لا يبدو أن نبش قبر الصحابى الجليل «حجر بن عدي» وهو أحد المزارات الشيعية فى منطقة عدرا بالريف الشمالى لدمشق سوف يمر مرو الكرام ، بعد أن تم تجييش المناصرين للدفاع عن تلك القبور التى تعتبر مزارات مقدسة لدى الشيعة فى العالم . ومنذ بداية الأزمة السورية وتطورها، يدور الحديث عن دور لميليشيات شيعية تقاتل إلى جانب نظام بشار الاسد " العلوى" ،وعلى رأسها حزب الله اللبنانى وحزب الله العراقى ، فى محاولة لتحقيق التوازن بين المسلحين المعارضين الذين يغلب عليهم الإنتماء للطائفة السنية. وعلى الرغم من وضوح الرؤية حول الجبهات التى تصطف للقتال بجانب بشار الأسد ، بعد إنكار مستمر من جانب حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية عن تواجد مثل تلك العناصر فى الاراضى السورية ، إلا أن خروج الأوضاع عن السيطرة بات ينذر بتحول الصراع إلى حرب طائفية لن تهدأ نارها ، ولن تتوقف عند الحدود السورية أو العراقية أو اللبنانية ، بل أنها ستكون مرشحة للإمتداد إلى كامل المنطقة . وفيما تحاول قيادات الجيش السورى الحر النأى بنفسها عما أعلنته جبهة النصرة من ولائها لتنظيم القاعدة ، لم يخف زعماء شيعة في العراق قيامهم بتجنيد ميليشيات تساعد القوات النظامية السورية في قمع المناهضين للأسد،معللين ذلك بأنها مهمة مقدسة هدفها حماية المزارات الشيعية في سوريا وعلى رأسها ضريج السيدة زينب في دمشق. ويأتى هذا فى الوقت الذى نقلت تقارير صحفية عن مسلحين شيعة القول بأن حماية بشار الأسد جاء استجابة لنداء المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بحماية المزارات الشيعية والحيلولة دون سقوط الأسد. وكشفت مواكب العزاء التى شهدها العراق ولبنان مؤخرا عن الزعماء الشيعة الذين مولوا وأرسلوا ميليشيات إلى سوريا وعلى رأسهم حسن نصر الله ومقتدى الصدر، إضافة إلى قادة "ميلشيا عصائب أهل الحق" وغيرها من الميليشيات ومنها "كتيبة أبو الفضل العباس" و"حزب الله العراقى " وربما كان خافياً على الكثيرين أن سوريا هي من أكثر البلاد الإسلاميّةاحتضاناً للمقامات والمشاهد المنسوبة لآل البيت النبوي عليهم السّلام ، حيث أحصى المؤرّخون في أنحائها 49 مقاماً ومشهداً أغلبها في دمشق ثم في حلب وباقي المدن والمناطق . وتشير الدراسات إلى أنه يوجد في دمشق ومنطقتها 20 مشهداً " قبرا أو مزارا "، بينما تحتضن حلب ومنطقتها 7 مشاهد ، وفي اللاذقية ومنطقتها توجد أربعة ، ومثلها فى حماه ومنطقتها ، وفي حمص ومنطقتها توجد 3مشاهد ، وفي مدن الجزيرة " ميافارقين، صفّين، بالس، الرقة، نصيبين " يوجد 11مشهدا . ولعل من الجدير ذكره هنا أن تزايد المزارات الشيعية التي لم تكن موجودة قبل عام 1980 ازدهرت بعد تحالف إيران ونظام حافظ الأسد الذى أنشا العديد منها في دمشق، وتم تحويل بعض الأماكن المقدسة لدى فئات أخرى إلى مزارات شيعية، كما هدمت الكثير من القصور والمباني الأموية في دمشق حتى تدخلت اليونسكو في الأعوام الماضية للحفاظ على ما بقي منها وضمه إلى قائمة التراث العالمي. ومن أهم المشاهد والمزارات الشيعية مرقد السيدة زينب، الذي يزوره الكثير من شيعة الخليج والعراق وإيران، وحوله الكثير من الحسينيات والحوزات العلمية ، أما مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين، الذي يقع بالقرب من الجامع الأموي، فهو ثاني مزار بعد السيدة زينب أهمية. ومن المزارات الشيعية الأخرى، مقاما السيدتين سكينة وأم كلثوم ابنتا الامام الحسين ، بالإضافة إلى قبر حجر بن عدى الكندي، المعروف بحجر الخير، الذى يعتبر