"ليس من اللائق لحلف اليمين، ولا يصح أن تلبس هكذا أمام الرئيس.. ما يصحش يكون بملابس نص كم..". ما زالت هيراركية الأخلاق الوهابية تحكمنا، ننظر إلى المرأة على أنها موجود أدنى من الرجل وأقل من حيث القدرة العقلية، إنها عورة صوتا وجسدا، ما زلنا نفكر فى المرأة كغواية لشهوانية الذكر الذى لا يقدر على كبح جماح رغبته الجنسية حتى لو لم تظهر إلا أظافرها. هذه الهيراركية الأخلاقية التى تغذى منها التراث الشرقى لم تكن تخص الشرق وحده، ولكننا نجدها متجذرة فى أفكار الفلاسفة الغربيين منذ أفلاطون الذى مهّد لها وتبناها تلميذه أرسطو. ففى محاورة الجمهورية لأفلاطون، يجرى حوار بين سقراط وأفلاطون حول سلب المغانم فى الحرب هكذا: (سقراط: أتوافق على سلب الموتى بعد النصر؟ أفلاطون: إن الجشع المرزول أن ينهب المرء ميتا، لأن معاملة الجثة كأنها عدو وضاعة نفس لا تليق إلا بالنساء). وفى موضع آخر من الجمهورية يقول أفلاطون: "إن المحارب الشجاع ينبغى أن يكافأ على بسالته بمزيد من النساء أو من (حقوق التناسل) وعلى المرأة أن تقبل عن طيب خاطر ذلك الوضع الذى تكون فيه مجرد وسيلة لمكافأة الشجعان المحاربين". هل يختلف هذا الفكر عن فكر وممارسة "داعش" من سبى النساء والدعوة لما يسمى نكاح الجهاد؟! يقول أرسطو فى مؤلفه "السياسة": "فالنفس تتألف من جانبين أو عنصرين: العنصر العقلى والعنصر اللا عقلى، ومن الطبيعى، بل ومن المفيد أن يحكم العنصر العقلى ويسيطر على الجانب اللا عقلى فى النفس، وهكذا نجد أن من العدل أيضا أن يحكم الرجل النساء، صحيح أن لديهن ملكة التروّى العقلية، لكنها بلا فاعلية، ولذا فمن السهل أن يسيطر عليهن العنصر اللا عقلى، وبالطريقة نفسها لا بد أن يحكم السادة العبيد، ولأن العبيد ليس لديهم إرادة علي الفكرالمتروى، والعنصر العقلى الموجود فى نفوسهم لا يمكنهم إلا من الاستماع إلى أوامر السادة واستيعابها وفهمها وطاعتها والعمل على تنفيذها". هكذا يرى أرسطو أن الطبيعة فرضت أن يخضع العبد لسيده، وأن تخضع المرأة للرجل، لأن العبد والمرأة يشتركان فى خاصية واحدة وهى أن قواهما العقلية أقل، وأنهما لا يسيطران على شهواتهما وعواطفهما، أى أنهما بطبيعتهما وليس بحكم المجتمع والتقاليد الصارمة والطبقية المحكمة. هكذا بررت الهيراركية الأرسطية النظام العبودى الاستبدادى، وكذلك سوّغت علاقة السلطة والسيطرة التى تحكم هذا النظام، وأرست هندسته، فالمرأة والعبد هما العنصران الأساسيان لاكتمال دائرة النظام العبودى. لم يستطع أفلاطون ولا أرسطو أن يتجاوزا السياق الذى وجدا فيه، بل عكس كل منهما الهيراركية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة داخل المجتمع اليونانى آنذاك. لقد كان التراث اليونانى غارقا فى كراهية المرأة مثله مثل التراث الشرقى. ماذا فعل أرسطو تلميذ أفلاطون؟ طوّر أفكار معلمه وصاغها فى نظرية رحّب بها مجتمع السادة الذى يحتفى بالعبودية وتنمو ثروته منها، سوّغ لهذه الكراهية، فلسفها، قننها وقدم لها المبررات العقلية والأخلاقية والسياسية حتى توطدت واستقرت هذه الكراهية عميقًا فى الثقافة الغربية، ولاقت أفكار أرسطو الترحيب فى الشرق، لأن تراث الشرق يعج بهذه الأفكار، وسنجد مضمون فلسفة أرسطو واضحا فى كتابات الكثيرين من المفكرين والفلاسفة العرب، وعلى رأسهم ابن تيمية والإمام الغزالى، فهناك تماثل وتطابق فى ما طرحاه فى كتاباتهما، وما طرحه أرسطو من أفكار سبقت مؤلفاتهما بقرون طويلة، والخطير فى الأمر أن هذه الأفكار اتخذت مسحة دينية وهالة قدسية. تخلصت المجتمعات الغربية من معظم هذه الأفكار الأفلاطونية والأرسطية، وما زلنا نحن ندور فى فلكها، ما زالت المؤسسات الدنيية والرسمية والإعلامية تلقى بالوقود فى أتون هذه الأفكار، وما زال شيوخ البترودولار (أبو إسحق الحوينى ومحمدحسان ومحمد حسين يعقوب وغيرهم من أشهر شيوخ الدعوة السلفية، يسممون الشاشات بفتاوى تحض على الكراهية والتعصب وتحقر من شأن المرأة، وما زالت القيم والعادات والتقاليد والأعراف والمنظومة المعرفية قائمة وتتوالد، كأن الزمن توقف عن الجريان والأيام كفت عن الاندفاع، رغم أن الشخصية المصرية متجددة ومرنة تكونت عبر مخاض تاريخى واجتماعى طويل، ولكن مجتمعنا المصرى تدهور وغرق فى الماضوية، فالجامعات منارة العلم أصبحت تفرخ شخصيات مغلقة وسلفية الفكر والهوى، وكذلك منظومة المعارف والمنظومة التعليمية كلها، وعلى رأسها الأزهر الذى يدرس مناهج تجاوزها الزمن، لكن خطورتها تنبع من كونها تؤصل للفكر السلفى الأصولى التكفيرى، وأصبحنا ندور فى دوائر مغلقة من التعصب والكراهية، وإسناد الإخفاق والفشل إلى المؤامرات الخارجية، نتوغل وننغمس فى الماضى ونشيح وجوهنا عن المستقبل. فماذا نجنى؟! أيديولوجية تحقر من شأن المرأة وتحاول كسر إرادتها، مزيد من التخلف والاستبداد والتسلط والقسوة والغطرسة وشخصيات إعلامية لا تحترم المهنية وتلعب وظيفة الكلب الوفى للنظام وإعادة السياق الأرسطى الذى لا تكتمل دائرته إلا بقهر العبد والمرأة!