عقب لقاء وزير الخارجية الإيطالى باولو جينتيلونى مع نظيره السعودى عادل الجبير فى روما، قال جينتيلونى بشأن الأزمة السورية «أنا أريد أن أصدق أن إيران ستساعد فى البحث عن حلول»، غير أن موسكو فهمت العبارة بطريقتين. الأولى «التسوية السورية يجب أن ترعاها روسيا وأمريكا وإيران والسعودية». والثانية، «أن روسياوالولاياتالمتحدة والسعودية وإيران يجب أن يسهموا فى حل الأزمة السورية». هذه الصيَغ والسيناريوهات اقترنت بمبادرات نسبتها موسكو للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مؤكدة أنها محط اهتمام العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن. ومع ذلك لا أحد يسمع بأى ردود أفعال على تلك المبادرات و«التباديل والتوافيق» التى تطلقها روسيا بين الحين والآخر. وفى الوقت نفسه تسعى موسكو لتصوير أى لقاءات أو زيارات سعودية على أنها بشأن الأزمة السورية، وأن الرياض قاب قوسين أو أدنى من الاتفاق مع موسكووطهران وبعض العواصم الأخرى للموافقة على طروحات الكرملين أو الخارجية الروسية لحل الأزمة السورية. إن روسيا تسعى إلى شكل من أشكال خلط الأوراق وتوسيع حملات إعلامية تعتمد إما على تصريحات منقوصة ومقتطعة من سياقها، تهدف فى مجملها إلى محاولة دمج إيران فى المنطقة عبر إشراكها فى مكافحة الإرهاب رغم التناقضات المنهجية والعقائدية والسياسية المتعلقة بتصرفات طهران، وكذلك المماطلة فى الملف السورى لإطالة عمر النظام فى دمشق. لكن الأكثر إثارة للدهشة أن كلا من موسكوودمشق تركزان على فشل كل السيناريوهات الأمريكية والتركية فى سوريا، وتؤكدان أن برنامج تدريب ما يسمى ب«المعارضة المسلحة المعتدلة» قد فشل فشلا ذريعا. وهو ما نرى عكسه تمامًا على أرض الواقع. إذ قتل 11 شخصًا وأصيب 46 آخرون بجروح، يوم السبت 8 أغسطس الحالى، جراء قصف دمشق بقذائف صاروخية. وهو ما يعنى أن النظام السورى لا يسيطر حتى على دمشق وضواحيها، أو فى أحسن الأحوال تتقلص مساحات سيطرته على الأرض بشكل لافت. ومع ذلك تروج موسكو لفشل البرامج الأمريكية، وفى الوقت نفسه تطلق تصريحات حول وجود تفاهمات مع واشنطن لتسوية الأزمة السورية. ولكن الإدارة الأمريكية لا تبدى أى ردود أفعال على ما تروج له موسكو، أو تؤكد تمسكها بنهجها فى سوريا، وبخاصة بعد الشروع فى تنفيذ عمليات عسكرية نشطة من قواعد حلف الناتو فى تركيا، أو تنفيذ هجمات بالطائرات دون طيار على الأراضى السورية. المدهش أن موسكو، ورغم ما تروج له من تفاهمات روسية - أمريكية بخصوص سوريا، تعود للإدلاء بتصريحات حول المعايير المزدوجة، وضرورة تشكيل أحلاف واسعة لمكافحة الإرهاب. فقد قال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف إن موسكو تصر على ضرورة التخلى عن ازدواجية المعايير من أجل المكافحة الفعالة لتنظيم داعش، وتقييم الرئيس السورى بشار الأسد ك«شريك». وأوضح أنه بحث مع جون كيرى القضايا المتعلقة بما يسمى بمبادرة الرئيس بوتين الخاصة بضرورة تشكيل جبهة موحدة لمحاربة «داعش»، مؤكدًا أن دمشق مستعدة للمشاركة فى الجهود الدولية لمكافحة التنظيم. الجميع يعرف جيدًا أن الولاياتالمتحدةوتركيا تعملان على تفجير الأوضاع فى سوريا. ولكن ما هو بالضبط الموقف الروسى؟ وماذا تريد كل من طهرانودمشق من موسكو؟ ولماذا خفت التصريحات الحادة بين واشنطنوطهران فى الفترة الأخيرة؟ ولماذا توقفت إيران تقريبا عن الإدلاء بأى تصريحات حول ما يجرى فى اليمن؟ كل هذه التساؤلات تعكس تحولات جديدة، ربما لا تتعلق بتسوية الأزمة السورية، بقدر ما تتعلق بإعادة صياغة منطقة تفرض إيران نفسها فيها كلاعب رئيسى. وهو ما يعبر عن رغبة ضمنية لكل من موسكووواشنطن رغم اختلاف العديد من الأهداف، واتفاق البعض الآخر، وبخاصة فى ما يتعلق بتسليح المنطقة وتوسيع مصالح شركات السلاح، ومحاولات إجراء اختراقات اقتصادية بالنسبة لروسيا فى دول الخليج، واختراقات اقتصادية وفى مجال الطاقة بالنسبة لأوروبا والولاياتالمتحدة فى إيران.