بعد 100 يوم من حكم الرئيس الإخوانى فى مصر محمد مرسى، انقسم المصريون إلى 3 فرق أساسية. الفرقة الأولى صممت على أن مرسى ومكتب الإرشاد وتنظيم الإخوان المسلمين تمكنوا من العبور بمصر إلى بر الأمان وحققوا ما لم يحققه كل حكام مصر مجتمعين منذ 7 آلاف سنة. والفرقة الثانية لم تر أى إيجابيات حققها مرسى، بل ازدادت الأمور سوءًا وتفاقمت الأوضاع بشكل لم يحدث له مثيل إلا فى فترة احتلال الهكسوس لمصر وفى مرحلة تجليات الحاكم بأمر الله. بينما الفرقة الثالثة التى تشكل السواد الأعظم من المصريين تسير مع السائرين نيامًا. فى الحقيقة، لسنا هنا لعرض جهود وكرامات مرسى، بل لتأكيد حقيقة واحدة، وواحدة فقط، ألا وهى أن الرئيس الإخوانى فى مصر تمكن من فرض واقع جديد لم يتمكن أى احتلال من فرضه خلال 100 يوم فقط طوال تاريخ مصر. لقد أصبحت البلاد بطولها وعرضها تناقش الشريعة والمقاصد السياسية فى الإسلام. بات الشعب وأمسى وأصبح يبحث فى الأحاديث والآيات القرآنية والسيرة النبوية، ويناقش أى الحالات فى أى الظروف تتناسب مع المسلمين بما لا يخالف شرع الله. بل وانهمك الجميع فى توضيح كيفية الوضوء والسلوك والتصرفات فى إطار المحبة والزكاة والتكافل والعفة والنظافة. صارت المصطلحات الدينية سيدة الموقف والمدخل الآمن لكل النقاشات. وفتحت وسائل الإعلام أبوابها للتأويلات الدينية والنصح والإرشاد ووضع كل شىء فى «قفة» الدين والمصطلحات الدينية. ويكاد الصراع (الشكلى) يقتصر على قوتين أساسيتين فى المجتمع، هما الإخوان والسلفيون، بينما الجماعات الجهادية القديمة والجديدة تلعب فى ملعب آمن تتماس فيه القوتان الرئيسيتان. هكذا نجح مكتب الإرشاد وتنظيم الإخوان وممثلهما فى قصر الاتحادية من دفع المجتمع المصرى إلى اعتماد خطاب جديد يتجلى فى استخدام المصطلحات الدينية والدخول إلى ساحة السفسطة والنقاشات البيزنطية. وهكذا بدأت مصر تسير على أول عتبات طريق جديد يختلف فى واقع الأمر عن كل التجارب الموجودة، سواء فى أفغانستان أو باكستان أو تركيا أو إيران أو السعودية، أو حتى ماليزيا وأندونيسيا. يبدو أنها التجربة المصرية المتفردة فى تطبيق الشريعة وإقرار الدين الإسلامى كنمط حياة، أو على الأقل التمهيد لمجتمع إسلامى متفرد يقوم على دعائم أساسية من تعاليم حسن البنا وأسفار مكتب الإرشاد والتاريخ السرى لتنظيم الإخوان. لقد نجح الرئيس الإخوانى فى مصر فى تدشين حالة غير مسبوقة على الساحتين السياسية والإعلامية تعكس مدى (الصراع الدامى بين الإخوان المعتدلين القادرين على إدارة دولة مصر!)، وبين (السلفيين المتطرفين المشعوذين المندفعين!). وتعكس أيضا (المخاوف من التيارات الجهادية التى أطلق سراح أفرادها هو بنفسه وبمراسيم رئاسية!). فى الوقت نفسه، يكاد مرسى ومكتب الإرشاد وتنظيم الإخوان ينجحون فى حصار كل التيارات والقوى السياسية وتقليص مساحة تأثيرها ونفوذها، بل ووجودها بالكامل. فالاحتجاجات العمالية أصبحت ظاهرة إجرامية وبالتالى يجب عزلها إعلاميا وأمنيا وقانونيا. وإضرابات الأطباء تتسبب فى أضرار بالغة وبالتالى يجب إدانتها والعمل على وقفها ولو بالقوة أو التشويه الإعلامى. ومشكلات الطلبة مجرد حماس واندفاع وتهور وبالتالى ينبغى التعامل معها بأساليب أمنية قمعية، ودينيا أيضا. وتهجير المصريين والاعتداء على أملاكهم مجرد ظاهرة عابرة، وبالتالى يجب أن لا نلتفت إليها كثيرًا أو نعيرها أى اهتمام تفاديا للفتنة الطائفية وتشويه سمعة مصر. وخطف الفتيات والاعتداء على النساء فى الشوارع ليسا إلا خطأ من جانبهن بسبب عدم الاحتشام واستفزاز الرجال على التحرش بهن، وبالتالى على المرأة أن تستمع جيدًا لنصائح مكتب الإرشاد وأمانة المرأة فى حزب الحرية والعدالة لتصون عفتها وكرامتها، ومن باب التأكيد، يجب على كل مواطن أن يختن ابنته فى الطفولة ويسارع بتزويجها فى سن الثامنة أو التاسعة. هناك نموذج (إخوانى - عشوائى) ممنهج يجرى تدشينه فى مصر. وعلى الرغم من المفارقة بين (عشوائى وممنهج) إلا أن الواقع يشير إلى عدم إمكانية وجود أى مصطلحات أخرى يمكن أن تعكس ما يجرى سوى «العشوائية الممنهجة». لقد وقعت كل التيارات المدنية تقريبا فى فخ التفسير والتأويل والنقد على نفس الأرضية التى يدفع فى اتجاهها مكتب الإرشاد ومشايخ السلفية. الجميع الآن يتبارى فى التودد للعامة والبسطاء، ويسعى لشرح الأمور دينيا وفقهيا، بل وتصل الأمور إلى طلب مهلة إضافية لسيادة الرئيس وتنظيمه ومكتب إرشاده من أجل تحقيق مشروع (النهضة!) الوهمى. لقد غرق الجميع تقريبا فى بركة الماء الآسن التى حفرها الإخوان. والآن يظهر الحزب السياسى تلو الآخر. تتعدد الأحزاب ويعتمد قادتها ورموزها مصطلحات تتسق مع الواقع الذى يفرضه مكتب الإرشاد وقصر الاتحادية ووسائل الإعلام التابعة لدولة الإخوان. وتتوارى فى الوقت ذاته المصطلحات المدنية والعلمانية، والعلمية الحديثة. تتوارى الرؤى الجادة والواضحة المرتكزة إلى العلم والتطور. وتتوارى معها القضايا الكبرى، وعلى رأسها القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والأمنية. فهل هناك نجاح أكثر من ذلك، وخلال 100 يوم فقط؟! يبقى فقط أن نشهد على وقوع النخب المدنية والعلمانية ورجال الثقافة والقانون والسياسة فى فخ المساومة على الدستور عمومًا، وعلى المادة الثانية بالذات. فبدلا من حذفها نهائيا والالتفات إلى وضع دستور علمانى يراعى الزمن وتطور التاريخ والمجتمعات وحقوق الكادحين والمهمشين نجد أن الجميع وقع فى الفخ!