لم يشفع لها كونها "معسِّلة" ليبتاعها الناس، وتوقف إغراء سخونتها في الشتاء، فتكومت البطاطا على عربات أصحابها، الذين انقطعت أرزاقهم وتدهورت تجارتهم الصغيرة، لكنهم لم يفارقوا الشارع، ولم يتخلوا عن عرباتهم أملًا في بيع "ذر" واحد يوميًا لمحبي البطاطا. في شارع شهاب بالمهندسين، يقف أكثر من بائع بطاطا بعربته الصغيرة، كلٌ له مكانه الذي لا يبرحه، والذي لا يمكن له تبديله مع غيره، وفقًا لاتفاقات "أولاد الكار"، الذين يتعايشون مع بعضهم في مهنتم المتواضعة، عبر قواعد وضعها الكبار ليلتزم بها الجميع. محمد، أحد بائعي البطاطا بشارع شهاب، قال ل"التحرير" "البطاط المعسِّلة، مابقاش فيه حد يشتريها، سوق الصيف انضرب لما السياحة وقعت، وسوق الشتا انضرب لما الحب ضاع، مابقاش واحد يشتريها لحبيبته في الشتا علشان يتمشوا ويدفوا بها". وأضاف محمد "العرب والسودانيين والسوريين والسعوديين كانوا بينعشوا الشغل في الصيف، لكن السياحة انضربت فشغلي انضرب، فبنشتغل في الشتا بس، والشغل مش زي زمان، لكن أنا ماعرفش غيره، دلوقتي فيه يوم أبيع بخمسة جنيهات، ويوم بعشرين، ويوم مابعش خالص". وقال محمد إنه يشتري البطاطا من إمبابة، مضيفًا "بشتريها بالكيلو، من جنيه ونصف حتى 3 جنيهات، والسعر ده لعبة تجار، وإحنا بنحاول نجيب أرخص حاجة تكون نظيفة". وتابع "البطاطا مابتستويش بالفحم، بتستوي بالخشب، بس مابنشتريش الخشب، بناخده من الحبايب بكوزين تلاتة بطاطا، لأن شوال كسر الخشب ثمنه من الورشة 10 جنيهات، وخمسة جنيه للتوك توك يبقى خسارة كبيرة لي ماعوضهاش من البيع". وأضاف محمد "مابنقولش غير الحمد لله، بقالي 10 سنين بشتغل الشغلانة دي، ورثتها عن والدي، ومابفكرش اشتغل غيرها مع إني معايا دبلوم، ماطلبتش من الحكومة تشغلني، ولا عاوز منها حاجة غير إنها تسيببني في حالي، البلدية مش سيبانا في حالنا، كل يوم والتاني بياخدوا العربية، وبتقعد 15 يوما عندهم، وعلشان أرجعها بدفع غرامة 135 جنيها، وأنا رزقي يوم بيوم، وبتخانق معاهم علشان يسيبوها، لإني لو سبتها لهم مش هلاقي آكل". وأكد محمد أن الدولة تحارب البائع المتجول قائلا "كل يوم والتاني نجري من البلديَّة، خصوصا لما يكون أصحاب العمارات أو المحلات مقدمين شكاوى فينا، أخويا كان واقف ع العربية من يومين وراح يصلي، فخدوا العربية، ولاد الحلال قالوا لهم سيبوها ده الراجل بيصلي". وتابع "لو يرضوا يرخصوا لي في الحي هارخَّص، بس الرخصة تكلفني 50 ألف جنيه، لأنها بالمقاس، كام متر طول في كام عرض، وإشغال طريق، وحساب المنطقة، ودي تكاليف كتير"، وأنهى كلامه قائلا "أنا عارف إن بلدنا حلوة وفيها خير بس مش لنا، إحنا مش طايلينه".