فى الوقت الذى تلقى فيه التونسيون نبأ اغتيال المعارض البارز شكرى بلعيد، الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين والقيادى فى الجبهة الشعبية المعارضة، كانت مصر فى نفس الليلة على موعد مع فتوى جديدة لأحد مشايخ السلفية تبيح إهدار دم قيادات جبهة الإنقاذ، فى تأكيد واضح على أن جماعات الإسلام السياسى وتابعيها من يمينهم المتطرف إلى يمينهم الأكثر تطرفا، لم تنس أصلها القائم على العنف والجهاد المسلح ضد كل من يعارض أفكارها وديكتاتوريتها فى الحكم. كثيرون سألوا عن مصير الشخصيات السياسية البارزة فى معارضة الإخوان فى مصر، خلال الأيام القادمة عقب اغتيال بلعيد، وصدور فتوى إهدار دم قيادات الجبهة، دون أن يلاحظوا أن إسلاميى مصر لا يحتاجون إلى فتاوى، لكى يقوموا بعمليات تصفية لمعارضى «حكم المرشد» -وكأن كل ما يفعلونه فى البلد حلالا وينتظرون للاغتيال فتوى تجعلهم مطمئنى البال وهم يسفكون دم المختلفين معهم- فحتى تلك الفتوى التى خرج بها الشيخ محمود شعبان الذى لا نعرف له «أصل ولا فصل ولا كتاب ولا علم»، ولا نعرف عنه سوى احتياجه الدائم ل«راجل»، لم يكن سفاكو الدم بحاجة إليها، فقد بدؤوا خطتهم مبكرا جدا، فاستشهاد الصحفى الحسينى أبو ضيف الذى صور حوادث الإخوان البشعة فى «الاتحادية» تجاه المتظاهرين أمام قصر مرسى وعلى مرأى ومسمع من حراسه، لم يكن سوى جزء من حلقة كبيرة لعدد من الاغتيالات التى طالت معارضى الإخوان والجماعة الحاكمة فى مصر، فبعده جاء اغتيال «جيكا»، و«كريستى» ثم الجندى وعمرو سعد مؤخرا، وكلها أسماء لشباب يعارضون حكم الإخوان، ومؤسسون لصفحات ذائعة الصيت على مواقع التواصل الاجتماعى، ويتقدمون كثيرا من المظاهرات التى تندد بديكتاتورية الجماعة وممثلها فى الرئاسة الدكتور محمد مرسى. وقبل عمليات القتل هذه كانت هناك محاولات أخرى عبرت عن «قرصة ودن»، ربما قامت بها ميليشيات الإخوان كتجربة لاختبار ردود فعل الشارع والرأى العام تجاه مثل هذه العمليات، التى يعبر عنها الاعتداء على مرشح الرئاسة السابق أبو العز الحريرى، والمحامى حمدى الفخرانى، والنائب البرلمانى السابق محمد أبو حامد، والثلاثة نشرت لهم صور أظهرت بوضوح كيف كانت «قرصة الودن» مؤثرة للغاية على أجسادهم، لكنها حقيقة لم تخف أحدا وزادت من كشف جرائم ميليشيات الإخوان وغيرهم من الإسلاميين للجميع، هذا فضلاً عن العديد من التهديدات التى تطلق ليل نهار تجاه كثير من المعارضين لحكم المرشد، سواء كانوا صحفيين أو سياسيين أو حتى فنانين كما حدث، وتم الاعتداء على المخرج خالد يوسف من قبل أولاد أبو إسماعيل فى أثناء محاصرتهم مدينة الإنتاج الإعلامى فى ديسمبر 2012. مشهد اغتيال شكرى بلعيد اليسارى التونسى الدائم الانتقاد لحركة النهضة التونسية، ليس الأول فى بلد «ثورة الياسمين»، فمنذ أشهر قليلة اغتيل القيادى فى حركة نداء تونس لطفى نقض وذلك بمدينة تطاوين.. ويا سبحان الله المتطرفون فى مصر وتونس واحد، فالإصابات التى أدت إلى وفاة بلعيد كانت فى منطقتى الرأس والرقبة، فالمتطرف هنا أو هناك يذهب إلى ضحيته وقد قرر مسبقا أنه سيتخلص منه دائما.. لن يتسبب له مثلا فى إعاقة أو ما شابه، لكن القتل نهائيا والمحو من الوجود، وكأن الإسلاميين فى البلدين أصبحوا يحملون توكيل «عزرائيل» فى الأرض. شرطة تونس تقلد شرطة مصر.. فحسب ما نشرته وكالات الأنباء فإن سيارة الإسعاف التى أقلت بلعيد توقفت أمام مقر وزارة الداخلية التونسية، وردد المتظاهرون هناك هتافات ضد سياستها وضد حركة النهضة أبرزها «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«يا غنوشى يا جبان.. يا قتال الأرواح»، و«وكلاء الاستعمار.. نهضاوى رجعى سمسار»، وهو ما أدى بالشرطة إلى إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع واستعمال الهراوات لإبعاد المتظاهرين الذين رشقوا القوات بالحجارة وهم يرددون هتافات تنادى ب«الثورة من جديد»، وهو مشهد يقل فى شراسته -وإن كان يشبهه- عما حدث لجنازة تشييع ضحايا بورسعيد الذين قتلوا أمام السجن فى أعقاب تحويل 21 من متهمى مجزرة الاستاد فى فبراير 2012 إلى المفتى. كذلك ردة الفعل واحدة هنا فى مصر وهناك فى تونس.. الشارع ضد ديكتاتورية الإسلاميين وفشلهم فى الحكم، ولذا كان الرد بإحراق مقرات ل«النهضة» التى لم ير التونسيون منها سوى الفشل، أما الرئاسة التونسية فإن كان المنصف المرزوقى قد ألغى زيارته إلى فرنسا ومصر فبيانه عن اغتيال بلعيد أيضا -يذهب كعادة الحكام الإسلاميين وكما يحدث فى بيانات مرسى- إلى أن هناك أطرافا أخرى يصفهم بأعداء الثورة هى التى قامت بعملية الاغتيال، ودعت رئاسة تونس فى بيانها المواطنين إلى «التنبه إلى مخاطر الفتنة» و«ضبط النفس». وقالت الرئاسة «وعيا منها بجسامة التحديات التى تجابهها بلادنا والأخطار المحدقة بها، فإن رئاسة الجمهورية تنبّه إلى مخاطر الفتنة والفرقة التى يسعى بعض الأطراف إلى بثها بغاية جر الشعب التونسى إلى دوامة العنف، وندعو الجميع إلى تحكيم العقل وضبط النفس والتروى فى تحليل هذه الجريمة النكراء والفعلة الجبانة ونسبة المسؤولية عنها إلى جهة أو أخرى». ولذا المقارنة بين مصر وتونس ستخرج منها دائما بنتيجة واحدة ما دام الإخوان يحكمون فى البلدين.