نبشه بداية حقيقية لحرب طائفية . ومما يزيد الأمر خطورة ويزيد من فرص المنحى الطائفى للأزمة السورية خلال الفترة القادمة ، هو المجازر المتكررة التى ترتكبها قوات الأسد والتى تقع ضمن جرائم " التطهير العرقى " ، وآخرها اقتحام تلك القوات لقرية " البيضا " في مدينة بانياس الساحلية. حيث أشارت التقارير إلى أن الجيش السوري قصف قرية البيضا بالمدفعية وقذائف الهاون ، تمهيدا لدخول "الشبيحة" إلى القرية الذين قاموا بإعدام أكثر من 200 شخص بينهم عائلات بأكملها ثم أحرقوا جثثهم. وجاءت تلك المجزرة عشية تفجير الجسر المعلق في مدينة دير الزور ، وهى المدينة السنية الحدودية مع العراق ، مما أدى إلى تدمير أجزاء منه وسقوطها في نهر الفرات ، وهى الحادثة ذات التأثير المعنوى الكبير ، نظرا لما يحتله هذا الجسر من مكانة فى نفوس أهل المنطقة المتهمين بالتنسيق مع العشائر السنية المقابلة فى العراق . وعند الحديث عن العلاقات السورية - الإيرانية، وصلتها بالموضوع الشيعي في سورية، لا يمكن إغفال عنصر "حزب الله" اللبناني الشيعي، الذي يرتبط بإيران عقائدياً واستراتيجياً ، كما لا يمكن إغفال العلاقة الإستراتيجية بين الحكومة العراقية والنظام الإيرانى ، رغم إعلان العراق إلتزامه القوانين الدولية فى التعامل مع ايران وسوريا خلال الأزمة . وكان عدد من المراجع الشيعية قد أصدروا خلال مسيرة الثورة ، فتاوى تدعو إلى الجهاد في سوريا لحماية الأماكن المقدسة عند الشيعة، داعين إلى حمايتها من السنة، كما دعوا إلى مساندة بشار الأسد في حملته باعتبارها حملة على النواصب وهو الوصف الذى يطلقه الشيعة على السنة الذين يسمونهم " الروافض " . ويلخِّص تصريح ممثل خامنئي لدى الحرس الثوري الغاية الخفية لامتلاك " حفنة من تراب أرض الشام " ، عندما قال " نحن على وشك فتح خيمة معاوية ولو تراجعنا قيد أنملة فسيذهب كل ما فعلنا في السنوات الماضية هباءاً منثوراً " ، فى إشارة إلى النفوذ الإيرانى فى سوريا ولبنان . ويأتى تجييش القيادى العراقي مقتدى الصدر للشبان الشيعة للدفاع عن وحماية المزارات الشيعية في سوريا ، ليلقى المزيد من الضوء على الخطة الإيرانية التى امتدت لعقود والتى أسهمت فى تزايد عدد المزارات الشيعية التي شيدتها إيران خلال السنوات الأخيرة على امتداد المحافظات والقرى السورية . ويقول أحد قيادات الجيش السورى الحر أن إشعال " حرب القبور" ، سوف يجعل التدخل الإيراني مدعوما بحجة حماية تلك المزارات ، وتحويل التواجد المكثف على الأرض السورية إلى وجود استخباراتي وعسكري . وتكمن خطورة تحويل النزاع فى سوريا إلى صراع طائفى ، بدلا من كونه صراع بين حكم ديكتاتورى ومعارضة مطلبيه ، فى أن الأوضاع سوف تخرج عن السيطرة سواء على صعيد الداخل السورى ، أو على صعيد دول الجوار فى منطقة تمتد فيها الولاءات والإنتماءات الطائفية مثل مجرى الدم بالعروق . ولعل من المفيد وضع النموذج العراقى على المحك ، عندما انطلقت الفتنة الطائفية بين أبنائة أيضا بإشعال حرب القبور ، من خلال تفجير مرقد الإمامين العسكريين " الامام العاشر والحادى عشر لدى الشيعة الجعفرية" . ويبدو واضحا أن إشعال الجبهة العراقية بشكل متصاعد الآن ، وإعلاء النبرة الطائفية التى جعلت رياح الحرب الأهلية تهب من جديد على أساس طائفى ، ما هو إلا حلقة متصلة بحلقات سلسلة إشعال الصراع السنى الشيعى بالمنطقة ، مما يهدد بإحراق الأخضر واليابس ، ويجعل من المنطقة قبرا كبيرا غير مقدس بعد أن تحترق القبور المقدسة لدى الشيعة إيذانا بإشتعال " الحرب المقدسة " .