يستمر الحر القاتل حتى نهاية هذا الشهر. وقد وصل عدد ضحايا الحر مؤخرا إلى 78 وفاة و1507 مصابين. ومع التعرض للشمس وارتفاع درجة حرارة الجسم وقلة إفراز العرق نتيجة للرطوبة المرتفعة قد يعانى المتضررون من الشعور بالهبوط وقلة إفراز البول، وقد يصاحبه قىء وإسهال مختلط بالدماء، وأحيانا تشنجات أو غيبوبة، وهى أعراض «ضربة الحرارة» أو «ضربة الشمس». وتصل درجة حرارة الجسم عند المصابين إلى 40 - 42 درجة مئوية (من الشرج)، وهى أعلى من درجة الحرارة العادية (37 درجة مئوية)، كما يصل النبض إلى 150/ الدقيقة والتنفس 60/ الدقيقة، مع ظهور لون أزرق بالشفتين. كما قد يصل الأمر إلى تضرر أعضاء الجسم، ومنها الرئتان والقلب والكبد والكليتان والبنكرياس والدم والمخ. وذلك نتيجة لعدم قدرة الجهاز العصبى والمخ على تنظيم حرارة الجسم نتيجة لزيادة الحمل الحرارى وارتفاع درجة الحرارة المستمر وتناقص إفراز العرق. ويعانى من ذلك بصورة خاصة المسنين والأطفال والمصابون بأمراض القلب، ومرضى السكرى، ومن يعانون من سوء التغذية. ويعانى أيضا كل من لا تتوفر له وسائل تخفيف درجة الحرارة والتهوية وتوفر أماكن ظليلة وحدائق وأماكن مفتوحة ومياه نظيفة ومشروبات مرطبة. كما يزداد التأثير مع الإجهاد وقلة النوم وبذل مجهود عضلى تحت الشمس، وارتداء ملابس ضيقة وأغطية رأس لا تسمح بالتهوية (خاصة المصنوعة من الأقمشة الصناعية). ولذلك يستحسن الإكثار من شرب الماء والعصائر الباردة خصوصا عصير الليمون، وارتياد الأماكن جيدة التهوية، وتفادى المشى لمسافات طويلة، واختيار الجانب الظليل للمشى، وتفادى التعرض للشمس وارتداء ملابس قطنية فضفاضة، وتناول وجبات خفيفة. كما يستحسن حماية الرأس، وفى حالة إصابة شخص بضربة الحرارة يجب إسعافه بسرعة ونقله إلى الظل وتوفير التهوية مع رش الجلد بالماء والتخلص من الملابس الضيقة الخانقة ووضع أكياس ثلج فوق الرأس والعنق حتى يتم إسعافه طبيا ونقله للعلاج. ومع استمرار درجات الحرارة العالية والرطوبة المرتفعة سنحتاج إلى ثقافة بيئية جديدة خاصة بالمبانى وتخطيط المدن. وللأسف يعتمد تصميم المساكن والمدن على نماذج غربية أوروبية، التى تم ابتكارها لتتلاءم مع جو بارد جاف، على عكس المناخ الحار فى مصر والبلاد العربية. ولذلك يتحتم على المعماريين أن يشرعوا فى دراسات الكتلة الحرارية بالمساكن واستخدام حلول مبتكرة التى قد ينجم بعضها من دراسة العمارة التقليدية والتاريخية قبل غزو النماذج الأوروبية خاصة الأبراج السكنية واستخدام الزجاج فى الوجهات والاعتماد على التكييف الصناعى ومع ازدياد موجات الحر وارتفاع أسعار الكهرباء والوقود فلا بد من الإسراع فى إيجاد حلول بيئية غير مكلفة وقليلة الاستهلاك للطاقة. وهناك تجارب العمارة البيئية لحسن فتحى مع اعتبار الأسس التى تقوم عليها هذه العمارة واستخدامها بالمواد المتاحة وحسب المتطلبات المجتمعية. سنحتاج إلى ذلك وما هو أكثر من ذلك لمواجهة التغير المحتمل فى درجات الحرارة، التى ستصل فى القاهرة إلى 41 درجة مئوية الأحد 16 أغسطس. وكانت قد وصلت إلى هذه الدرجة فى مايو من العام الماضى. وفى أمريكا يستخدم مقياس للحرارة المحسوسة Heat Index أو RealFeel يأخذ الرطوبة فى الاعتبار، وتعادل 32 درجة مئوية على هذا المقياس عند درجة رطوبة نسبية Relative Humidity عالية وهى درجة الإحساس بالحرارة 41 درجة مئوية، وتعتبر على هذا المقياس. لا يقتصر الأمر على مصر، فالمنطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط تعانى من ارتفاع هائل فى درجات الحرارة والرطوبة. ففى عام 2003 أدى ارتفاع درجات الحرارة فى شمال فرنسا بعد أن استمر الطقس الحار لمدة 3 أسابيع فى أغسطس إلى وفاة 15.000 شخص معظمهم من كبار السن. أما فى إنجلترا فوصل عدد الوفيات إلى 2000 شخص فى مدة 10 أيام فى شهر أغسطس. وعلى أساس ذلك قامت إنجلتراوفرنسا وإيطاليا بوضع خطة قومية للحفاظ على الصحة من الحر HHWWS Heat Health Watch Warning System اعتمادا على أبحاث عن علاقة الطقس بالأضرار التى تؤدى إلى الوفاة. وتشمل الخطة مراقبة الأحوال الجوية وإخطار الناس بدرجة الخطورة على أساس درجة الحرارة القصوى نهارا والأدنى ليلا. وتم تحديد 4 مستويات من الخطر. أول مستوى عند 27 - 32 درجة حرارة مئوية محسوسة يستلزم الاحتراس، والمستوى الثانى عندما تصل إلى 32 - 41 يستلزم الاحتراس الشديد لاحتمال الإصابة بضربة حرارة. وعند 41 - 54 نصل إلى مرحلة الخطر. أما عند فوق 54 درجة حرارة مئوية محسوسة فالوفاة من ضربة الحارة أكيدة. ذلك مع العلم بأن التأثُر بالحرارة يعتمد على الظروف المحلية، والوقت، ومدة استمرار الحر. كما أن الإحساس بالحرارة يعتمد على التأقلم. كما أن هناك اختلافا فى موسم الصيف، لأن الجسم يتأقلم بعد مدة. ما أحوجنا إلى منظومة قومية للوقاية من الحر، لا تقتصر على تنبيه المواطنين، لكن تلزم كل أجهزة الدولة المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة ومنها الاستعداد الكافى بالمستشفيات، وتوفير المياه والكهرباء، والاهتمام الخاص بكبار السن والمرضى والأطفال، وخاصة أطفال الشوارع، والمساجين. كما تشمل الاستعدادات القطاع المدنى والاستعانة بالمتطوعين، وإعداد أكشاك إسعافات أولية، وتوفير أماكن محددة وتجهيزها كمأوى من الحر، وتوفير خط تليفونى للإسعاف، والقيام بزيارات تفقدية على المسنين والمرضى، وتنبيه العائلات على الاهتمام بهم، والامتناع تماما خلال هذه الفترة عن قطع الكهرباء أو المياه لعدم تسديد الفواتير.