ما الذى تريده واشنطن من القارة الإفريقية؟ الجواب يتصل بأهداف الولاياتالمتحدة، كما اتضحت من الاستراتيجية العسكرية التى أعلنها رئيس الأركان مارتن ديمبسى فى الأول من يوليو الجارى.. «إعلان الحرب على العالم برمته للسيطرة عليه بشكل مطلق».. أليست هذه بعينها خلاصة رؤية المحافظين الجدد فى نهاية التسعينيات لفكرة القرن الأمريكى بامتياز؟ مؤخرا كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تميط اللثام عن أحدث فصول الزيف الأمريكى، والازدواجية الأخلاقية المرة التى تتسم بها سياساتها، عبر الإشارة إلى أن واشنطن تسعى من خلال محادثات مع عدد من دول شمال إفريقيا لإنشاء قاعدة عسكرية للطائرات دون طيار ال«درونز»، أما الهدف المعلن فهو مراقبة تنظيم داعش فى ليبيا، وسد النقص فى القدرات الأمريكية لفهم ما يجرى فى تلك المنطقة، وبديهى أنه من خلال طلعات الطائرات ذاتها يمكن للجيش والاستخبارات الأمريكية المختلفة جمع معلومات لا عن «داعش» فى ليبيا فحسب، بل عن دول شمال إفريقيا برمتها، عطفا على ما عداها من الدول الإفريقية القريبة منها والأبعد. أين المفارقة المضحكة إلى حد البكاء فى هذا الإعلان؟ الجواب عند الروس، حيث رصدت استخباراتهم عناصر داعشية سهّل الأمريكيون لها السفر للانضمام إلى القوات الأوكرانية المجابهة لبوتين وجنوده.. ماذا يعنى ذلك؟ القول المكين هو أن «داعش» أداة للأمريكيين تأتمر بأمر ساكن البيت الأبيض، حتى وإن كانت الأداة ذاتها تتوسع خارج نطاق السيطرة، لتهدد بابتلاع من صنعها والمهمة المزمعة كذلك، وهو الأمر الذى خبرته من قبل مع القاعدة، وها هى تكرره الآن من جديد مع «داعش». هل يمكن للمرء أن يتساءل عما وراء بحث واشنطن عن قاعدة ل«الدرونز» فى شمال إفريقيا؟ قطعا إن القارة السمراء جزء من معركة أمريكا للهيمنة القطبية المنفردة، فهى موقع وموضع الصراع القادم مع الصين، القطب القادم بقوة فى مواجهة القطب الأمريكى القائم، منفردا بمقدرات العالم بدرجة أو بأخرى، وليست القيادة الأمريكية الإفريقية «أفريكوم» سوى اللبنة الأولى التى وضعها البناؤون الأمريكيون لتصير رأسا لزاويتهم إفريقيا. القاعدة التى تبحث عنها واشنطن مقدمة ناعمة للحضور العسكرى الأمريكى فى شمال إفريقيا، غير أنها مقدمة مفضوحة، فواشنطن التى تسعى اليوم سعيا حثيثا لمراقبة «داعش»، حسب زعمها، هى واشنطن عينها التى وقفت سدا لإفشال المشروع المصرى فى مجلس الأمن قبل عدة أشهر، والساعى وقتها لمواجهة «داعش» بطريق القوة العسكرية الدولية قبل أن تتحول ليبيا إلى مرتع ومؤول للإرهاب الذى يخدم مصالح واشنطن فى الحال والاستقبال. لا شىء تقدمه واشنطن مجانا، فى هذا الإطار نتوقف عند ما ذكره موقع «ديفنس وان»، القريب الصلة وربما المعبر عن صوت المؤسسة العسكرية الأمريكية بدرجة أو بأخرى، من أن القاهرة رفضت طلبا لواشنطن بإقامة مثل هذه القاعدة فى الصحراء الغربية قرب الحدود الليبية، ويمكن أن نربط هذا الموقف بالحديث المتجدد عن ربط المعونات الأمريكية لمصر بمنظومة أخلاقية أمريكية مرائية. فى الوقت ذاته تقول مصادر مطلعة إن تونس هى الدولة المرشحة لإقامة القاعدة، وهذا ما يبرر: «منح تونس صفة شريك مميز غير عضو بحلف الناتو». الحفل فى الشرق الأوسط والعرس فى الشرق الأدنى.. إنها استراتيجية الاستدارة نحو آسيا.. والدوعش أدوات إفريقيا وخليجيا وآسيويا.