فى ما يتعلَّق بالحراك الشبابى الأخير مع حركة «طلعت ريحتكم» يمكن القول إن هذا الحراك نهض من بين أكوام النفايات المتجمعة فى بيروت وضواحيها نتيجة إهمال الحكومة وتغاضيها عن إيجاد حل لفرز وإعادة تدوير النفايات بما يسمح الاستفادة منها فى توليد الكهرباء أو إعادة إنتاج مواد مفيدة. هذه المشكلة ظهرت واضحة بهذا السفور أخيرًا فى آخر قائمة المشكلات التى يعانيها المواطن اللبنانى نتيجة سياسة المحاصصة بين أقطاب المشهد السياسى، خصوصًا أن العامل الطائفى يلعب دورًا كبيرًا فى صياغة السياسات حتى الخدماتية فى لبنان، بمعنى استغلال الطائفية والمذهبية فى التحريض والاستفزاز وصولًا إلى تحقيق كل طرف مصالحه الاقتصادية وقدراته السياسية على ظهر الناس الذين يستسلمون كليًّا ل«أفيون الشعب». ما يهمنا هو الحراك الأخير الذى دعت إليه «طلعت ريحتكم»، والذى بدأ ببضعة شبان متحمسين للتغيير، رافعين شعار التحدِّى ضد كل الزعامات الطائفية، فى محاولة لإيقاظ الشعب من كبوته واستسلامه للطبقة السياسية الفاسدة بفعل الولاءات الطائفية للمراجع السياسية والدينية. وما حصل فى اليومَين الأخيرين من انحراف الحراك الشعبى عن هدفه هو هذه الرواسب المتراكمة فى قاع معظم اللبنانيين، حيث لا مجال للنيل من زعيم طائفى هنا أو إقطاعى هناك أو رجل مال هنالك، وهنا لعبت القوى السياسية التى تدير اللعبة فى الخفاء بتحريض جماعة رئيس الحكومة على حركات من مذهب آخر، متهمين أنصار نبيه برى وحسن نصر الله بأنهم هم مَن يقفون وراء تشويه التحرُّك، أول من أمس، وتحويله إلى حالات شغب بهدف النيل من موقع رئاسة الحكومة السنى. لذلك لاحظنا ظهور مواقف تدافع بقوة عن «رمزية» رئيس الحكومة، وصولًا إلى غلق طرقات قال مفتعلوها إنهم تلقّوا أوامر من سعد الحريرى للقيام بذلك. ومن شأن هذه اللعبة القذرة التى ستتكرر مع «رمزية» رئاسة مجلس النواب و«قداسة» المقاومة إلى تحريض مقابل ودعوة لحماية هذين المقامين من هجوم سنى مفترض، وفى الأخير يتم لهذه القوى التى تظهر أمام الجمهور بأنها قوى متصارعة سيطرتها أكثر على البلاد وتحكمها بتفاصيل المشهد السياسى، حيث يصبح الحراك المستقل مجرد مجموعة شغب تحاول تحويل لبنان إلى سوريا أخرى أو عراق آخر. هذا التصوير للشريحة التى تريد التمرد على «مقدسات» السياسة والطوائف فى لبنان، ينتهى بلقاء القوى والأقطاب الحاكمة لتبادل الأنخاب احتفالًا بانتصارها على قوى التغيير الديمقراطى الحقيقى، وفى الوقت نفسه باحتفاظها بما سرقته من أموال الشعب وممتلكاته لتضيف إليه الأضعاف. هذه هى باختصار اللعبة التى نخاف منها كشباب يؤمن بالتغيير السلمى والقضاء على الطاقم السياسى الحالى. معمر عطوى - صحفى لبنانى