لم يولد "تشي" أو "الرفيق" بالإسبانية كما كان يطلق على إرنستو جيفارا، "ثوريًّا"، حيث ترعرع جيفارا في أسرة أرجنتينية من الطبقة المتوسطة، وتلقى تعليمه ليصبح طبيبًا، وكان من المفترض أن يعيش "حياة برجوازية" حتى وفاته. لكن بخلاف الآخرين في طبقته، لم يتمكن جيفارا، الأرجنتيني الكوبي، من غض بصره عن الظلم الذي بنيت عليه الثروة المادية: "الفقر المتوارث بين الأجيال والسياسات المفروضة من قبل الدولة والمصممة خصيصًا لإبقاء الفقراء جهلاء ومستغَلِّين". منحت الحياة جيفارا فرصة لعيش أيامه في راحة، لكنه فضل الموت في سن التاسعة والثلاثين من عمره دفاعًا عن ثورته الكوبية التي اندلعت عام 1959، وأسقطت الديكتاتورية العسكرية الكوبية لفولجنسيو باتيستا، حيث اغتالته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أدغال بوليفيا، حيث كان يحاول إشعال نيران ثورة جديدة هناك، في يوم 9 أكتوبر 1967. وتمكن جيفارا من إدراك الواقع الأليم للرأسمالية بالنسبة لهؤلاء الذين لم يتمتعوا بامتيازات مثله، وعندما كان في أوائل العشرينيات من عمره، أثناء دراسته الطب، خرج في رحلة بالدراجة النارية لاستكشاف أمريكا الجنوبية، ولم يجد سوى المرض والأمية والفقر، ومنذ تلك اللحظة تعهد جيفارا في قرارة نفسه بأن يرتقي بالطبقة العاملة من كوبا وحتى جواتيمالا والكونغو. في السنوات الأخيرة، أصبحت صورة كوبا الدولية مزدهرة، حيث يسعى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، أخو فيدل كاسترو، وأحد رموز الثورة الكوبية، إلى الصعود ببلاده نحو مشاركة سياسية واقتصادية أكبر مع باقي العالم. وبالرغم من أن إصلاح العلاقات مع الولاياتالمتحدة يعتبر الدليل الأبرز على التغيير الذي تشهده كوبا مؤخرًا، بعدما هجرت السياسة الخارجية الكوبية العلاقات مع زعماء الدول، إلى حد كبير، مقابل دعم الحركات الثورية عبر أمريكا اللاتينية ثم إفريقيا، فإن كوبا تسعى اليوم إلى السلام بدلًا من الثورة.
ولعل الدليل الأبرز على ذلك، دور كوبا في مفاوضات السلام في كولومبيا بين الحكومة والجماعة المتمردة الأكبر "القوات المسلحة الثورية"، كما بدأت كوبا أيضًا في تغيير علاقاتها الاقتصادية مع باقي دول العالم. كانت كوبا قد انضمت إلى الكتلة الشيوعية في أوائل الستينيات، مما قلل الشراكات مع باقي الدول الغربية بشكل كبير، ودعمت معظم الدول في الأمريكيتين آنذاك الولاياتالمتحدة في قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الجزيرة. ولجأ الرئيس فيدل كاسترو آنذاك إلى الاتحاد السوفييتي لاستبدال الولاياتالمتحدة التي كانت الشريك الاقتصادي الأكبر لكوبا، وفي السبعينيات تبنت كوبا الطريقة السوفييتية للتخطيط وأصبحت مندمجة تمامًا في مجلس الكتلة السوفييتية للتعاون الاقتصادي المشترك. وبدأ الأخوان كاسترو في عملية تحويل الاقتصاد الكوبي البطيء حتى من قبل انهيار الاتحاد السوفييتي في التسعينيات، وفي عام 1986، أعلن فيدل أن كوبا ستقوم بعملية تصحيح لتطوير الكفاءة الاقتصادية وإحياء الحماسة الثورية على الجزيرة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وإنهاء المساعدات الأجنبية التي كان يعتمد عليها اقتصاد كوبا، مررت السلطات الكوبية دستورًا جديدًا في 1992 سمح بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، وأصبح الاقتصاد الكوبي منفتحًا على الاستثمار الأجنبي، باستثناء قطاعات الصحة والتعليم والقوات المسلحة، بالإضافة إلى أن قطاع السياحة الكوبي شهد نموًا سريعًا خلال العقدين الماضيين، والفضل يعود إلى الاستثمارات الإسبانية والأوروبية في قطاع الفنادق والمنتجعات، وساعدت زيارات السياح من مختلف الجنسيات على زيادة العلاقات الكوبية مع العالم. وبالرغم من وفاته، فلا يزال تاريخ جيفارا ونضاله الثوري مستمرا، حيث أصبح رمزًا ملهمًا للثورات حول العالم حتى يومنا هذا.