تحولت تطبيقات التواصل الاجتماعي، من أداة للتواصل، إلى مسرحًا لجريمة إلكترونية جديدة، لا تقل بشاعة عن جرائم الخطف والاغتصاب، والقتل. التحرير قررت أن تكشف في مغامرة صحفية، عن واحدة من أخطر الجرائم الإلكترونية في مصر، وهي "الابتزاز الجنسي"، والتي تتم عن طريق شبكات إجرامية، تخصص عناصرها في استدراج وابتزاز، ضحاياهم من الشباب. البداية كانت بمساعدة بعض ضحايا تلك الشبكات، فبعضهم لازال يعرف حسابات تلك الفتيات، وربما يحتفظ بروابط حسباتهم الإلكترونية، حتى لايقع فريسة لعملية ابتزاز جديدة. قمت بإنشاء حسابي وهمي، على أحد مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ثم أرسلت لبعضهن طلبات إضافة لقائمة الأصدقاء لدي، وبالفعل وافقوا، ثم بدأت حديث تعارف مع أحداهن تدعى (م ، ن)، عن طريق الدردشة الكتابية، ودار بيننا حديث استمر قرابة الساعة، سألتني في البداية عن طبيعة عملي، وحالتي الاجتماعية، فأوهمتها أنني متزوج ولدي طفلة، ولدي دخل شهري متوسط، كانت تتحدث بلهجة تجمع بين المصرية والشامية، وزعمت أنها من أب مصري وأم لبنانية، وأنها مطلقة وتعيش بمفردها بشقة تمتلكها بمنطقة جاردن سيتي، كانت تتحدث بثقة، ولديها معلومات دقيقة عن وصف تلك المنطقة وأشهر المحال والفنادق بها. الابتزاز تتم عن طريق مجموعات مُنظمة وفتيات يعملن وفقاً لخطط شديدة الدقة أكدت لي في البداية أنها صحفية وشاعرة، وتعَمل بمجلة أسبوعية، وتطرقت للحديث عن الوسط الصحفي، وطبيعة عملها بعدد من الصحف المعروفة، كما ذكرت أسماء بعض الصحفيين وأدعت معرفتها الجيدة بهم، وأنها كانت تربطها علاقات عاطفية ببعضهم، تابعت حديثها عن الوسط الصحفي بطريقة تنُم عن محاولتها توصيل رسالة اطمنئان لي، كي استمر في الحديث معها. كنت أتابع دردشتي الكتابية معها، وأنا أتصفح المعلومات التي دونتها على صفحتها الشخصية، فوجدتها متطابقة لما ذكرتهُ في حديثها معي، وهو ما يؤكد حرصها على دقة المعلومات التى تدلي بها أثناء حديثها مع الضحايا.
مكالمة مُسجلة طلبت مني أن نستكمل حديثنا عبر أحد البرامج التي تسهل الدردشة المرئية (فيديو)، فتهربت منها، و تعللت بأن كاميرا "اللاب توب" بها عطل، ويصعب تشغيلها، و وعدتها بشراء واحدة جديدة غداً. كان هدفي، معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات حول نشاط تلك الشبكات، وطريقة وخطوات استدراج وتعامل تلك الفتيات مع الضحايا، ولذلك كنت أحاول المماطلة وتأجيل مكالمة الفيديو بقدر المستطاع، لأنني أعلم أن تلك المكالمة المرئية ستكون بداية الفصل الأخير، من مُهمتها ومغامرتي أيضاً. ضحايا هذا النوع من الإبتزاز، والذين تحدثت إليهم أخبروني أن تلك الفتيات غالباً ما يرفضون الحديث هاتفياً، دون أن يوضحوا سبب رفضهم، غير أنني نجحت فى إقناع إحداهُن، أن نتحدث هاتفياً. الفتيات "مثقفات" ومُدربات على استدراج الضحايا وابتزازهم اتصلت بها وأجريت مكالمة قصيرة - تم تسجيلها بمعرفتي- كانت حريصة خلالها على أن تظهر في صورة الفتاة "الثرية" الملتزمة، وواصلت حديثي معها، وأنا مُتعجب من قدرتها الكبيرة على التواصل وخرق الحواجز بيننا، وبراعتها في إدارة جلسة التعارف، فكانت تتحدث بتلقائية وكأنها تعرفني منذ سنوات، ومثقفة لدرجة أزهلتني. بَدأت تًحدثني بصوتٍ هاديءٍ وطريقة أكثر نعومة وهي تسألني عن مقر عملى وعنوان منزلي، وحساباتي المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت حريصة على معرفة تلك المعلومات بأدق التفاصيل، فهي تخطط لاستخدامها فيما بعد كوسيلة للضغط على ضحيتها، وكلما اتسعت دائرة معارف وأقارب وأصدقاء الضحية، كانت عملية الإبتزار تتم بشكل أسرع وأكثر سهولة. وبدون مُقدمات، انتقلت للحديث عن علاقتي بزوجتي وتفاصيل العلاقة الحميمة بيننا، كانت تتحدث بنعومة مُصطنعة، وجرأة تصل إلى حد الوقاحة، فحديثها لم يخلى من التليمحات والإيحاءات الجنسية الفجة، أخبرتها أن هناك خلاف بيني وبين زوجتى، وعلى أثره تركت المنزل وتعيش مع أسرتها منذ شهور.
صديقة المُحتالة مرت ساعات قليلة وفوجئت باتصال من رقم مجهول وفتاة لا أعرفها، عقارب الساعة وقتها كانت تشير الثالثة فجراً تقريباً، أخبرتني الفتاة، بأنها صديقة "م"، وتقيم معها بشقتها، بشكل مؤقت، وأن الأخيرة صارحتها بحديث التعارف الذي دار بيينا، وأكدت لها أنها تتمنى صداقتي، وتنتظر مقابلتي في أقرب وقت، وعَلقت في نهاية حديثها، "خد بالك، أنت محظوظ عشان "م" معجبة بيك، دير بالك عليها". لم يستغرق حواري مع صديقتها أكثر من دقائق، ثم التقطت "م" الهاتف من صديقتها المزعومة، لتذكرني بأنها تنتظر رؤيتي غداً عبر الكاميرا، ولن تقبل مني أي أعذار إذا خالفت وعدي. وفي مساء اليوم التالي، اتصلت بي، ودار بيينا حوار عبر الهاتف استمر لدقائق، واطمئنت أنني قمت بشراء كاميرا جديدة، ومستعد لإجراء محادثة مرئية، وبالفعل، قامت هي بتشغيل الكاميرا أولاً، فوجدت شاشة مظلمة بعض الشيء، غير واضحة، ربما هي تتعمد ذلك، وأن هذه الفيديوهات "جاهزة" تم تسجيلها مسبقاً، وتستخدم لأكثر من مرة، بعدها ظهرت فتاة ملامحها ليست بعربية، قريبة إلى الأوربيات، شبه عارية، تجلس أمام الكاميرا وتتحدث وهي تبتسم، وطالبتني عبر الدرشة الكتابية، بتشغيل الكاميرا. مرت لحظات وقمت بتشغيلها، وتخفيض إضاءة الغرفة، وكنت أتعمد تشويش الصورة بتوجيه الكاميرا، إلى ركناً مظلماً بالغرفة بين الحين والآخر، ثم أغلقتها وقمت بإعادة تشغيلها على مقطع فيديو لأحد ضحايا شبكات الإبتزاز، يُظهر شاباً يجلس أمام شاشة الكمبيوتر ويتحدث مع فتاة وهو يخلع جزء من ملابسه، وكنت حريص على الظهور في بداية المحادثة وأنا أرتدي نفس ألوان الملابس التي كان يرتديها الشاب