دخلنا مرحلة الهستيريا!! النائب العام المعين بقرار باطل من رئيس الجمهورية أرسل إلى وزير العدل يطلب انتداب قاضٍ للتحقيق مع الدكتور البرادعى وحمدين صباحى وعمرو موسى بتهمة الخيانة العظمى!! وذلك بناء على بلاغ من محام مغمور، رأى النائب العام أن ما به من معلومات موثقة حصلت عليها أجهزة الأمن والمخابرات التابعة لهذا المحامى!! يؤكد جدية الاتهام، ويستوجب فتح التحقيق مع قادة جبهة الإنقاذ فى هذا الاتهام الخطير!! دخلنا مرحلة الهستيريا.. لا معنى لهذا الإجراء إلا أننا دخلنا مرحلة الهستيريا، بكل ما فيها من مهازل ومآسٍ وخروج على المنطق وامتهان للعقل. بداية جيدة بلا شك لمرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور الباطل!! انتصار أكيد للحكمة فى وقت تبدو فيه الأوضاع كلها على وشك الانفجار!! برهان جديد على أن كل ما يجرى من استهداف لمؤسسات القضاء لا يتم دون تخطيط، فالمطلوب أن يتحول القضاء إلى سلاح لتكميم الأفواه وضرب المعارضة وتحصين الحاكم مهما فعل.. إنها الروشتة الموصوفة لأى نظام يريد أن يرسى دعائم الحكم الفاشى!! على حد علمى فإن تهمة الخيانة العظمى لا توجَّه إلى من يعلنون صباح مساء تمسكهم بالنضال السلمى والمشروع فى سعيهم لإنقاذ الوطن. ولا توجه إلى من رفضوا كل محاولات استدراج القوى الوطنية لاستخدام العنف. ولا توجه إلى من كانت مصلحة الوطن دائما هى التى تحدد خطواتهم وليست مصلحة حزب أو جماعة!! وعلى حد علمى فإن البرادعى وحمدين وموسى لم يقودوا الميليشيات التى عربدت على أرض مصر، تنشر الإرهاب وتحاول ترويع المصريين وتريد فرض مخططاتها لحكم مصر بالقوة.. لكن غيرهم فعل ذلك، ولم تتحرك الحكومة، ولم يتحرك النائب العام!! وعلى حد علمى فإن البرادعى وحمدين وموسى لم يقودوا الأنصار ليحاصروا المؤسسات العامة، وليهاجموا مقرات الصحف والأحزاب، ولم يكونوا هم الذين جعلوا وزير الداخلية ينزل بنفسه مع آلاف الجنود لحماية قسم شرطة الدقى قبل أيام.. لكن غيرهم فعل ذلك وما زال حرا طليقا يتباهى فى تسجيلات مصورة بما فعل ويهدد ب«مجزرة» إذا لم تتحقق مطالبه. ولم يقل له مسؤول واحد «اختشى» ولم تتحرك النيابة أو الشرطة لكى تنفذ كلمة القانون!! وعلى حد علمى.. فإن البرادعى وحمدين وموسى لم يحرضوا على الفتنة الطائفية، ولم يصدروا فتاوى بتكفير كل المصريين من مسلمين وأقباط، وليبراليين ويساريين. ولم يعلنوا أن لديهم مئة ألف «مقاتل» فى القاهرة وحدها مستعدين للتحرك فى ساعة الصفر! غيرهم فعل ذلك، وقدم نموذجا لهذا التحرك فى أحداث «الاتحادية» التى تنتظر نتائج تحقيقاتها، وتنتظر كلمة المجلس الأعلى للقضاء فى تدخل النائب العام فى هذه التحقيقات!! فى ظروف أخرى كنت سأنظر إلى قرار التحقيق مع البرادعى وحمدين وموسى بتهمة الخيانة العظمى على أنه مجرد موقف هزلى. لكن حين يترافق ذلك مع فرض لدستور باطل، وانتهاك للقانون، وعدوان على استقلال القضاء، وتوجّه نحو إقامة دولة الاستبداد، فإن الموقف يختلف تماما!! فى هذه الظروف، فإن قرار النائب العام، المعين بقرار باطل من مرسى، يعنى بكل وضوح أن النظام ماضٍ فى طريقه لإقامة حكمه الاستبدادى وللبطش بقوى المعارضة. ويعنى أن أى دعوة للحوار من جانبه هى دعوة زائفة ولا معنى لها. ويعنى أيضا أن النظام مقدم على قرارات يخشى من ردود فعلها، ويعنى أيضا -وهذا هو الأهم- أننا أمام نظام مهزوم وعاجز عن مواجهة التحديات إلا بالقوة الغاشمة والغبية واليائسة. هذا نظام دخل مرحلة الهستيريا، فلنتمسك نحن بالعقل والحكمة حتى ننقذ مصر ونسقط الفاشية التى تخون الوطن، ثم لا تتورع عن اتهامنا بالخيانة!!