لا تلوموا السفيرة الأمريكية حين تتحدث عن مصر بهذه الغطرسة، وحين تتدخل فى أدق شؤون الوطن الداخلية.. وإنما حاسبوا من أعطاها هذا الحق، ومن سمح لها بأن تعيد إلى الأذهان سيرة «المندوب السامى» أيام الاحتلال البريطانى الذى كان هو الحاكم الحقيقى للبلاد! لا تلوموا السفيرة الأمريكية حين تجدد تأييدها للإخوان، وحين تقول إن عودة الجيش ستكون كارثة غير مقبولة من واشنطن وحلفاء مصر الآخرين. إنها تمثل دولتها وتدافع عن مصالحها لا عن مصالح الآخرين. وهى لا تقول جديدا، بل تعيد تأكيد سياسة معلنة لبلادها انحازت فيها إلى «الإخوان» ودعمت صعودهم للحكم ليس فى مصر فقط، بل فى كل بلاد «الربيع العربى». ورأت أن ذلك يحقق مصالح الولايات التحدة فى المنطقة. وأعلنت أنها حصلت من «الإخوان» على كل ما تريده من التزامات تجاه أمن إسرائيل، والحفاظ على المعاهدة المبرمة بين القاهرة وتل أبيب، واستمرار التسهيلات العسكرية التى تحصل عليها أمريكا، والتوافق مع السياسات الأمريكية فى المنطقة. ولا تلوموا السفيرة الأمريكية وهى تتحدث عن مصر كأنها دويلة تابعة لأمريكا، أو وهى «تبرطع» فى طول مصر وعرضها وتدس أنفها فى كل الشؤون الداخلية! هل كانت ستفعل ذلك لو وجدت حكما له إرادة مستقلة، وحكاما حريصين على كرامة وطنهم؟! أليس من الطبيعى أن تتصرف هكذا، وهى ترى أمامها حكما يتسول رضا واشنطن ويعرف أن مصيره مرهون بهذا الرضا؟! أليس من الطبيعى أن تفعل ما تفعله وهى التى خشيت بعد سقوط النظام السابق الذى كان حليفا أساسيا لواشنطن من عواقب هذا السقوط، فإذا بها تجد فى حكم «الإخوان» التعويض الذى فاق كل تقديراتها، والحليف الذى ينفذ حتى ما عجز النظام السابق عن تنفيذه، أو رفض التورط فيه! بدءا من تأمين حدود إسرائيل، وحتى وضع قناة السويس فى قلب الخطر، وإغراق مصر فى بحر الديون، وعرض مرافقها للرهن أو البيع أو الإيجار، وصولا إلى تمهيد الطريق لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين والعرب ومع التهديد الحقيقى لسيناء! لا تلوموا السفيرة الأمريكية.. لو وجدت من يردعها ويوقفها عند حدها، لتوقفت عن التصرف كراعية للنظام! ولو واجهت حكاما يعرفون قدر مصر، لما تحدثت كأن مصر إحدى المحميات الصغيرة! ولو تأكدت للحظة واحدة أن مصالح بلادها سوف تتضرر بهذا العدوان الآثم على استقلال البلاد، لابتلعت لسانها، وتوقفت عن التدخل فى شؤوننا. ولو عرفت أن دعم بلادها لحكم «الإخوان» الذى يسوق البلاد للهاوية هو الجريمة التى لن يتسامح فيها شعب مصر، لكان لها -ولحكومتها- موقف آخر! ما ينبغى أن تعرفه السفيرة الأمريكية وحكومتها أن اللعبة قد قاربت على الانتهاء، وأن الرهان الذى اعتمدته واشنطن حين دعمت «الإخوان» قد سقط. كانوا يبررون هذا الدعم بأنه سوف يمثل حائط صد ضد جماعات إسلامية أكثر تشددا.. فإذا بخطر الإرهاب يهدد كل المنطقة! وكانوا يبررون هذا الدعم بأننا أمام تيار منظم وله خبرة طويلة ولديه كفاءات، فإذا بالفشل يقود مصر نحو الهاوية.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا! وكانوا يتصورون أنهم سوف يستطيعون جر جيش مصر الوطنى إلى استنزاف كبير مع عصابات الإرهاب فى سيناء وغيرها، وإلى صراع توهموه مع الشعب وقواه الوطنية.. فإذا بالجيش العربى الوحيد القادر على مواجهة المؤامرات يظل محتفظا بقدراته، ويستعيد بسرعة ما فقده من رصيد خلال حكم المجلس العسكرى، ويصبح وجوده هو عامل الاطمئنان الوحيد لشعب يعانى من حكم فاشل وفاشى، يهدم كل مؤسسات الدولة، ويحارب كل شىء جميل على أرض مصر وكل أمل فى غد يكافئ الشعب على تضحياته الجسام. سقط رهان السفيرة وحكومتها. دفعت مصر الثمن لكنها تعلمت الدرس، لا يمكن لأهداف الثورة أن تتحقق فى ظل التبعية، لا خبز ولا حرية ولا كرامة إلا فى وطن إرادته مستقلة وقراره فى يده. سقط رهان السفيرة وحكومتها، ومع ذلك بقى الدعم للحكم الفاشل والفاشى، وبقى الوهم الأمريكى أن ذلك سوف يمر بلا ثمن! أصبح واضحا أن واشنطن تريد مصر دولة ضعيفة تحت حكم يتسول الدعم والرعاية، حتى تعيد رسم خريطة المنطقة لمصلحتها وفى غياب مصر وعلى حسابها وحساب العرب. لا تهتم الست السفيرة بكل ما يحدث لشعب مصر على يد حليفها الفاشى، تهتم فقط بالمصالح الأمريكية الإسرائيلية. تحذرنا من غضب أمريكا إذا عاد الجيش للحكم. لا أحد يتحدث فى مصر عن ذلك، الكلام واضح كالشمس: لا مجال لحكم عسكرى، لكن الجيش لن يسمح بسقوط البلاد فى الفوضى أو الحرب الأهلية. لا تلوموا السفيرة لأن كل ما راهنت عليه (هى وحكومتها) قد سقط.. الحكم الفاشى الذى دعمته يترنح. الشعب يتمسك بثورته ويدافع عن وحدته. الجيش هو جيش الشعب وليس من جيوش جمهوريات الموز. تخشى السفيرة من القادم لأنه يعنى حضور كل ما هو غائب الآن: الإرادة المستقلة، والحكم الذى يجمع الأمة، والدولة التى يحكمها القانون ويبنيها العلم، والدور الذى ضاع، والمكانة التى تعيد مصر لقيادة أمتها العربية. لا تلوموا السفيرة الأمريكية. انتظروا رحيلها مع سقوط الرهان على الحكم الفاشل والفاشى.. واستعدوا لساعة الحساب!