وكما أن الصلاة عماد الدين، فالشرطة عماد الدولة. يعلم جميعنا أننا شعب قليل الذوق، لا يحسن استقبال الضيوف، ولم يهيئ الجو الملائم للشرطة حتى تعود إلى الشارع، خصوصا أن جهاز الشرطة المصرى يختلف تماما عن أى جهاز شرطة آخر فى أى بقعة من بقاع العالم، فشرطتنا مرهفة الحس، رقيقة المشاعر، قريبة الدمع، عزيزة النفس، لا ترغب فى فرض نفسها على من لا يرغبون فى وجودها، بدليل أنها كلما قامت بعملها الجليل فى ضرب الشعب وتعذيبه، وشعرت بامتعاض، ولو بسيط، من قبل الشعب، انسحبت من البلاد كلها، ونظرت إلى المرآة باكية، ثم كسرت زجاج المرآة بعلبة البودرة. نحن نحتاج الشرطة.. هكذا يرى بعض «المواطنين الشرفاء»، لأن أبناءه يذهبون إلى المدارس. طيب يا حاج، ارسل أبناءك إلى المدارس، وادع الله أن يكفيهم شر عماد، الذى فعل بعماد ما حدث فى عماد قبل الثورة. ركز معايا يا عماد: المقدم عماد عبد الظاهر، كان رئيسا لمباحث قسم شرطة سيدى جابر قبل الثورة، بالضبط، فى الفترة التى استشهد فيها خالد سعيد، حيث ابتلع لفافة بانجو فجرت له وجهه. بعد الثورة قام وزير الداخلية بإيقاع أشد العقوبة على عماد عبد الظاهر.. عقوبة رادعة، عقوبة قاسية، عقوبة شديدة، عقوبة تجعل كل ضابط شرطة يفكر ألف مرة قبل أن يعذب مواطنا.. نقله من رئاسة مباحث قسم سيدى جابر إلى رئاسة مباحث قسم مينا البصل! أنا انهارت فعلا، فى الشدة شديد.. وفى القوة قوى. إلا أن هذا الظلم البين لم يفت فى عزم المقدم عماد عبد الظاهر، الذى يعشق مهنته، ويتفانى فى أداء وظيفته، ولا يأبه لتقدير أهل الأرض ما دام أن أجره على الله، وما دام أنه يعمل بجد واجتهاد، حتى يطمئن الكابتن الذى يرسل أبناءه للمدرسة، وأنا يا خويا لا أعلم مبعث اطمئنان الأب الذى يرسل أبناءه للمدرسة، حين ينتهك عرض عماد عبد العظيم كما حدث قبل الثورة لعماد الكبير. آه.. ركز بقى.. أنت أنت.. الأخ اللى قاعد هناك ويشتكى من غياب الشرطة -الموجودة بكثافة لتعطيل المرور فى شوارع القاهرة- ويقول إنه لا يستطيع أن يرسل أبناءه للمدرسة، ويخاف أن يترك سيارته فى الشارع، وزوجته لا تستطيع الذهاب بالأولاد للنادى. قام المقدم عماد عبد الظاهر بتعذيب وهتك عرض سائق الميكروباص، عماد عبد العظيم، بنفس الطريقة التى حدثت مع عماد الكبير قبل الثورة، وذلك بعد وصلة محترمة من تعذيبه، ومحاولة إجباره على التوقيع على محضر اعتراف بالسرقة، والليلة اتملت عمادات كده وبقت ملخبطة. يقول عماد عبد العظيم، سائق الميكروباص، إن الضابط عماد عبد الظاهر استفز منه، لأنه ظن أن عبد العظيم يتهكم على حبيب العادلى، ويؤكد السائق أن كل ما قاله: أنا خرجت من القسم فى نفس اليوم اللى اتحاكم فيه حبيب العادلى. وذلك حين سأله الضابط: متى خرجت من القسم؟ حيث إن الشرطة كانت قد ألقت القبض على «مجموعة من سائقى الميكروباصات واحتجزتهم فى قسم مينا البصل».. ده استفتاحا كده، أى سواق ميكروباص يتعفق من قفاه ويترمى فى القسم.. ويلقون القبض عليهم بالكبشة كمان، ثم يطلقون سراحهم دون أن يعلموهم سر احتجازهم ولا سر إطلاق سراحهم، وحين يجيبون برد لا يعجب المهبوش اللى كل ما يشوف إنسان يعذبه، يتم هتك عرضهم.. كل ذلك بعد الثورة، وكل ذلك فى سبيل الأمّور، الذى يريد أن يرسل أبناءه للمدرسة، والكتكوتة التى تكره سائقى الميكروباصات، لأنهم «أنا عارفاهم سواقين الميكروباص دول.. بيكسروا عليا وبيشتموا بالألفاظ».. ما إن شالله ما راحوا المدرسة، إلهى يسقطوا فى مادة الرسم فى تانية ابتدائى، وما علاقة ذهاب أبنائك إلى المدرسة بتشغيل جهاز يمتهن مهنة التعذيب المنظم؟ وما علاقة فانوس سيارتك التى كسرها أحد سائقى الميكروباصات بالتصفيق الحار لجماعة إجرامية ترفض حتى الاعتذار عن جرائمها بحق الإنسانية؟ الشرطة تحتاج إلى إعادة هيكلة من الجذور، حتى يتمكن ابنك من الذهاب للمدرسة فى حماية إنسان سوى، لا مريض يدمن على هتك الأعراض، وحتى تسيرين بسيارتك فى طريق ينظمه ويؤمنه أشخاص ذوو كفاءة، لا مجموعة من الانتقاميين الذين يتعمدون تعطيل المرور، والابتسام فى وجه المواطنين بتشفٍ.. خلّى الثورة تنفعكم. دول عايزين يتحطوا فى مستشفى مجاذيب. دول مش يشتغلوا فى الشرطة. وأخيرا، إذا كانت الطبقة المتوسطة العليا تشعر بالرضا عن الشرطة بشكلها الحالى وترغب فى عودتها، فاسمح لى أخى المواطن أختى المواطنة، حين نضع فانوس سيارتك فى كفة وعرض إنسان برىء فى كفة، فلا أظن أن احتياجاتك ستكون من أولويات الوطن.