صلاح التيجاني أمام النيابة: "خديجة مريضة واتهمتني بالتحرش ظلم"    بتكلفة 9 ملايين جنيه.. افتتاح مسجد العتيقي بدسوق بكفر الشيخ    موعد امتحانات دورة أكتوبر 2024 لمحو الأمية بالأقصر    رئيس مركز ومدينة شبين الكوم يتفقد سير العمل بالمركز التكنولوجي    قصف بيروت| صفارات الانذار تدوي في شمال إسرائيل    يلا كورة يكشف كواليس انقسام مجلس الإسماعيلي بسبب حلمي طولان    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    مصرع سائق توك توك في حادث مروري أثناء عبوره الطريق بمركز جرجا    صلاح عبدالله يشكر المتحدة لدعمها أحمد عزمي: خطوة نحو مستقبل مشرق    صحة المنوفية: رش وتطهير المركز الإقليمي لتعليم الكبار بأسفيك والمنطقة المحيطة    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    تشييع جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال عدوان الاحتلال على قباطية بالضفة الغربية    صدور العدد الجديد من جريدة مسرحنا الإلكترونية وملف خاص عن الفنانة عايدة علام    عمرو الفقي ل«أحمد عزمي» بعد تعاقده على عمل درامي بموسم رمضان: نورت المتحدة وربنا يوفقك    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    رئيس الإدارة المركزية لشئون الدعوة وسكرتير عام محافظة البحيرة يشهدان احتفال المحافظة بالعيد القومي    غدًا.. انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس| حضور الطلاب تباعا لعدم التكدس.. و25 مليون طالب ينتظمون الأسبوعين المقبلين.. وزير التعليم يستعد لجولات ميدانية تبدأ من سوهاج وقنا    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    وزير العمل: حريصون على سرعة إصدار الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    روسيا: تفجير أجهزة ال"بيجر" في لبنان نوع جديد من الهجمات الإرهابية    خبير يكشف تفاصيل جديدة في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بلبنان    مصدر لبناني: البطاريات التي يستخدمها حزب الله مزجت بمادة شديدة الانفجار    كوجك: حققنا 6.1% فائضا أوليا متضمنًا عوائد "رأس الحكمة"    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    جامعة عين شمس تعلن إنشاء وحدة لحقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    هذا ما يحدث للسكري والقلب والدماغ عند تناول القهوة    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    إعلام إسرائيلي: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخي من لبنان    الأزهر للفتوى الإلكترونية: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    معرض «الناس ومكتبة الإسكندرية».. احتفاء بالتأثير الثقافي والاجتماعي لمكتبة الإسكندرية في أوسلو عاصمة النرويج    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    سهر الصايغ تشارك في مهرجان الإسكندرية بدورته ال 40 بفيلم "لعل الله يراني"    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير أعمال تعديل الحركة المرورية بميدان الزراعيين    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    وزير الإسكان يتابع استعدادات أجهزة مدن السويس وأسيوط وبني سويف الجديدة والشيخ زايد لاستقبال الشتاء    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الغوطة إلى هامبورج..شاب سوري يهرب عبر 11 دولة ليكمل تعليمه
نشر في التحرير يوم 26 - 08 - 2015

هشام معظماني مر بلبنان ومصر وتركيا والأردن واليونان ومقدونيا وصربيا والمجر والنمسا من أجل الوصول إلى ألمانيا
خاض هشام معظماني، شاب سوري في الرابعة والعشرين من العمر، مغامرة حقيقية مع الموت حينما قرر الفرار من أهوال الحرب في سوريا من أجل استكمال تعليمه ليكون محاميًا كبيرا كما وعد والده، بدأ هشام رحلته من ريف مدينته السورية "الغوطة" حتى انتهى به المطاف إلى مدينة هامبورج في ألمانيا، ومر خلالها عبر 11 دولة من أجل تحقيق هدفه.
ومر هشام بأصعب لحظات حياته، وفقا لروايته، حينما قرر أن يسبح رفقة صديقه فراس أبو خليل من ساحل تركيا إلى جزيرة كيوس اليونانية، مستجمعا قوته من خلال دعوات أمه ومستخدما ثلاثة أشياء من متعلقات شخصية هي "جواز السفر وقلم ليزر وهاتف محمول".
