استمرار فعاليات مشروع "1000 مُعلم كنسي" بحلوان    أسعار مواد البناء اليوم الجمعة في الأسواق.. كم يبلغ طن الأسمنت؟    وزير الاستثمار في جلسة نقاشية بلندن: تحويل اقتصاد مصر إلى نموذج قائم على التصدير    وكيل زراعة الغربية يتفقد الزراعات القائمة وتطهير المساقى بطنطا والمحلة    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    محافظ قنا ونائبه يتابعان تنفيذ فعاليات مبادرة بداية جديدة بقرية "هو"    مراسلة القاهرة الإخبارية: صافرات الإنذار تدوي بإسرائيل أكثر من 30 مرة    بعد 57 عاما.. جنازة عسكرية لأحد شهداء حرب 1967 عُثر على رفاته بسيناء    الليلة.. فراعنة اليد للكراسي المتحركة تواجه الديوك الفرنسية في نصف نهائي المونديال    أرني سلوت يصدم نجم ليفربول    ضبط شخصين بالإسكندرية حاولا غسل 80 مليون جنيه حصيلة اتجار بالنقد الأجنبي    لحظة وصول الشيخ التيجاني إلى النيابة للتحقيق معه (صور)    تسرب غاز وراء اشتعال حريق بمنزل وإصابة سيدة في البدرشين    مدارس الوادي الجديد جاهزة لانطلاق الدراسة الأحد المقبل    دياموند أبوعبود ترد على انتقاد منى زكي في أصحاب ولا أعز: فيلم يكسر الخطوط الحمراء    قصة «لعل الله يراني» للفنانة سهر الصايغ.. يعرض بمهرجان الإسكندرية السينمائي    إعلام إسرائيلى: تضرر 50 منزلا فى مستوطنة المطلة إثر قصف صاروخى من لبنان    نائب محافظ الأقصر يشارك فى ختام الأنشطة الصيفية بمكتبة مصر ضمن "بداية".. صور    إطلاق الإعلان التشويقي الرسمي لفيلم بنسيون دلال (فيديو)    فضل الدعاء يوم الجمعة لرفع البلاء وتحقيق الطمأنينة    واعظ بالأوقاف: القدوة أهم شيء لغرس الأخلاق والتربية الصالحة بالأولاد    طريقة عمل الكيكة بدون بيض ولبن.. أسرار وتركات المطاعم    ضمن مبادرة «بداية» .. إطلاق النسخة الأولى من التطبيق الإلكتروني ل«100 مليون صحة»    العرض الأول لفيلم "لعل الله يراني" للفنانة سهر الصايغ بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    جميل عفيفي: إقامة جنازة عسكرية لأحد شهداء 67 تكريم لكل أبطال الدولة المصرية    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    دبلوماسي سابق: المجتمع الدولي يدرك أهمية حل القضية الفلسطينية    خالد عبدالغفار: التشخيص الدقيق والمبكر هو الخطوة الأولى نحو الرعاية الصحية المتكاملة.. صور    الأرصاد الجوية تحذر من نشاط رياح مثيرة للرمال والأتربة على المحافظات    تصل للحبس، محامٍ يكشف العقوبة المتوقع تطبيقها على الشيخ التيجاني    وزير التعليم العالي يهنئ العلماء المدرجين بقائمة ستانفورد لأعلى 2% الأكثر استشهادا    "واشنطن بوست": اشتعال الموقف بين حزب الله وإسرائيل يعرقل جهود واشنطن لمنع نشوب حرب شاملة    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    ضبط 4 متهمين بالاعتداء على شخص وسرقة شقته بالجيزة.. وإعادة المسروقات    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    انقطاع المياه غدا عن 11 منطقة بمحافظة القاهرة.. تعرف عليها    «الإفتاء» تحذر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم بالموسيقى: حرام شرعًا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024 في المنيا    انطلاق قافلة دعوية إلي مساجد الشيخ زويد ورفح    ليكيب: أرنولد قدم عرضًا لشراء نادي نانت (مصطفى محمد)    