على عكس الكثيرين لم يصدمنى كثيرا «فيديو البرهامى» الذى كشف فيه الأخ ياسر البرهامى مخطط السيطرة على أعمال اللجنة التأسيسية للدستور الباطل، والنجاح الذى تحقق للرجل وحلفائه فى تنفيذ هذا المخطط. لم يصدمنى «فيديو البرهامى»، بل أثبت أننا كنا على حق، حين قلنا إن هذه ليست لجنة للدستور، بل هى عصابة تعمل وفق شعار «اخطف الدستور.. واجرى»!! لم يصدمنى «الفيديو» كثيرا.. فالرجل لم يقل يوما إنه ذاهب إلى اللجنة التأسيسية لكى يضع دستورا يصون الحريات، ويعلى من قيمة المواطنة، ويضمن للمصريين جميعا حقوقهم المشروعة على قدم المساواة. الرجل ذهب مع زملائه وحلفائه وهم يعلنون على الملأ أن الديمقراطية كفر، وأن الليبراليين والعلمانيين واليساريين فى النار. ذهبوا يضعون الدستور وهم يرفضون أى حديث عن دولة مدنية، أو عن حقوق المرأة والطفل، أو عن حماية الفقراء، أو عن عدم التمييز بين المصريين، مهما كانت معتقداتهم. ذهبوا لوضع الدستور وهم يعلنون أنهم يريدون دولة الخلافة ولو بعد حين، ويطلبون حكم الأئمة ولو كان من خارج العصر!! ربما كان ما يصدم فى «فيديو البرهامى» هو ما كشفه من حجم الخداع والمناورة، والكذب، والاحتيال الذى تم من رجال يدَّعون التقوى والاستقامة، فإذا بهم -باسم الإسلام البرىء مما يفعلون- يرتكبون كل هذه الجرائم، ثم يجلسون ليتفاخروا بما صنعوا، ويستعدون لاستكمال الجريمة بتطبيق دستورهم الباطل وفق تفكيرهم المتآمر المنحرف!! لقد كشف الكثير من أعضاء لجنة الدستور هذا المخطط، وانسحبوا من اللجنة، فماذا عن الذين ظلوا يشاركون فى المؤامرة وهم يعلمون، ويكذبون على الله والناس وهم يهدمون- بدستورهم الباطل- أسس الدولة، ويغتالون أهداف الثورة، ثم يدعون الشعب إلى الاستفتاء على «الجريمة» التى ارتكبوها باعتبارها دفاعا عن شرع الله؟! فى «فيديو البرهامى» يفضح الرجل كيف تم خداع المصريين، ويكشف بوضوح كامل حقيقة الدستور الباطل الذى وضُع لضرب مكانة الأزهر الشريف، أو سيطرة فكر الخوارج عليه، والذى يطارد أصحاب الرأى ويحاصر الصحافة ويهدر دولة القانون، ويقتل الديمقراطية، ويتعامل مع شركاء الوطن باعتبارهم «نصارى» يملكون الجرأة، لكى يطالبوا بأن يكونوا مواطنين فى دولة تساوى بين أبنائها، وتطبق الشرع كما أراده الله، لا كما يريده خوارج هذا العصر. فى «فيديو البرهامى» يكشف الرجل أن هذا الدستور الباطل كان تعبيرا عن إرادة عصابة متآمرة، لا عن إرادة أمة ثارت من أجل الحرية وكرامة الإنسان. ومع ذلك فالرجل كان متسقا مع نفسه، وهو -بلا شك- أشرف بكثير من سياسيين يدعون العفة، ومن رجال قانون يدعون العلم.. شاركوا فى الجريمة وهم يعلمون، وخدعوا الناس عن عمد، ورضوا بأن يكونوا «أدوات» فى مخطط البرهامى، ثم خرجوا لتسويق الدستور الباطل باعتباره أعظم دساتير العالم!! الآن.. تتضح الصورة كاملة. هذا دستور للقضاء على ما تبقى من الدولة الحديثة فى مصر وإقامة دولة أخرى نعرف نموذجها جيدا فى أفغانستان والصومال. هذا دستور يضرب الحريات، ويعادى الديمقراطية، ويهدد استقلال القضاء، ويفكك دولة القانون، ويعلن العداء لوسطية الأزهر الشريف. «فيديو البرهامى» يقول بوضوح إننا كنا أمام عصابة تخطف دستورا لتتخذه طريقا لإقامة دولتها الاستبدادية. سيسقط الدستور، وسيسقط الاستبداد. مصر أكبر بكثير من أن تخضع لحكم العصابات.. أو لدساتيرهم الباطلة!!