الذي يظهر بالفيديو، ولذلك قمت بتخفيض مستوى الإضاءة، حتى لا تظهر ملامح وجهي بوضوح، واستمرت هي بحديثها "الوقح"، والذي انتهى بعد دقائق، بدعوة صريحها منها لممارسة الجنس عبر الكاميرا، كانت تقوم بتسجيل مقطع الفيديو الذي قمت بتشغيله، اعتقاداً منها بأنني الشاب الذي يظهر في الفيديو وهو يخلع ملابسه، وكنت أنا أيضاً أقوم بمهمتي وأسجل المحادثة، ربما هذه هي المرة الأولى التي تؤدي فيها تلك "المُحتالة" دور الضحية دون أن تدري. تابعت حديثها معي لدقائق، ثم قامت بإغلاق المحادثة، واتصلت بي في اليوم التالي، لتبدأ عملية الإبتزاز، حيث أخبرتني أنها قامت بتصويري وأنا أخلع ملابسي أثناء حديثي معها، وأنها سترسل نسخة من هذا الفيديو إلى منزلي ومقر عملي، وسوف تقوم بنشره على صفحتي الشخصية، وبعض صفحات أصدقائي، إذا رفضت إرسال مبلغ 3 ألاف دولار عبر أحد الحسابات البنكية خارج مصر، كان هذا آخر حديثي معها، وقمت بعدها بغلق هذا الحساب الوهمي.
ضحايا الإبتزاز خلال حديثي مع ضحايا عمليات الإبتزاز، تأكدت أن هذه الفتيات يتبعن نفس الخطة والأسلوب في استدراج الضحايا، وأنهن جزء من شبكة يديرها محترفون، وكان هذا واضح، من خلال وصف الضحايا لتلك الفتيات وأسلوب حديثهن، فضلاً عن مراجعة أرقام هواتفهن المستخدمة، وتوقيتات المكالمات التي كانت تدور بين الضحايا وهذه العناصر. "أحمد . ع"، أحد الضحايا، أكد ل"التحرير"، أنه بدأ الحديث مع أحدى الفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وأوهمته أنها لبنانية وتعيش بلندن، وتقضي أجازتها بمصر، وتابع: تطور الأمر بيننا سريعاً، وبدأت تحدثني بشكل يومي، ولاحظت أن معظم الموجودين لديها بقائمة الأصدقاء من الصحفيين والقضاة ورجال الأعمال. أما (حسين.ع)، فأكد أنه رفض عملية الإبتزاز والمساومة من بدايتها، معلقاً، "هددتها أني مش هدفع فلوس، ولو نشرت الفيديو مش هسيبها، حتى لو الأمر كلفني أضعاف المبلغ الذي طالبتني بدفعه"، وتابع، أوهمتها أن أخي يعمل بأحد الجهات السيادية وقادر على ملاحقتها عن طريق ال "ip"، (العنوان الخاص بكل مستخدم لشبكة الإنترنت)، حتى أنها بدأت في تخفيض المبلغ المطلوب، من ألفين إلى ألف دولار فقط، إلا أنني رفضت في النهاية، وأكدت لها أنني لن أدفع مليماً، ولن أخضع لابتزازها. مساعد وزير الداخلية : نعيش عصر "التثبيت الإلكتروني" اللواء محمد عبد الواحد، مساعد وزير الداخلية ومدير إدارة البحث الجنائي بإدارة المعلومات والتوثيق، يؤكد أن الجريمة الإلكترونية بمفهومها الأكاديمي، هي كل عمل إجرامي يضر بالغير من خلال شبكة المعلومات الدولية، وتسمى ب "الجريمة المعلوماتية" أيضاً، وتحتاج إلى أساليب خاصة فى التتبع ومعرفة الجانى وهى لا تلتزم بأي زمان أو مكان وتعتبر جريمة سواء ارتكبت من جهاز الحاسب الآلى أو بواسطة أجهزة آخرى.