وتلك هي قصة الشاب السوري الذي لم تغنيه الحرب عن مواصله حلمه والسعي خلفه كما رواها:
إنها المرة الأولى التي أغادر بها بلدي الحبيب سوريا بسبب الحرب التي أنهكت بلدي، وبعد مجزرة في مدينتي داريا التي كانت الأكبر في سوريا ذلك الوقت، لكن الأصعب من ذلك، أنني ودعت والدتي الغالية على عجل، ودعتها أملا أن الحرب لن تطول وسأعود قريبا، ولم أعلم انها ستمتد رحلة اللجوء تلك إلى ما يزيد عن ثلاثة أعوام ونصف حتى الآن".
مكثت أسبوعا واحدا في لبنان فقط بسبب غلاء المعيشة، وقررت الذهاب إلى مصر بنية الإلتحاق في الجامعات المصرية، وصلت إلى مصر بتاريخ 29/9/2012. وبعد عدة أسابيع قمت بتحضير الأوراق اللازمة، إلا أن باب التسجيل في الجامعات قد أغلق. لا فرصة عمل هناك، فذهبت إلى تركيا لأعود بعدها إلى سوريا، ظنا مني أن الحرب ستنتهي قريبا وأعود لجامعتي، ولكن الحرب لم تنتهي، بل زادت ضراوة.
حتى في رحلة العودة إلى بلدي يجب أن أدخلها بطريقة غير مشروعة، فبعيدا عن أعين السلطات وصلت من تركيا إلى "الغوطة الشرقية". والدتي وعائلتي في دمشق يبعدون أقل من 5 كم عني، ولكن تجاوز هذه المسافة يعني الإنتحار، لا مجال لشاب تطلبه الحكومة للإلتحاق بالخدمة العسكرية، الإلتحاق بمن تسبب بالحرب في سوريا وقتل البشرية، بأن يعبر عبور الآمنين إلى عائلته ويشاركهم نزوحهم من بيتهم الذي أصبح تحت النار إلى مناطق أكثر أمننا.
بتاريخ 5/4/2013 بدأت رحلتي من الغوطة إلى أوروبا، قررت الخروج من سوريا مجددا فقد طالت فترة إنقاطعي عن الجامعة، وهناك بإمكاني متابعة تعليمي، وأعود بعدها وأشارك بإعادة بناء بلدي التي دمرته الحرب.
بعد ثلاثة محاولات بائت بالفشل لامجال للوصول من الغوطة إلى تركيا التي تعتبر نقطة الإنطلاق إلى أوروبا، فالغوطة تحت الحصار. سائق سيارة "براد" ينوي الذهاب إلى الأردن لينقل بعض الجرحى وبعض العائلات ولديه متسع لي ولصديقي، نعم سنذهب معك إلى الأردن، ونمكث لليلة ونستخدم مطار عمان ونذهب الى تركيا.
في صباح 6/4/2013 بعد رحلة مرعبة تخللتها القنابل المضيئة لكشفنا في الصحراء وإطلاق بعض الرصاص علينا من قبل الحكومة السورية وصلنا حدود الأردن.
نقلنا حرس الحدود الأردنية إلى مركز استقبال اللاجئين السوريين "مركز أمن البادية"، بحجة أنهم فقط يستقبلون العائلات، زجونا في السجن لمدة 12 ساعة وقاموا بحجز أوراقنا وسلب جواز سفري الذي يعتبر أهم وثيقة، وخاصة لمواطن بلد تنهشه الحرب ولا مجال لاستصدار أي وثيقة من جهة حكومية، وقاموا بإعادتي إلى سوريا.
مكثت قرابة الشهر في درعا، وحاولت الدخول مجددا ودخلت الأردن، لكن دون أي وثائق. بعد خرق الأردن مرتين للقانون الدولي، مرة بإعادة لاجئين سوريين إلى بلد قد يتعرضون فيه إلى التعذيب، ومرة حين حجزوا مايزيد عن ربع مليون وثيقة تخص اللاجئين السوريين.
