لقد كانت مستفزَّة ومثيرة للاستياء تلك التعليقات الساخرة التى خرجت مستهزئة من حمادة عامل المحارة، بعد إذاعة التليفزيون المصرى شريطًا مصورًا يتَّهم فيه حمادة المتظاهرين بأنهم هم مَن اعتدوا عليه، وأن رجال الشرطة هم مَن قاموا بحمايته، فراح كثيرون من جنرالات وجنود «الفيسبوك» يدينون حمادة ويستهزئون منه ويحقِّرون من شأنه، حتى أصبح اسمه «حمادة» مرادفًا لكل الصفات السلبية، ونسى كل هؤلاء أن حمادة المسحول المتعرّى كان واحدًا من المتظاهرين أمام «الاتحادية»، وأنه كان واحدًا من عدد ليس كبيرًا من المتظاهرين الذين ظلّوا أمام «الاتحادية» بعد مهاجمة جنود الأمن المركزى المتظاهرين بوابل من القنابل المسيلة للدموع والمدمرة للجهاز التنفسى والرصاص الحى والخرطوش، وتم التركيز فقط على لحظات ضعف حمادة، وتناسى الجميع ساعات شجاعته التى لم يتمتع بها كثيرون ممن أدانوه، والأكثر من ذلك لم يكلّف أحد من الذين أوسعوا حمادة سخرية الاهتمام بسؤال طبيعى ومنطقى، مَن هو حمادة، ولماذا أصابه كل هذا الرعب الذى دعاه أن ينكر حقيقة واضحة رآها العالم كله؟ حمادة واحد من الملايين من عمال اليومية.. هؤلاء المنسيون فى هذا الوطن، حمادة من ضمن العمال الذين يكسبون رزقهم يومًا بيوم، هؤلاء الذين يعملون دون أى حماية قانونية أو نقابية، إذا وقعت له إصابة عمل فلا أحد يسأل عنه، وليس له أى نصيب من علاج، والحل الوحيد أمامه أن يصرَّف نفسه بنفسه، يستلف.. يبيع عفش بيته، حتى يستطيع تدبير نققات العلاج. لماذا؟ لأنه ببساطة خارج مظلّة التأمين، والطامة الكبرى التى تقع على رأس أُسر الملايين من أمثال حمادة، إذا فقد حياته فلا معاش ولا يحزنون إلا معاش الضمان الاجتماعى الذى لا يتجاوز ثلاثمئة وعشرين جنيهًا شهريًّا. حمادة الذى يسكن هو وعائلته فى غرفة لا تتعدى مساحتها أربعة أمتار، والذى يعمل يومًا ويبطل عشرة، حمادة الذى أصبح الحصول على يوميته التى لا تتجاوز 30 جنيهًا فى اليوم أمرًا صعب المنال فى هذه الأيام.. كان شجاعًا عندما خرج للتظاهر، وكان شجاعًا عندما صمد فى المظاهرة حتى أُصيب، وعندما ضعف وأصابه الرعب من تهديدات «الداخلية» كان كاشفًا وفاضحًا لإرهاب «الداخلية» وكذب ونفاق النظام الحاكم.