اللغة محتاجة إعادة ضبط عندنا الآن، فبين ردح إبراهيم عيسى، ومسكنة محمود سعد، ومحاولات ريم ماجد المستميتة لأن تكون شعبية، أو الحسينى للوصول إلى درجة الشاب -الكول بتاع- السياسة، رحلت اللغة لاعنة سلسال أجدادنا. «لا أفهم أشخاصا أعطاهم الله علما، ومعرفة، يقررون إلقاءها فى القمامة، ويبررون ذلك بأنهم يريدون الوصول إلى الشعب...!!». قبل أن نبدأ، دعنى أضع المصطلحات بمعناها الأصلى، أو كما وردت فى المعاجم نخبة تعنى المختار من الشىء. (المعجم الوسيط). أى عندما تقرر مجموعات من الشعب، أن مجموعة ما هى مختاراتهم، فى التحدث بشؤون معينة، أو حمل لواء فكرة معينة. فلى سؤال للسادة الذين يقومون بسب النخب ليل نهار.. ألستم أنتم أيضا بنخب؟ أليس وصولكم إلى القنوات التلفازية، وإعطاؤكم مساحات من الوقت، للتحدث والاستضافة، والمناقشة، جعل كل فرد منكم جزءا من النخبة؟ وأيضا يخبرنا المعجم بأن معنى كلمة ناشط هو فاعل، وعكس ناشط هو خامل، أى معدوم الفعل. (المعجم الرائد). نفس السؤال السابق، ألستم وباقى المتحدثين فى الميديا، والجرائد، أو الفاعلون فى الأرض، سواء حقوقيا، أو اجتماعيا، أو حتى جنسيا يا أخى، أليس التعريف الأصلح لهم-لكم هو كلمة ناشط؟ ويضحكنا سيدنا القاموس عندما يقوم بإعطائك التعريفات التالية: مثقف: آتية من ثقف، وتستخدم كما الجملة التالية: ثقف المعوج، أى عدله وقومه. ومثقف، صاحب المعرفة، والجامع لقدر من العلم. (المعجم الرائد). أكيد السادة الإعلاميون ليسوا بأصحاب علم، ولم يجمعوا أى قدر منه، ولا علاقة لهم بإصلاح المعوج، أليست مثقف سُبّة الآن؟! لكن كيف لنا أن نتقيد بأى معان ومصطلحات؟ ما دمنا نستطيع أن نخرج ونصرخ، ونُضحِك أو نُبْكى المواطنين، برصّ مجموعة من الكلمات البراقة أمامهم، ومن ثم، نقض وهدم معانى تلك الكلمات. لا يهم أن نمسح باللغة ومرادفاتها أرض مبولة فى محطة قطار مهجورة، لكن المهم هو أن نصبح شعبيين، وأولاد بلد، وجدعان قوى بالصلاةُ على النبى. «بالمناسبة كلمة جدع تعنى سيئ الغذاء، أو المقطوعة أنفه، أو المريض.. إلخ». (مختار الصحاح)، (المعجم الرائد)، (المعجم الوسيط). وركيك تعنى الضعيف، والركاكة تعنى السخافة فى الأسلوب، أو ضعفه. (المعجم الرائد)، لكن الركاكة، أصبحت الآن فنا له أعلامه، فنحن شعب غريب، جعلنا للركاكة زعماء، كما جعل كثير منا «القلش» مضحكا، على الرغم من أن أصل كلمة «قلش» فى العامية هو الشىء الخاطئ فى زمانه، أو الخاطئ فى استنتاجه، كما الجملة التالية «قلشت منك دى يا عم»! حقيقة هناك رأيان فى ما يفعلونه: الأول: يخبرك أن ما يحدث هو مجرد محاولة من كثيرين أن يكونوا «شعبيين» ويصلوا إلى كل طبقات الشعب باستخدام مفردات شعبوية، أو بمحاولة كسر والاستهزاء بمعانٍ هى أصيلة وفاعلة، لمجرد أن تصل رسالته بأنه جزء من ملح الأرض، وفرد من أفراد تلك الطبقات. ■ شعبوية تفعيلة جديدة من كلمة شعبى، تعنى ادعاء غير حقيقى للانتماء إلى عامة الشعب، لمجرد التأثير فى الطبقات الشعبية من الجماهير، لفعل أمر ما أو الانسياق وراء المشروع الذى تود تمريره. وهناك الرأى الثانى، الذى هو أقرب إلى المؤامرة -هيا بنا نلعب مؤامرة- منه إلى الرأى الذى يخبرك بالتالى. لتمرير أفكار معينة عند البشر، لا بد من هدم معانى المصطلحات، وجعلها بلا معنى، ولا قيمة ولا وزن، فعندما تود تمرير فكرة «لا يوجد سياسيون فى مصر، لا يوجد من هو قادر فى يوم من الأيام على إدارة البلد سوى جهة معينة، والنخب الثقافية السياسية والثقافية... إلخ مجرد مرتزقة، وأنه لا يوجد من هو فاعل وناشط فى هذا الوطن. فلا بد من الهجوم على المعنى، إن استطعت أن تستهلك كلمة ما، أو تجعل مرادفها عند البشر سيئا، فابدأ بالسخرية منها، والتقليل من معناها، لكى تستطيع هدمها بسهولة، وهدم كل من تنطبق عليه الجملة. بغض النظر عن أهدافك، وهل هى تمهيد لحكم جهة معينة ترتدى زيا موحدا، أم لا؟وهل أهدافك هى تكفير الناس بكل الأشخاص، أو الرموز، حتى عندما تأتى تلك الجهة، يصمت الجميع، ولا يكون هناك وزن أو رأى لأى شخص، ويصبح التعليق الأوسع انتشارا «دأ عيل نخبة» «دأ ناشت- بالتاء نعم». لا أستطيع أن أحكم على أهدافك، فلست برب، ولست مطلعا على ضمائركم، ويمكن أن أكون مخطئا تماما، لكن أخبرونى لمصلحة مَن ما تفعلون؟ سيخبرونك أنهم يفعلون ذلك لكشف الحقائق، وتوضيحه للرأى العام.. والشفافية الشفافية. سيخبرونك أنهم يبتغون مرضاة الله، حينما يوصلون تلك الحقائق إلى الطبقات الفقيرة، والحق فى المعرفة حق أصيل «طبعا ذلك النوع فقط من المعرفة الذى يخرج من أفواههم». سيخبرونك أنه لا مقصد لديهم ولا هدف سوى نصرة الثورة... فلمَ تعممون الكلام، وتمسخونه، وتحولون الكلام عن مواضعه؟ بعض النخب كانت أقل من المستوى فلمَ تخلطون فى حديثكم الحابل بالنابل، وتسبون النخب وأنتم جزء منها؟ النشطاء البعض منهم تكسب وارتزق من وراء الثورة، فلمَ تسبون الجميع، وتضعون يزيد مع الحسين فى نفس الكفة؟ لا أدرى الكثير حقيقة، لكن ما أعرفه، أن كلامكم أصبح ماصخ، وما تحاولون أن تفعلوه، إن نجح، ستكونون ضحاياه، قبل أى أحد آخر.