في خضم الصراعات التي يشهدها العالم بأسره، وظهور الجماعات الجهادية المتشددة كفاعلين دون الدول وانتشارها بوتيرة متسارعة وتهديدها لمعظم دول العالم، كان للجناح اليميني، وخاصة المتطرف، بجميع أنواعه نصيب الأسد في الوصول إلى مقاليد الحكم في العديد من دول العالم بسبب التحولات الاجتماعية والثقافية القائمة التي فرضها نسق العولمة. وتتمثل القاعدة المشتركة لجماعات وأحزاب اليمين المتطرف أو ما يطلق عليه أقصى اليمن في أوروبا في تبني أفكار التمييز العنصري ورفض تعزيز الوحدة الأوروبية، والميل إلى تعزيز القوميات القطرية، وانتقاد سياسات الديمقراطية الاجتماعية لليسار وتشجيع المذهب الفردي، والدعوة لتقليص الضرائب كما ترفض أحزاب اليمين المتطرف الهجرات إلى أوروبا خصوصًا من جانب العرب والمسلمين وتميل إلى منعها والتقييد على المهاجرين الذين تعتبرهم يمثلون خطرًا ديموغرافيا عليها، كما يتبنى اليمين المتطرف الأوروبي مواقف مناهضة ضد الأقليات الدينية وضد المسلمين. ويقترن صعود اليمين المتطرف بظاهرة تصاعد الكراهية ضد المسلمين (Islamophobia)، وهي ظاهرة انتشرت في المجتمعات الأوروبية وارتبطت بالصورة النمطية للإسلام ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا. وليس هناك أكثر دليلاً على صعود اليمين المتطرف من الإشارة إلى النجاحات التي حققها في الانتخابات الأوروبية، فقد فاز حزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان في فرنسا بعدد من المقاعد في الانتخابات المحلية، واحتل المركز الأول في الانتخابات الأوروبية عام 2014 ويستعد الحزب لخوض معركة الانتخابات الرئاسية في عام 2017، مما اعتبره رئيس الوزراء الفرنسي مؤشرا على الاضطراب المستمر في الساحة السياسية الفرنسية، ومن شأن ذلك مواجهة الفرنسيين لبعضهم بعضا. وفي منتصف شهر يونيو من العام الجاري، فاز حزب الشعب اليميني المتطرف بالمرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الدانماركية. ويُعرف حزب الشعب بمواقفه العدائية تجاه المسلمين والمهاجرين عموما وتوجهاته الرافضة للاتحاد الأوروبي، ولا تخفي اليوم الجالية العربية قلقها، مما قد يشكله فوز هذا الحزب من مشكلات على مستقبلها في هذا البلد. ومن المتوقع، تعرض القضية الفلسطينية للضرر، وفقدان دعم هذا البلد، لأن حزب الشعب المتطرف يساند صراحة الاحتلال الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن أحزاب اليمين المتطرف الآن موجودة بالفعل داخل الحكومة الإيطالية، ولها ممثلون في برلمانات كل من النمسا وبلغاريا والدانمارك والمجر ولاتفيا وسلوفاكيا، فضلا عن البرلمان الأوروبي نفسه. إن صعود جناح اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا هو مجرد تعبير عن الرفض من قبل الأوروبيين والأمريكيين، من أجل معاقبة الأنظمة القائمة لسوء أدائها أو رفض التحولات السياسية والاجتماعية، كما كان الأمر في الشرق الأوسط منذ سنوات بصعود اليمين الديني متمثلا في جماعه الإخوان المسلمين بمصر وتونس إلى سدة الحكم. ومع الفوز التدريجي الذي حققته الأحزاب اليمينية والمتطرفة في أوروبا وعودة قوية للمحافظين الجدد في أمريكا بفوز الجمهوريين المحافظين في انتخابات الكونجرس الأخيرة، وتنامي للفكر المتطرف في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يسيطر اليمين المتطرف على الحكم في كثير من دول العالم خلال المرحلة القادمة وبخاصة في دول أوروبا حال استمرار تنامي نفوذ ودور التنظيمات الجهادي في منطقة الشرق الأوسط، وتكرار الحوادث الإرهابية في بعض الدول الأوروبية على غرار حادثة "شارلي إبدو" وأحداث ١٤ نوفمبر في فرنسا، واستمرار الأزمة الاقتصادية المسيطرة على معظم الدول الأوروبية وتفشي البطالة، كل ذلك يساعد على تنامي للجناح اليميني المتطرف في الدول الأوروبية، ويعتبر وصول الحزب الجمهوري إلى الرئاسة في حال نجاحه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في نوفمبر لعام 2016، بداية لسيطرة اليمين على سدة الحكم في العديد من الدول الغربية. وأخيرًا، في حالة وصول التيار اليميني المتطرف إلى الحكم وبخاصة في دول أوروبا مع تنامي نفوذ الميليشيات المسلحة المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، فإن ذلك سيؤدي صراع حضاري واضطرابات اقتصادية ومواجهات عسكرية عنيفة من شأنها انهيار النظام العالمي والتوازنات الإقليمية والدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية.