضخما وعنيفا «كبعض قطعان الفيلة، والجاموس البرى فى إفريقيا» سنجد أن سبب عنفهم المضاد للبشر، يكمن فى خوفهم من تكرار الفظائع التى شهدوها من الإنسان، سواء بسبب الحروب الأهلية التى دمرت موطنهم الأصلى، أو تسلية الإنسان المدمرة لوجودهم المدعاة بالصيد. فالخوف من الآخر، والضعف أمام الحجج، نتيجة قهر منذ الولادة، سواء كان أسريا، أو ماديا، أو اجتماعيا، يخرجون مثل هؤلاء البشر الأجلاف، الممتلئين كراهية وعنفا تجاه كل من يخالفهم. فنجد كائنا ما، بشريا بالضرورة -فالبشر هم فقط من يمتازون بذلك الصلف اللا متناهى- يخبرك أن مولانا الحلاج زنديق وكافر، فاعلم أن لا مجال فى قلبه لأى رحمة، وأن طيف الحب لم يعبر من فوق قلبه العفن. قال مولانا وسيدنا أبو عبد الله الحسين بن منصور الحلاج: «تفكّرتُ فى الأديان جدَّ تحقّق فألفيتها أصلا له شُعَبا جمّا فلا تَطْلُبَنْ للمرء دينا فإنّه يُصَدُّ عن الأصل الوثيق وإنما يطالبه أصل يعبِّر عنده جميع المعالى والمعانى فيفهَمَا». ولم يخرج سيدنا عن صحيح الدين فى ما سطر شعرا، لكن المغلقة قلوبهم، لا يفهمون، فهم تعودوا على أن يعالجوا خوفهم، بحدود تضع حولهم، جدرانا تمنع عنهم أى معرفة جديدة، وانعزال عمن سواهم، وإنكار لكل من يخالفهم، مبررين ذلك بحمايتهم للدين، وأفكاره. ابن باز كمثال على الخوف قام ابن باز أحد أعلام السلفيين، ومفتى الأراضى الحجازية ونجد السابق، فى كتابه المسمى «الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر وسكون الأرض»، الطبعة الثانية 1982، والصادرة عن مكتبة الرياض الحديثة- البطحاء، الرياض. صفحات «22 إلى 28»، بالقول إن الأرض ثابتة لا تتحرك، وإن الشمس هى من تدور حولها، وإن القائل بعكس ذلك فقد كذب الله وكتابه ورسوله. وأردف بعد أن استشهد بعدد من الآيات: «وكل من كذب الله، وكذب كتابه، وكذب رسوله الأمين، فهو كافر ضال مضل، يستتاب فإن تاب، وإلا قتل كافرا مرتدا، ويكون ماله فيئا لبيت مال المسلمين». فالشيخ ابن باز، قرر فى عام 1982 أى بعد مئات السنين من اكتشاف دوران الأرض حول الشمس، لا العكس، والمراصد العملاقة، والأقمار الاصطناعية، الدائرة حول الأرض، لا فقط بإنكار أن الأرض هى من تدور حول الشمس لا العكس، بل زاد عليها بتكفير القائل بذلك. رجل يستحق الرثاء، خاف من محاولة الفهم، أو التغيير، رجل خشى من تحطم الجدران المبنية حول أفكاره، التى حمته من القهر والخوف الذى عاش فيه حياته كلها، فقرر إنكار حقائق علمية مثبتة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال إنكارها، فقط لخوفه. فقط لأنه خشى أن يفقد الحماية المعطاة إليه من أفكار ورثها عن أشباه له. أمثال ابن باز، هم معلمو من لهم الغلبة الآن، وهؤلاء مهما علوا وتحكموا فى مصائر العباد، فإنهم سينتهون، لأنهم مثل الفطر، لا ينمو إلا فى غياب الضوء والهواء، ولا يزدهر إلا عندما تختفى الشمس، ويفسد الهواء. الآن توقف قليلا، تنفس، فالضجر الآن فى أعلى مراحله. لا تخشَ الظلام الذى خيم علينا جميعا، فنحن الآن فى أعلى لحظات انتصاره، وسيبدأ انهياره بعد قليل. فمستنقعات عفنهم تخمرت تماما، وفى انتظار شمسنا لتجففه.