مكثت عامين في الأردن كانت أصعب عامين في حياتي على الإطلاق، ومن جانب آخر تعرفت على أصدقاء سوريين وأردنيين خلال تلك الفترة كانوا خير أصدقاء، وجعلوا تلك الحقبة الزمنية أسهل قليلا.
إنها الأنظمة العربية! تعرفت على ذلك السمسار، مقابل 400$ قام بجلب جواز سفري من مركز حجز الوثائق السورية في الأردن "رباع السرحان".
مساء يوم السبت سلمني الوثائق، لم أذهب إلى المنزل، ذهبت مساء السبت لأبيت أمام السفارة السورية لتجديد جواز السفر، من مساء السبت إلى ظهر الخميس تمكنت من تجديد جواز السفر، والثلاثاء المقبل موعد سفري إلى تركيا. عامين كانت تكلفة عبور بلد عربي!!
الثلاثاء 16/06/2015 الساعة الواحدة ظهرًا، أشعر بشدة الخوف والإرتباك، هل سأعبر المطار أم ستقوم المخابرات بإعادتي إلى سوريا كما فعلت بالعديد من أصدقائي.
جاء نحوي أحد المسافرين السوريين وقال لي: سوري؟ ذاهب إلى تركيا من ثم إلى أوروبا؟ أجبته لا. ذاهب إلى تركيا لمقابلة عائلتي فقط، أريد الآن فقط تجازو المخابرات، أنا على نافذتهم الآن، بعد عشرات الأسئلة قام بطبع ختم المغادرة على جوازي، ابتسمت للحظة ثم سمعت صراخ زميله، إلحق بي إلى غرفة التحقيق التابعة للمخابرات في المطار، لم يبدأ التحقيق بعد! لحقت به، أجبت على جميع أسئلتهم وأخبروني أنه بإمكاني المغادرة.
غمرت الفرحة قلبي وتوجهت نحو ذلك الشاب وأخبرته نعم ذاهب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، هنا تعرفت على رفيق الرحلة "فراس أبو خليل" من اللاذقية من أشجع وأطيب الأصدقاء الذين قابلتهم.
هنا تبدأ المغامرة!
سألته كيف سنعبر البحر من تركيا إلى اليونان؟ بالتأكيد كما يعبره الجميع، نتفق مع مهرب، ينقلنا بالبلم "القارب المطاطي الصغير" مقابل 1000$ على الشخص الواحد أليس كذلك؟
قال لي: بالتأكيد لااا، سنذهب سباحة!!!!
ظننته يمزح فلم أسمع قبل أن أحدا قد فعلها. وصلنا إلى تركيا في المساء، وفي صباح اليوم التالي كنا في أزمير وأطلعني على خريطة الشاطئ والنقطة التي سوف نسبح منها إلى الجزيرة اليونانية (8 كم) "مرفق الصورة رقم 1" من شاطئ cesme إلى جزيرة chios اليونانية.
بعد سير ساعتين وسط النهار وحر الشمس وصلنا النقطة، أتطلعت عليها، تبدو قريبة، أجبته: نعم، سأسبح معك، رغم أنني لم أسبح في البحر سوى مرتين وهذه الثالثة ولكن أسبح منذ الصغر، علي فعلها، فما أملك من نقود لن يكفيني إلا إذا سبحت هذه المسافة. وعدنا إلى المدينة، أشترينا سترة النجاة والزعانف التي تساعد في السباحة وضوء ليزر والقليل من الماء والطعام، عدنا نحو نقطة الإنطلاق، وصلنا الثامنة مساءً تسللنا بين الأشجار، تلك التلة التي تبعد عن الأعين، ألقينا كل أمتعتنا ولبسنا فقط "شورت" السباحة وسترة النجاة، ربطت أوراقي ونقودي بأكياس النايلون لكي لايصلها الماء ووضعتها بحقيبة صغيرة على خصري، سأحتاج إلى حذاء عند الوصول إلى الشاطئ إن وصلت! ربطت حذائي على كتفي وحملت الزعانف، فإنها التاسعة والنصف، قد حل الظلام وحان موعد الانطلاق. كانت التلة مرتفعة وعلينا تسلق ذلك السفح لنصل إلى المياه، وصلت إلى صخرة مرتفعة قليلا عن الماء واختبئنا خلفها ليعبر مركب خفر السواحل، بعد أن ابتعد عنا نزل صديقي فراس إلى الماء وأخبرني أن الماء بارد جدا، توترت قليلا وتقدمت نحوه ونزلت إلى المياه، كانت باردة جدا، زاد توتري وزادت دقات قلبي، غمرت كامل جسدي في المياه ليعتدل مع درجة برودتها ونظرت إلى الشاطئ المقابل، كم هو بعيد وكم البحر مظلم، كانت أكبر لحظة خوف أعيشها في حياتي، أنا على مشارف الموت وآخر لحظاتي في هذا العالم.
