«مسودة رابعة أو جولة رابعة من الصراع وتكسير العظام بين حركة النهضة الإسلامية وباقى أحزاب المعارضة العلمانية»، هذا الذى من المزمع أن يصدره المجلس التأسيسى من نسخة جديدة لدستور تونس. ويعد الدستور أحد أبرز أدوات الصراع الحالية بين النهضة، التى تود أن تفرض دستورا يحقق مصالحها ويساعدها على الدخول فى مرحلة «التمكين» والهيمنة على مفاصل الدولة، وبين المعارضة التى أكدت أنها ستقف «سدا منيعا» أمام محاولات «أسلمة الدولة» وإخضاعها لفصيل بعينه. وينصب الصراع الحالى بين الطرفين على النظام السياسى المقترح للبلاد، وصلاحيات رئيس الجمهورية، حيث تسعى «النهضة» لإقرار النظام البرلمانى الكامل، والذى قد يجعلها تنجح فى «لعبة الانتخابات»، التى أظهرت حركات الإسلام السياسى براعة كبيرة فيها سواء فى مصر أو تونس، ويمكنها من السيطرة على البرلمان والحكومة، دون تدخل من منظومة الرئاسة التى قد لا تكون تحت سيطرتها. علاوة على أنها تعمل وتصر على أن لا يحوى الدستور الجديد أى صلاحيات تذكر، وتسعى على حد قول إياد الدهمانى، النائب عن الحزب الجمهورى، ل«سلق دستور يجعل من رئيس الجمهورية مجرد طرطور منتخب من قبل الشعب». وظهرت فى الفصل 104 من الدستور التونسى صلاحيات رئيس الجمهورية، الذى لا يمكنه أن يحضر اجتماعات مجلس الوزراء، إلا إذا وافق رئيس الحكومة، ولا يمكنه أن يعين أو يرفض تعيين وزير، ويمكن لرئيس الوزراء الذى سينتخب من الحزب الفائز بأغلبية البرلمان أن يعين من يشاء فى المناصب الوزارية والمناصب العليا، ويكتفى فقط بإعلام الرئيس دون استشارته، ويرسم السياسات العامة للدولة أيضا دون استشارته. وتصارع بقية الأحزاب فى المجلس التأسيسى الآن، لإجهاض مخططات النهضة ل«سلق» الدستور، المفترض أن ينتهى المجلس من صيغته النهائية قبل يوليو المقبل. وتضغط تلك الأحزاب نحو تبنى نظام مختلط يكون به توازن بين سلطات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، حتى لا يهيمن تيار بعينه على مقاليد الأمور بالبلاد، وهو ما كشف عنه الناطق باسم حزب التكتل من أجل العمل والحريات محمد بنور، (أحد أحزاب الائتلاف الثلاثى الحاكم، ولكنه علمانى)، عندما قال: «سنقف كسد منيع للحيلولة دون أسلمة الدولة وفرض نظام يسمح لتيار بعينه على السيطرة على البلاد». وفى المقابل، يبدو أن حركة «النهضة» استشعرت أن هذا هو الوقت الملائم ل«تمكين» الحزب من حكم البلاد، كما حدث فى دول أخرى بالربيع العربى، ورفضت الوصول إلى أى حلول وسطى مع المعارضة، وتركت الحوار الذى دعا له رئيس الجمهورية منصف المرزوقى للتوصل إلى توافق بتلك المسألة. ولجأت بعد ذلك إلى محاولات تشويه المعارضة، ووصفها ب«خصوم الإسلام والثورة»، وأنهم يسعون لتشويه الدستور والمجلس التأسيسى، على حد قول راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة، الذى قال أيضا «هؤلاء لا يمكن أن يكونوا إلا ستالينيين (نسبة إلى ستالين الزعيم السوفييتى الراحل) أو تجمعيين (نسبة إلى حزب التجمع الذى كان يترأسه الرئيس الهارب زين العابدين بن على) وكلاهما أعداء الثورة، وهناك محاولات للعودة إلى الماضى.. لكن هذا شىء ميؤوس منه».