كتب- محمد عمدة: في أواخر عام 1972، وقف شابًا عشرينيًا داخل كلية الهندسة بجامعة القاهرة، يُمسك بين يديه شهادة تخرجه، وعقله لا يتوقف عن التفكير في المستقبل، من أين يبدأ وإلى أين المطاف؟ لم يكن يعلم حينذاك أن القدر سيمنحه الفرصة ليصبح يومًا ما رئيسًا لأكبر شركة في إفريقيا والشرق الأوسط، ومن بعدها رئيسًا لوزراء مصر، وأنّه في الوقت ذاته سيُسابق الجميع على أكبر عدد من الاستقالات التي لم يكف قلمه عن كتابتها، فطوال مسيرته العملية كانت "الاستقالة" أبرز فصل في حياته. بعد تخرجه مباشرة انضم "محلب" إلى كتيبة مهندسين شركة المقاولون العرب، شق الشاب العشريني وقتها طريقه داخل الكيان العملاق، خلق لنفسه مكانة جيدة وسط زملائه، تدرج في المناصب المختلفة بالشركة، شارك -بحسب قوله- في بناء قواعد صواريخ حرب 6 أكتوبر، والعديد من الكباري الحيوية والمنشآت، حتى تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة في عام 2001 بقرار من الدكتور محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان حينذاك. طوال 11 عاما ظلّ "محلب" على رأس شركة المقاولون العرب، رغم التغييرات التي طرأت في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، وتعاقب الحكومات المختلفة داخل البلاد، خاصة بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حقق عدد من الإنجازات، منها تشييد استاد برج العرب وترميم برج القاهرة غير أنه-على حد وصفه- تقدم باستقالته من منصبه عدة مرات لحكومة الدكتور عصام شرف وكمال الجنزوري في عهد المجلس العسكري، غير أن طلبه قوبل بالرفض من قِبل الحكومتين. مرة آخرى تقدم "محلب" بطلب إعفاءه من منصبه لحكومة المهندس هشام قنديل في سبتمبر 2012، مرفقًا السبب بأن لديه قناعة بأن تلك الفترة تحتاج إلى ضخ دماء شابة تناسب هذه المرحلة الجديدة في عمر الوطن، تم قبول الاستقالة -بحسب بيان رسمي لوزارة الإسكان- أشارت فيه إنه سبق أن رفضت طلبه عدة مرات غير أنّ الوزير قبلها هذه المرة، لتبدأ مسيرة جديدة للرجل على النطاق السياسي. في يوليو 2013، تم تكليف المهندس إبراهيم محلب، بحقيبة وزارة الإسكان في حكومة الدكتور حازم الببلاوي خلفًا للوزير السابق طارق وفيق، رغم توجيه اتهام إليه في قضية قصور الرئاسة وصدور قرار من النيابة العامة بضبطه وإحضاره لكنه لم يُنفذ، وامتد عمله لعدة أشهر قبل أن يقدم استقالته مع جميع الوزراء و"الببلاوي" في فبراير 2014 إلى المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية وقتها، قبل أن يستدعيه الأخير لتكلفيه بتشكيل الحكومة الجديدة في تلك الفترة العصبية التي مرت بها البلاد. فور إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة بإعلان فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي، من جديد تقدم "محلب" باستقالته من منصبه في 8 يونيو 2014، وفقًا للدستور، وقَبل "السيسي" الاستقالة وطالب الحكومة بتسيير الأعمال لحين اختيار الحكومة الجديدة، ثم اختير نفس الرجل في منصب رئيس الوزراء حيث أجرى عدد من التغيرات في الحكومة وقام بحلف اليمين الدستورية في 17 يونيو من العام الماضي. خلال فترة توليه منصبه، كان الأداء الأبرز ل"محلب" هو تحركاته المستمرة في أنحاء البلاد، يتفقد عدد من المشروعات، يتابع عمل الوزراء والهيئات الحكومية، يباشر مهامه على الأرض، غير أن المشاكل والأزمات كانت تلاحق حكومته، بداية من تمرير قوانين أثير حولها الجدل مثل قانون الخدمة المدنية، فضلا عن التصريحات الصحفية التي أحدثت لغطاً في الشارع المصري مثل دعوته للشباب للعمل كسائقين ل"التكاتك"، ومؤخرا قضية الفساد الكبرى التي طالت أحد وزراءه-وزير الزراعة-. ورقة الاستقالة هي الورقة الأبرز في مسيرة "محلب"، فمنذ ساعات تقدم بها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي وافق عليها-بحسب بيان لرئاسة الجمهورية- مع تكليفه بتسيير الأعمال لحين اختيار رئيس الوزراء الجديد، بدون الإشارة إلى أسباب الاستقالة، قبل أن يختار شريف إسماعيل وزير البترول في الحكومة السابقة بتشكيل الحكومة الجديدة.