صرخت لفراس اسمعني جيدا: لقد خططت كثيرا لرحلتك هذه لن أكون سببا في إفشالك سأسبح 50 مترا إن إستطعت المتابعة سوف أتابع ولكن إن لم أستطع اكمل طريقك وأنا سأعود، لبست الزعانف، وقامت بقلبي داخل المياه فسترة النجاة تطفو بي من الأمام والزعانف من الخلف، بدأت بالسباحة، وبدأت بالتقدم، في طريقنا يوجد جزيرتين صغيرتين مهجورات، نظرت إلى الأولى تبعد 3 كم، إن وصلت إليها لن أموت سأبقى عليها حتى الصباح وأطلب المساعدة.
نظرت خلفي ومازلت ابتعد تدريجياً عن الشاطئ ولكن مازالت الجزيرة الأولى بعيدة ولكنني أتقدم ولم أشعر بالتعب بعد.
البحر مظلم من حولي، سبحت على ظهري ونظرت إلى السماء، كانت مليئة بالنجوم ويخطها الشهاب بين الحظة والأخرى، أخبرت فراس أنها من أجمل اللحظات أو أجمل منظر مررت خلاله في حياتي. مازالت الجزيرة المهجورة الأولى بعيدة في حين ظهرت خلفها باخرة تسير ليس ببعيدا عنا، سألت فراس هل أشير بضوء الليزر لها وتقوم بإنقاذنا، أجابني أننا لم نتجاوز المياه التركية بعد، ماذا لو أعادتنا إلى تركيا، إياك بإصدار أي إشارة، مازلنا في حالة جيدة، فقط تابع السباحة.
كان فراس يمشي أمامي ويقوم بتشجيعي، فهو ابن اللاذقية وابن البحر. نعم عشرات الأمتار ونصل الجزيرة الأولى، إنها أمامنا، ولكن أصوات الطيور التي تقف عليها تملأ المكان، وبعضها بدأ يحوم فوق رؤوسنا، ربما تظن أننا جثث وتنتظر إلتقامنا، لا لن نقف على هذه الجزيرة بإمكاننا السباحة 2 كم أخرى، ونأخذ الاستراحة على الجزيرة المهجورة الثانية، تجاوزنا الجزيرة الأولى وأصبحنا بين الجزيرتين، بدأت التيارت البحرية تظهر، بعض الموجات العالية جدآ وصلت إلينا، علي التجاوب معها، لم أعد أرى فراس أمامي، للحظات شعرت بالخوف وبدأت أشعر بالتعب أيضا، عاد البحر لهدوءه والجزيرة الثانية أمامنا، مازلت الطيور تحوم فوق رؤوسنا وتظهر أصواتها من الجزيرتين.
ماهذا!!! الجزيرة الثانية عبارة عن صخرة كبيرة ومرتفعة جدا والأمواج تضرب بها ولا مجال لتسلقها أبدا ولا حتى الاقتراب منها.
تجاوزنا الجزيرة الثانية، تفاجئنا ببعد الشاطئ اليوناني!! لا حل إلا بالمتابعة، خفضنا سرعتنا وبدأنا بالسباحة ببطء لكي لاتنفذ طاقتنا، ولازال صديقي فراس بروحه الجميلة يقوم بتشجيعي على المتابعة، وعاودنا السباحة ولايزال الشاطئ بعيدا. بدأنا السباحة في التاسعة والنصف، لا أعلم الوقت الآن، أظن أنها الثانية في منتصف الليل ولازلنا نسبح، الأمواج تارة تساعدنا نحو الأمام وتارة تسحب بنا نحو الخلف وطاقتي تنفذ. ولكن! الأضواء تقترب، 1 كم متر ونصل أحياء إلى الشاطئ دون أن يبتلعنا ذلك البحر الواسع، وفي ذات تلك اللحظة، ضوء أحمر على يسارنا يقترب نحونا، هل نشير لها، فالشاطئ أصبح قربنا، سنصله لوحدنا، ولكن بعد الشاطئ إلى أين نذهب ونحن مبللين، سنشير إليهم وهم سينقلوننا إلى مخفر شرطة السواحل حيث يجب أن نذهب.