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    خبيرة تغذية: الضغط العصبي والقلق من الأسباب الرئيسية لظهور الدهون بالبطن    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    بلغاريا تنفي بيع إحدى شركاتها لأجهزة بيجر المستخدمة في انفجارات لبنان    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط شمال القدس    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السقوط الأخلاقى على خلفية السحل والتزييف د.محمد المهدى
نشر في التحرير يوم 07 - 02 - 2013

اهتزّ ضمير العالم حين شاهد على فضائياته وصحفه ومواقعه الإلكترونية منظر المواطن المصرى وهو عارٍ تمامًا بينما قوات الشرطة تسحله على الأسفلت أمام قصر الاتحادية يوم الجمعة 1 فبراير 2013م، ويضربه أفرادها بقسوة وإهانة بعصيِّهم وأحذيتهم بينما هو مستسلم تمامًا لا يملك أن يفعل شيئا. وقد كان يمكن أن يمر الأمر -كما مرت أمور كثيرة مشابهة فى مصر- على اعتبار أن هذا خطأ من بعض الجنود والضباط يعتذر عنه وزير الداخلية (وقد حدث ذلك فعلًا فى بداية الأمر)، ولكن القريحة والعقيدة الشرطية القديمة والمتبقية من عصر مبارك شاءت أن تضع للمشهد سيناريو آخر حين اختطفت المواطن المسحول العارى وأخذته بحُجَّة علاجه فى مستشفى الشرطة لكى يخرج على شاشات الفضائيات فى اليوم التالى ليعلن أن الذين نزعوا عنه ملابسه وتركوه عاريا هم المتظاهرون، وأن الذين ضربوه وسحلوه وعذّبوه هم المتظاهرون، وأن قوات الشرطة كانت تريد حمايته وعلاجه، وأنه هو الذى قاوم قوات الشرطة حتى أتعبها. وكانت هذه صدمة هائلة لكل صاحب عقل وضمير، إذ إن مشاهد الاعتداء على هذا المواطن كانت تُنقَل على الهواء مباشرة، ورأى العالم على مدى وقت ممتد الصفعات والركلات والعصىّ تنهال من أفراد الشطرة بملابسهم الرسمية على كل جزء فى جسد الضحية «العارى» بلا أى رحمة وبلا أى ضرورة اللهم إلا رغبة سادية فى القهر والتعذيب والإذلال وكسر الإرادة، ليس للضحية فقط وإنما لكل من يراه.
لقد تَعرَّض المواطن المسحول لعمليات قهر للإرادة وتزييف للوعى لكى يخرج ويزيِّف الحقيقة تحت تأثير عصا السلطة وجزرتها، وليصدم أسرته الصغيرة التى ربما كانت تتمنى أن تتباهى بتضحية رجلها وعائلها فى موقف مشهود كهذا، وليصدم أيضا مشاعر شعب بأكمله كان يستعد للقصاص من مرتكبى الجريمة بكل الطرق القانونية والسياسية، وليصدم الضمير الإنسانى الذى تألم لواقعة التزييف أكثر مما تألم لواقعة السحل والتعذيب، لأن السحل والتعذيب ربما يقال إنه تم بشكل اندفاعى فى لحظات مواجهة وعلى يد أفراد معدودين يمكن إدانتهم ومحاسبتهم، أما واقعة التزييف المفضوحة والساذجة والغبية فلا يمكن هضمها أو قبولها فى وجود أدلة مشهودة بالعين للحدث ذاته، كما أنها تعنى تورُّط جهاز الشرطة بأكمله (مع سبق الإصرار والترصد) فى التستُّر على الواقعة بترتيب وتدبير، وتعنى أن الجناة لن يطالهم حساب أو عقاب، وتعنى أن الدولة سكتت على هذه الجريمة المزدوجة واستراحت من مطاردة جمعيات حقوق الإنسان ومن عذاب الضمير، وتعنى تعرُّض هذا المواطن المُعدَم الفقير لكل وسائل الترهيب والترغيب حتى يغيِّر حقيقة ما حدث ويدخل فى صدام مع ابنته وزوجته اللتين كانتا تدافعان عن حقه فى الكرامة بينما اضطُرّ هو إلى أن يكذِّبهما ويعلن أنه «أدرى بمصلحته»، كل هذا يصبّ فى اتجاه حالة سقوط أخلاقى وتشويه إنسانى مروِّع.
