مع نهاية موسم رمضان الدرامي، يطل السؤال حول مصداقية الإحصاءات التي حققت حول نسب المشاهدة، خصوصاً أن وسائل إعلام عدة، بخاصة الفنية الإلكترونية، وقعت في مغالطة، إذ عمّمت على العالم العربي، النتائج الأولية التي أحصتها شركتا «ستات إيبسوس» و«جي إف كاي» عن نسب المشاهدة في لبنان فقط. هذا ما تناوله تقرير منشور في «الحياة اللندنية»، وجاء فيه أيضًا: الأمر الذي ينسف مصداقية الأرقام. مثلاً، إذا تابع المشاهد اللبناني مسلسل «باب الحارة 7» على قناة «إم بي سي» من دون شاشة «إل بي سي»، تستنتج شركة الإحصاء أنه لم يشاهد هذا العمل، بحكم أن الإحصاء شمل الشاشات اللبنانية حصراً، فخسر العمل بعد تعميم النتيجة عربياً، نقاطاً هي له أصلاً، لصالح أعمال أخرى محلّية على الغالب. إلى ذلك، تباهى صناع المسلسلين اللبنانيين «أحمد وكريستينا» و«قلبي دق»، بنسب المشاهدة العالية المزعومة، للرد على الانتقادات، وفاتهم أو تناسوا أن السبب في ذلك هو أن أعمالهم ظلّت حبيسة الشاشة المحلية من دون أي تمدّد عربي يُذكر، بينما الأعمال الأخرى التي مرّت على قنوات عرض هذين العملين «إل بي سي» و«الجديد»، كانت منتشرة خارجيًا، ما يعني أن مشاهديها توزعوا في كل البلدان العربية. كما أن المشاهد اللبناني حظى بفرصة متابعتها على فضائيات غير محلية، فتشتّتت أرقام مشاهدتها، على عكس العملين المحليين.. بحسب تقرير «الحياة اللندنية» وهذا لا يعني «التقليل» من أهمية الأرقام التي حصّلاها، بل إشارة إلى «تضخيم» النتائج بعدم تثبيت كل العوامل، وخطر البناء عليها كدليل نجاح، لا سيما أن أرقام شركتي الإحصاء تفاوتت في بلد يعتبر رقعة جغرافية صغيرة نسبياً. مسلسل مصحوباً ب«كتالوج» في «أحمد وكريستينا»، طرق المخرج سمير حبشي بنص كلوديا مارشيليان، مجدداً باب آفة الطائفية في لبنان بعد مسلسل «ولاد البلد» من كتابة غريتا غصيبة. ولكن بعمل بدأ بعنوان بلغ حدّ الوضوح، كمن يريد أن «يلقم الجمهور بالملعقة» فكرته، ناسفاً «مجاز» الدراما عبر «أحمد» المسلم و«كريستينا» المسيحية، في نمطية امتدت إلى تكثيف الواقع الديني بلزوم ما لا يلزم، فالحجاب على رؤوس نساء عائلة «أحمد» (وسام صليبا)، والسبحات والصلبان نادراً ما تفارق أقارب «كريستينا» (سابين)، إضافة إلى «كليشيه» التناسل الكثيف عند المسلمين، كطموح «إنجاب 7 أولاد» في أحد المشاهد. ولعلّ هذه النمطية أبرزت تعاطي الكاتبة مع واقع هي بعيدة منه، ومن دون تكلف بحث جدي عنه. في الحلقة الأخيرة مثلاً، يطلّق «أحمد» زوجته المحجّبة على الطريقة الشيعية، ثلاثاً دفعة واحدة على الطريقة السنية. وفي هذا السياق، لم تمر «الرمزية» في العمل، إلا من خلال شخصية الهيبّية «سنا» (سينتيا خليفة) التي قامت بدور «المجتمع المدني» المنادي بالعلمانية، والموجودة في العمل بحكم هروبه من واقعية الزمن الحالي إلى فترة الستينات. هذا الهروب كان يمكن اعتباره إبداعاً، لو أن النص لم يكن فقيراً بالتفاصيل الحياتية التي فقدت من الفضاء الجغرافي الغني المتمثّل بالقرية اللبنانية. ثلاثون حلقة في ذلك الزمان والمكان، لم تحقق لحظة «نوستالجيا» واحدة. ومن جهة أخرى، تفوّق إخراج حبشي على نص مارشيليان، مستمراً في اختيار كادرات تنوعت بين الكلاسيكية وغير الكلاسيكية، فقدم حركة كاميرا سلسة ومشهدية كثيفة، كما نجح في الاعتماد على بطلين قدما أداءً مقنعاً على رغم ظهورهما للمرة الأولى كممثلين، إضافة إلى رقي أداء سينتيا خليفة الطبيعي، وحسّان مراد غير المتكلّف، ونقولا دانيال القدير. فيلم هندي طويل يُقال إن فرانك مورغان اضطر أثناء تصوير «ساحر أوز» (إنتاج 1939)، الى جلب سترة إضافية من أجل دور «البروفيسور مارفل»، إحدى الشخصيات التي أداها في الفيلم، فجعلته الصدفة يشتري سترة من متجر للألبسة المستعملة، كانت ملكاً لكاتب الرواية الأصلية في عام 1900 فرانك بوم (توفي في 1919). هل تظنون أن ذلك لا يصدق؟ عليكم بأحداث «قلبي دق» من إخراج غادة دغفل وكتابة كارين رزق الله. بالصدفة استيقظ «سامي» (يورغو شلهوب) و «كريستين» (كارين رزق الله) صباحاً في سرير واحد، قبل أن يجدا نفسيهما متزوّجين رغماً عنهما بسبب عائلة العروس المتعصّبة، في مشهد متكرر من فيلم «واحدة بواحدة» (إنتاج 1984)، ولكن من دون ذكاء التعبير في فكاهة عادل إمام، ورصانة الكوميديا لدى ميرفت أمين، علماً أن الفيلم المصري مقتبس بدوره عن «عودة العشق» (Lover come back) (إنتاج 1961). وتستمر المصادفات واحدة تلو الأخرى عبر اكتشاف أن «كريستين» هي العدوّة اللدودة لشقيق «سامي» في عمله، ومن ثمّ معرفة الأخير الجيّدة بحبيب «كريستين»، والذي يخونها مع صديقة خطيبة «سامي». ولا تكتفي الكاتبة بهذا الحد من «الصدف» التي فاقت أي تصوّر ومنطق، بل جعلت «سامي وكريستين» حبيبين في الصغر قبل أن تفرّقهما الحياة، لتستمر بمصادفات أخرى، لا تدلّ إلا على «بلاهة» بناء الحبكة الدرامية في خلق المشاكل أولاً وإيجاد الحلول لاحقاً، من أجل نقل السيرك إلى الدراما من دون أن يكلّف صانعه نصف متر من القماش، في «مهزلة» نجا منها يورغو شلهوب بالأداء فقط، وليس بالاختيار.