أخرجت الضوء من الحقيبة حيث وضعتة في جيبة منفصلة، أخرجته من كيس النايلون لكي لا تقربه المياه، وأشعلته وأشرت نحو تلك الباخرة لدقيقة، وإذا بها تشعل أنوارها وتسلط علينا ضوء الكشاف، وبدأت تحوم حولنا، حيث كانت تتصل بخفر السواحل، دقائق وبدأت قورابهم تتجه نحونا وقاموا بإرسال قارب صغير نقلنا إلى آخر أكبر منه، كان الجو بارد جدا، فنحنن مبللون، جائعون بعد 6 ساعات سباحة، الظمأ يقتلني من ملح البحر، سريعا قدوموا لنا المياه طلبوا التأكد من أننا سوريون، ومضوا بنا نحو اليابسة. نعم عبرنا من تركيا إلى اليونان، كانت أكثر شيء مجنون فعلته في حياتي، كانت صعبة جدا، لكن فعلناها دون دفع ذلك المبلغ لمهرب البشر، كانت ليلة عظيمة لن أنساها.
أول أثنين يصلان وحدهما إلى هذه الجزيرة، فغالبا ما يستقبلون المهاجرين بقوارب تحمل على الأقل 40 شخصاً. كانت معاملتهم جيدة في ظروف سيئة حيث أعطونا وثيقة تسمح لنا بالبقاء في اليونان لمدة 6 أشهر، حصلنا على تلك الوثيقة بعد يومين انتظار في تلك الجزيرة كيوس، لنتعرف على 6 أصدقاء آخرين، رامي ورامي أبو نذير وحمادي وجاسم ومحمود والشاغوري، قد أضافوا طعما جميل إلى تلك الرحلة، فقد أصبحنا أخوة في نهاية الرحلة، واتجهنا سوياً إلى أثينا، أبتنا ليلة واحدة في أثينا، وفي الليلة التي تلتها اتجهنا إلى مدينة تسالونيك القريبة من الحدود مع مقدونيا.
توجهنا إلى محطة القطارات، يوجد قطار يأخذنا إلى الحدود في السابعة مساءً، ولكنها السادسة صباحاً، لن ننتظر سنذهب إلى محطة الباصات ونذهب بالباص. للأسف لم يقبل موظف الباصات بأن يحجز لنا تذكرة إلى تلك المنطقة الحدودية أفيزوني لأننا غير مخولين بزيارة المناطق الحدودية بناءً على الوثيقة التي منحت لنا.
أخبرنا أنه بإمكاننا الحجز لمنطقة تدعى kilkis، تبعد 21 كم عن المدينة الحدودية، قررنا الذهاب وعند الوصول، ربما نجد وسيلة نقل أخرى أو نتابع هذه المسافة سيرا، أوصلنا الباص إلى نقطة مقطوعة، استراد دولي وسكة قطار، لا وسيلة نقل تنقلنا، وبدأنا بالسير عند الساعة الثانية عشر ظهرا على سكة القطار، تحت حر الشمس "مرفق الصورة 2" لنتفاجأ أن مسافة السير ستتجاوز ال 80 كيلو متر. وبعد عدة ساعات من السير على الأقدام، وقفنا لدقائق تحت ظل شجرة لنستريح قليلا ونأكل بعض حبات التمر، فمازلنا دون طعام من الليلة السابقة، ولا نحمل سوى بضع حبات التمر والماء الذي أصبح ساخنا.