وقصيرو النظر ممن تورطوا فى هذه الجريمة المزدوجة ربما يعتقدون أن هذا يغلق الملف ويُخِيف المعارضين أو المعترضين، ولكن هذا فى الحقيقة يدفع إلى مزيد من العنف، حيث تصبح الثقة مفقودة فى الجميع وتنهار فكرة دولة القانون والحقوق وينهار مبدأ الكرامة الإنسانية (الذى قامت الثورة من أجله) وتنهار فضيلة الصدق وتلحقها بقية المنظومة الأخلاقية، وهذا يمهِّد لحالة من الفوضى العارمة.
ومشهد السحل هذا يستدعى من الذاكرة مشهد سحل وضرب آخَرَ كانت ضحيته فتاة متظاهرة أمام مجلس الوزراء فى عام 2012 إبان حكم المجلس العسكرى، ولكن المجلس العسكرى وقتها لم يكمل السيناريو بهذا الشكل الذى يتم الآن، بل حدث اعتذار ووعْد بالمحاسبة. ولم نسمع أو نعرف ماذا حدث لمن سحلوا الفتاة العارية، ولهذا تكرر مشهد السحل والتعرية مرة أخرى ولكن بجريمة إضافية أشد وأنكى هى جريمة التزييف الغبية والمفضوحة أمام أعين العالم كله، مما يجعلنا أضحوكة أمام كل من شاهد الحدث على الهواء مباشرة على كل شاشات الفضائيات العربية والأجنبية.
وقد يفعل ذلك جهاز شرطة لم يتم تطهيره بعد الثورة لأسباب لا نعلمها أو نعلمها، ولكن المصيبة الكبرى أن ترضى الحكومة ويرضى الرئيس بهذا التلفيق وهذا التزييف الفج ويتم إغلاق الملف بكل تقيُّحاته وصديده وعَفَنه وكذبه وغشه وخداعه، هنا يتورط النظام كله فى الجريمة الكاشفة الفاضحة ويفقد كل مقوماته الأخلاقية أمام حدث شديد التكثيف شديد الدلالة على قيمة الإنسان وكرامة الإنسان وقدرة الدولة والقانون على الحماية والرعاية والردع. لذلك فإن الحد الأدنى فى توقعات هذا الحدث أن يرفض السيد رئيس الوزراء هذه المسرحية الهزلية ويرفض رئيس الجمهورية هذه الفضيحة الإنسانية الدولية ويأمرا بفتح التحقيق فى ما حدث وتقديم المتهمين للعدالة، والأهم من ذلك تطهير الشرطة من تلك العناصر وتلك العقيدة وتلك العقلية التى كانت سببًا مباشرًا لقيام ثورة 25 يناير.
وحتى يحدث ذلك، إن كان ثمة احتمال أن يحدث، فعلى جمعيات حقوق الإنسان أن تفك أسر هذا المواطن المسحول، وتتيح له مكانا آمنا للعلاج والتأهيل بعيدا عن مستشفى الشرطة، وتهيئ له كل الوسائل لاستعادة وعيه وكرامته وحقوقه، وتتيح له حماية شعبية مناسبة من كل المؤسسات والهيئات والجمعيات القادرة على ذلك، وسيعرف الذين ظلموا أىَّ منقلب ينقلبون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.