تحت تلك الشجرة فتحت هاتفي النقال الذي مازال يلتقط إشارة الشبكة اليونانية، الكثير من الرسائل، أولا سأتفقد رسائل والدتي لأطمئنها أنني بخير، وهنا استقبلت الخبر الأسوأ في حياتي الذي قسم ظهري بأن والدي قد فارق الحياة، ما أن انذرفت دموعي وإلا برفاقي ينهضون لمتابعة السير، تابعت سيري حزينا متألما لقد أردت أن أتصل به من ألمانيا، وأخبره أنه بإمكاني اليوم متابعة تعليمي، وستراني محاميا كما أردتني، ولكن قدر الله وماشاء فعل.
مازلنا نسير ونسير، نمشي ساعتين ونرتاح عشرة دقائق، لم نصل الحدود المقدونية حتى الساعة الثالثة ليلا، لنجد مئات اللاجئين واقفين على الحدود، حيث قوات الجيش منتشرة ولاتسمح لأحد بالدخول. تكلمنا مع بعض الشبان هناك وأخبرناهم عن سيرنا على الأقدام، أخبرونا أنهم دفعوا فقط 1 يورو فوق سعر التكت للموظف ليحجز لهم سريعا في ذلك القطار، ونحن قد أذاب السير أقدامنا فقد بدأ الدم يسيل من أسفل أقدام جميع أفراد مجموعتنا، ذلك يعود للسير على أحجار سكة القطار فلا طريق آخر كان لدينا.
لكن القصة لم تنتهي هنا علينا دخول مقدونيا، ترجل فراس مرة أخرى بعد سباحة البحر، ليقودنا عبر ال "جي بي أس"، برنامج الخرائط، ونتابع سيرنا بين الغابات لنلتف خلف الجيش ونعبر الحدود وندخل مقدونيا. سرنا خلفه نحو 200 شخص، يتضمنهم نساء وأطفال وبعد 8 ساعات سير وصلنا الضيعة المقدونية جفجيليا ودخلنا مخفر المدينة لنأخذ وثيقة طرد من البلاد مدتها 3 أيام واستخدام المواصلات العامة، كان ذلك بعد أن وافقت الحكومة المقدونية على إعطائها لللاجئين بعد ضغوط ومظاهرات شعبية على ما كان يواجهه اللاجئون في غابات مقدونيا من تعرض لمسلحين ومشلحين والشبح الكبير سجن غازي علي بابا.
أخذنا تلك الوثيقة واتجهنا نحو العاصمة المقدونية سكوبيه، وكنت قد حجزت بفندق على الإنترنت، ذهبنا إليه مباشرة، دخل إليه رفاقي، وذهبت إلى أقرب صيدلية لأجلب لهم كريمات وأدوية تساعد جراح أقدامهم بالشفاء.
في اليوم التالي الساعة الواحدة ظهراً وجهتنا من محطة الباصات إلى مدينة كومنوفو القريبة من حدود صربيا.
نزلنا بها واتجهنا إلى محطة القطارات القريبة لنحجز إلى النقطة الحدودية، ولكن كانت محطة القطارات شبه مهجورة، وموعد قدوم القطار في الحادية عشر ليلا، لم ننتظر، خرجت للبحث عن سيارتين تاكسي تنقلنا إلى الحدود، وجدت واحدة نقلتنا على دفعتين إلى المعبر المقدوني-الصربي الرسمي، واتجهت نحوهم، ولكن لم يسمحوا لنا بالعبور وأشاروا لنا إلى الطريق الترابي الذي نسلكه نحو صربيا. سلكنا ذلك الطريق، تجاوزنا نهرا صغيرا ومشينا على يسار السكة الحديدية لمدة ساعة واحدة، لنجد الجيش الصربي منتشرا أيضا على الحدود، هناك ثلاثة دوريات أمامنا، 300 مترا بين الواحدة والأخرى، إقتربنا بهدوء، وأتفقنا على الجلوس حتى غياب الشمس وحلول الظلام، لنقوم بتجاوزهم. ساعة واحدة من الانتظار حتى حل الظلام، بدأنا بالزحف واحدا تلو الآخر، دوريات الشرطة كانت على يمينا ويسارنا، وفجأة يبدأون بالصراخ: بوليس بوليس، لا.قد قبض علينا! وإذ بأحد أصدقائنا، يتسارع نحونا، ويخبرنا أنهم قد لاحظوا مجموعة آخرى غيرنا وركضدوا نحوهم وامسكوا بهم، إنها فرصتنا، تابعنا السير وقد ابتعدنا عنهم، وعبرنا الحدود، لقد كانت كمعجزة.
الأرض وعرة يملئها الوحل لم نهتم وتابعنا المسير على السكة الحديدة مجددا، لنصل محطة القطار في ثالث قرية صربية عند الساعة 11 ليلا، بعد 5 ساعات من السير على الأقدام، وكان القطار سيتجه نحو العاصمة بلغراد بعد نصف ساعة.
لن يقوموا بالحجز لنا دون الذهاب إلى مركز الشرطة في المدينة واخد ورقة طرد لمدة 72 ساعة وعلينا الانتظار من يوم الى ثلاثة أيام للحصول عليها. ظهر شاب تونسي قال لي بانه سيقوم بالحجز لي عبر وثيقته فابتسمت له، نعم انا متشكر لك، ولكن ذلك ليس بالمجان قال لي، مقابل 10 يورو، لا بأس ظننت اننا نعيش نفس المعاناة وستعيننا بالمجان لا مشكلة خذ النقود واحجز لنا ثمانية تذاكر، عند قدوم القطار تفاجئنا ان تذكرة القطار لن تكفي لأن الشرطة وقفت على باب القطار، ذهبت وأخبرتهم أننا لانحمل تلك الوثيقة، فقد وصلنا للتو على موعد القطار، لم يقبلوا بذلك، صعد الجميع الى القطار وذهب، وبقينا نحن الثمانية، وبعد ذهاب القطار بلحظات جاء أحد عناصر الشرطة، أخبرنا أنه بإمكاننا الذهاب بالقطار التالي بعد ثلاث ساعات، بإمكانكم النوم بالقطار الآن الى حين موعده "مرفق الصورة رقم 3".
في اليوم التالي نحن في العاصمة بلجراد ولكن لا يوجد فندق يستقبلنا دون تلك الوثيقة قرب محطة الباصات، ولكن أحد سائقين التكسي بالقرب من المحطة نقلنا الى فندق، يبعد نصف ساعة عن المحطة، كان ذلك الفندق بتكلفة مرتفعة وبجودة سيئة جدا.
مكثنا ثلاثة أيام في ذلك الفندق نخطط لعملية عبور هنغاريا دون التعرض الى بصمة اللجوء، التي تجبر هنغاريا جميع العابرين الذين تلقي القبض عليهم على البصم والتقدم بطلب اللجوء لها، رغم انها لا تملك مقومات وميزات اللجوء التي تنص عليها أتفاقية دبلن، من يود الذهاب الى ألمانيا لا مشكلة ف ألمانيا تتغاضى عن هذه البصمة وتمنح حق اللجوء، بسبب سوء المعاملة في هنغاريا أما باقي الدول فلا تتهاون بهذه البصمة وتقوم بترحيل اللاجئين الباصمين في هنغاريا اليها، وذلك سيكون عقبة على معظم أعضاء مجموعتنا فمنهم من تنتظره عائلته في بلجيكا و السويد فذلك دفع بعض الأصدقاء للذهاب مع مهرب بتكلفة 1500 يورو على الشخص الواحد ليقطع بهم هنغاريا نحو النمسا.
بقيت لوحدي مع اثنين آخرين فلا نملك تكلفة الذهاب مع المهرب، وفي اليوم الثالث إتجهنا نحو محطة الباصات، وقمنا بشراء تذاكر الى مدينة كنجيزا القريبة من حدود هنغاريا، وقبل الوصول بدقائق، أوقفتنا الشرطة الشرطة الصربية وكان قد بقي 15 راكب في الباص، جميعهم سوريون وأثنين جزائريين، صعد أحد عناصر الشرطة الى الباص، وسار بنا الباص لمدة 5 دقائق واوقفنا في نقطة، أنزلنا بها وذهب الباص ووقفنا مع عناصر الشرطة واخبرونا: من يدفع يمشي، أرادوا 10 يورو على الشخص، دفعناها وأشاروا لنا أن نسلك هذا الطريق نحو هنغاريا نحو مدينة سجد الهنغارية.
كانت مسافة السير 7 ساعات وبين ساعة وآخرى تمر سيارات الشرطة الهنغارية، ونهرب منهم ونختبأ في الغابة، ثم نتابع، وفجأة ركض نحونا بعض عناصر الشرطة وألقوا القبض على بعض منا ونجوت أنا وبضعة آخرين، في الساعة الرابعة صباحاً نحن قرب مدينة سجد، الجميع القى حقائبه وبدل ثيابه ودخل المدينة، قررت البقاء حتى السابعة صباحاً ومن ثم ادخل انا والاثنين الآخرين، بعد الجلوس للحظات ومن شدة التعب غرقنا في النوم وسط الغابة التي تملأها الحشرات واستيقظت في الساعة السابعة والنصف صباحا، أيقظت أصدقائي، ألقينا جميع اغراضنا وبدلنا ثيابنا بثياب لا تدل على اننا مهاجرين، فدقائق وسندخل المدينة بحثاً عن سيارة تكسي. ها نحن الآن داخل المدينة، بعض المزارعين ينظرون إلينا، زحمة السيارة ليست بعيدة، نحن باتجاهها، نعم على طرف الطريق توجد سيارة أجرة، 20 مترا ونصل إليها وننجو من الشرطة التي ظهرت فجأة ووصلت إلينا قبل وصولنا لسيارة التكسي. أصعدونا سيارتهم وأخذوا بنا الى مركز إحتجاز للمهاجرين، وعلى الطريق أخبروني أنهم تلقوا خبرا من طائرتي الإستطلاع وقناص انهم لاحظوا خروجنا من الغابة وجائوا للقبض علينا.
بعد ساعتين من الإنتظار في مركز الإحتجاز، قاموا بنقلنا الى العاصمة بودابيست، الى مركز الهجرة والأجانب، واعطونا خيارين إما ان نبصم بصمة جنائية وياخذوننا الى السجن لمدة شهر ويعيدوننا الى صربيا بعدها، او نتقدم بطلب لجوء ونبصم ويخرجوننا بنفس اليوم. إن لم أبصم سأضيع شهرا في السجن وأعود إلى صربيا ومن ثم سأعيد نفس المحاولة التي تبلغ فيها نبسة النجاح أقل من 10% بسبب التشديد الكثيف للسلطات الهنغارية على الحدود، ولا أملك أيضا 1500 يورو لأدفعها للمهرب الذي لا يضمن لي أن لا يقبض عليي وأعود لنفس الخيار والبصم.
قررت أن أبصم ولكن وضعت مادة الألتكو على أصابعي قبل البصم وبالفعل لم تظهر بصماتي نهائيا على الجهاز ولكن لا مجال للتذاكي فأجبروني على تنظيفهم حتى ظهرت بصماتي، وفي ذات اليوم الساعة واحدة ليلا قاموا ب إخراجنا، ذهبت لفندق أمضيت الليلة، وفي اليوم التالي ذهبت لأقرب مطعم وأستخدمت شبكة الإنترنت للتواصل والبحث عن سيارة من بودابيست ل ألمانيا. اتفقت مع سائق ب 500 يورو على الشخص، كنا 11 مهاجر، وبعد ساعة ونصف من الإنطلاق عبرنا هنغاريا الى النمسا، وبعد ساعتين نحن في ألمانيا، أمتار قليلة في ألمانيا حتى تجاوزتنا سيارة شرطة وأشارت لنا بالوقوف، قاموا بإعتقال السائق بتهمة نقل مهاجرين غير شرعيين، وتقدموا نحونا وسألوا: هل أنتم سوريون، نعم جميعا، "أهلا بكم في ألمانيا"، كانت إبتسامتهم وترحيبهم مريح جدا، نقلونا الى مركز أمني، اخذوا بصماتنا و أعطونا عنوان كامب ل نذهب آليه ولكنني ذهبت الى هامبورغ المدينة التي أحبها، والتي تتغاضى عن بصمة هنغاريا، وهناك نقلونا الى كامب بوشتد قرب هامبورغ والوضع فيه جيد جدا.
أخيراً أنا في ألمانيا 01/07/2015، أنتظر الحصول على تصريح الإقامة لأبدأ بتعلم اللغة ومتابعة تعليمي مجدداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.